كلمة المفكر حسين مروة في تأبين المربي والمناضل الشيوعي ميشال واكد *

متفرقات
 من كهوف الظلام تخرج الثعابين القاتلة ..من ظلام الأشياء والأفكار تخرجُ لتغتالَ جمالَ الأشياءِ والأفكار ..ومن ظلام الهمجيّة تخرجُ لتنهشَ بهاءَ الحقيقةِ والحُلُمِ في عينِ إنسانٍ يحلمُ بأبهى حقيقة للإنسان..***


من ظلام الفاشيّة - كل أشكال الفاشيّة - تخرج الثعابين القاتلة.. تخرجُ شاهرةً من ذاتها شَبَقَ القتل، تقتلُ الحياة والإنسان.. تقتل الناس الطيّبين، لأنهم طيّبون، أي لأنهم - بطبيعتهم - يرفضون الفاشيّة.. لأنهم - بطبيعتهم - جنودٌ متطوِّعون، ضمناً ودائماً، للدفاع عن الديمقراطية، أي عن شرف الحرية وكرامة الإنسان ونبالة الحياة ..
***
من كهوفِ الظلام هذه خرجتْ ثعابين الفاشيّة الهمجيّة إلى ميشال واكد ..
لماذا ميشال واكد نفسُه؟
هو شخصٌ وهو رمزٌ معاً: كإنسان وكمعلِّم، رفع معنى الإنسان ومعنى المعلِّم إلى منزلةٍ صار بها ميشال واكد قدوةً للآخرين، أي صار في منزلةٍ لا يبلغُها من الناس سوى الذين يبلغون أعلى المَنازِلِ في معاييرِ القِيَمِ الفاضلةِ للإنسان، فرداً ومجتمعاً.. إنَّ ميشال واكد استحقُّ بذلك أنْ يصيرَ رمزا ... وقد صار - فعلاً - ذلك الرمز المشعّ للقِيَمِ العامةِ نفسِها بين زملائه وتلاميذه ومواطنيه.. على أنَّ صيرورة هذا الرمز أضْفَتْ على شخصه كإنسان وكمفكِّر، إنساناً خاصاً، له سطوعُه الوهّاج ..
ميشال واكد: الشخص والرمز والإنسان والمعلم هو - إذن - مسكونٌ حتى العظم بطبعه الديمقراطي وبفكره الديمقراطي وبقدرته الخلاّقة على ممارسة الفعل الديمقراطي: سلوكاً اجتماعياً، وسلوكاً مهنياً تربوياً، وسلوكاً كفاحياً وطنياً ..
ثم هو مسكونٌ حتى العظم أيضاً بالتِزامه الديمقراطي لقضيّتيْن تتداخلان من الأعماق:
- قضية تحرير الوطن من الاحتلال الإسرائيلي ومن الفاشيّة والعنصرية في آنٍ معاً ..
- وقضية الطبقة العاملة اللبنانية، أي قضية حزبها الطليعي وفكرها الثوري ومصالحها الطبقية التقدمية ..
ميشال واكد هو بذاته - إذن - كشخصٍ ورمز، كإنسان ومعلِّم، وضعَ مسألة الديمقراطية بأبعادها العميقة، في ميزان التعامل الفعلي، ووضع الآخرين حيال هذه المسألة عراةً دون ساتر، لامتحان مصداقية كلٍّ منهم في مجال العلاقة التعاملية مع الديمقراطية ..
***
ثعابين الفاشية لم تستطع أن تحتملَ ميشال واكد يتحدّى ظلامها بمشعاله الديمقراطي.. خرجت إليه من جحورها العفنة، لتغتالَ مشعاله..
هنا مأساة الفاشيّة.. هنا مأزقُها الصادم دون رحمة .. هنا تدفع بثعابينها القاتلة نحو مطارح النور لتُطفئ المشاعل الوهّاجة، فلا انطفأ شيءٌ، بل ازدادت المشاعلُ سطوعاً وتوهّجاً ..
تستطيع ثعابين الفاشية أن تخنقَ الأنفاس في أجسادِ الحاملين لهذه المشاعل، لكن، من بؤس الفاشية، أنَّ كل واحد من هذه الأنفاس يتحوّل أجراساً تجلجلُ في وجدانيات الناس وعقولهم، مؤذنةً بأنّ الفاشية، كل أشكال الفاشية، إلى اختناقٍ واندثار ..
***
صحيح، مات ميشال واكد.. لكن.. انتفض فوراً على الموت ودقّ ناقوس الخطر ..
تلك هي المسألة...
* قبل اغتيال المفكر حسين مروة بسنة كاملة كتب كلمة تأبينية بمناسبة اغتيال المربي والمناضل الشيوعي ميشال واكد في 12 شباط 1986، لينضمَّ إلى قافلة الشهداء الشيوعيين، أعيدُ نشرَها بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي، (هناء مروة).

 

# موسومة تحت : :