الصراع الداخلي الفلسطيني وأثره على مستقبل الدولة الفلسطينية

  غازي الصوراني - الحوار المتمدن
فلسطين

حينما نتحدث عن الواقع الراهن أو المستقبل ، فإننا جميعا ندرك أننا نتحدث عن أحوال ومتغيرات تحققت أو مستجدات ومتغيرات لم تتحقق بعد ، ولكنها ستحدث بالضرورة ، انسجاما مع مسيرة الحياة وصيرورتها التي لا تتوقف عن الحركة والنشاط ، صعودا في هذا الجانب، وهبوطا في الجانب الآخر ، يحددهما في الظروف السياسية والاجتماعية ، طبيعة الدور الإنساني وإرادته وموقفه تجاه عمليات التغير والمستجدات ، وبالتالي فإن السؤال هنا ، ما هو دورنا فيما يحدث من حولنا ، وما سيحدث ؟ مدركين أن هذا الدور مرهون دوما بحجم القوة المتاحة وبالرؤية التي ينظر إليها وينطلق منها كل فريق نحو عملية التغيير والظروف المحيطة بها.


المسألة الثانية ، التي أرى وجوب الإشارة إليها ، هي أننا لا يجب أن نتحدث أو نتناول قضايا الحاضر عموما ، والمستقبل خصوصا، بصيغة الإنباء أو التوقعات الافتراضية التي لا تستند على الواقع وحركته .
لذلك فإن الحديث عن المستقبل في ظروفنا المعقدة ، هو في جوهره رؤية تقوم على قاعدة الاستشراف الملتزمة بالمنهج العلمي الذي لا يترك مجالا واسعا للاحتمالات وتنوعها ، ويوفر القدرة على تفسير الظواهر والأحداث استنادا إلى أسبابها الواقعية الملموسة المحددة بعيدا عن أية عوامل لا تمت لهذا الواقع أو ترتبط معه بصلة .
نشهد في هذه اللحظة المهينة من تاريخنا، تراجعاًً حاداً للأفكار الوطنية التوحيدية التي عبرت عنها م.ت.ف، لحساب الأفكار السوداء التي تروج لعوامل القلق والإحباط واليأس في هذه المرحلة التي يتبدى فيها نوعاً من التطابق في النتائج السياسية الكارثية، بين مسار الحركة الوطنية قبل عام 48، ومسار ما بعد أوسلو وصولاً إلى المشهد السياسي الراهن والصراع على المصالح والصلاحيات والمحاصصة بين طرفي الصراع، في ظروف ساهمت تراكماتها الداخلية والخارجية إلى انتقال الحركة الوطنية والديمقراطية الفلسطينية من موقع الأزمة إلى موقع المأزق شبه المسدود عبر مجموعة من العوامل أو الإشكاليات بدءاً من استفراد العدو الإسرائيلي بشكل ومضمون الحل المرحلي وفق رؤيته السياسية والأمنية التي تعاملت مع كافة الاتفاقات من أوسلو الى أنا بوليس كصيغة توافقية اعتماداً على التفاصيل أو الجزئيات دون الأساسيات التي كانت – وما زالت – محسومة صهيونياً، وهي رؤية اكتشفها الراحل الشهيد ياسر عرفات وقتل بسبب إصراره على رفض اللاءات الصهيونية الخمسة: لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، لا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة فالمسألة بحسب التصوّر الصهيوني أن الأرض هي أرض يهودية والتصرّف بها انطلاقا من ذلك، الأمر الذي يجعل الحكم الذاتي هو الشكل الأقصى للسلطة الفلسطينية في إطار دولة يهودية تسيطر على كل فلسطين (طالما بقيت موازين القوى على ما هي عليه).
هذا يقود إلى التأكيد على ضرورة إعادة البحث في المشروع الصهيوني من حيث طبيعته وعلاقته بالرأسمالية العالمية، وبالمسألة اليهودية، وكذلك بوضع العرب في النظام الامبريالي العالمي.
وهنا نشير إلى أن القضية الفلسطينية هي – من هذه الزاوية- هي قضية عربية، وان الوجود الصهيوني مؤسس لكي يكون معنياً بالوضع العربي، ولذلك فان الأمر الجوهري هنا يتعلق بمشروع للهيمنة والسيطرة على العرب هو المشروع الامبريالي الصهيوني، وهذا التحديد أساسي في وعي طبيعة الصراع كما في تحديد الحل الممكن، في ضوء فشل الوصول إلى الحل المرحلي وفق الحدود الدنيا للمنظور الوطني الفلسطيني كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، وبيان مكة، وما تلا ذلك من صراع دموي أدى إلى تآكل النظام السياسي الفلسطيني في السلطة والمنظمة معاً، و بروز مخاطر تحوله إلى إطار استخدامي لحساب التحالف الأمريكي الإسرائيلي، إذا لم تبادر القوى السياسية الفلسطينية إلى إعادة تجديد وتفعيل الحوار الوطني الشامل بما يضمن تجاوز حالة العجز الراهنة وإعادة إصلاح وبناء النظام السياسي الفلسطيني في السلطة والمنظمة وفق رؤية سياسية جديدة، بما يضمن تأسيس وترسيخ العلاقات الديمقراطية بين كافة القوى الداخلية السائدة اليوم بين فتح وحماس والتي وصلت إلى حد الصراع الدموي على السلطة ومن ثم القطيعة الكاملة بينهما المحكومة بقواعد التربص والخوف والاستبداد والقمع.
ولذلك فإن الصراع الدموي على السلطة الذي وصل ذروته في منتصف حزيران الماضي لم يكن إلا نتاجاً لتراكمات العوامل الخارجية والداخلية، السياسية والمجتمعية ارتباطاً باستمرار التفاوض العبثي من ناحية وبتفكك الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية الفلسطينية من ناحية ثانية، وهي كلها عوامل كانت محكومة بطبيعة مظاهر الخلل والفساد والمحسوبيات والفلتان الأمني التي باتت تشكل العنوان الأبرز في مجتمعنا الفلسطيني عشية ذلك التاريخ، وفي هذا السياق ينبغي الاعتراف بأن لفتح دوراً رئيسياً غير قابل للإنكار لأسباب اختلطت فيها المصالح السياسية والطبقية والشخصية وسوء التقدير والفوضى التي حكمت قيادة السلطة وفتح عموماً وأجهزتها الأمنية خصوصاً طوال المرحلة الماضية، وصولاً إلى الوضع الراهن الذي يتطلب من الإخوة في حركة فتح أن يسارعوا إلى دراسة وأخذ العبر والدروس مما جرى في غزة في سياق رؤية وطنية وديمقراطية متكاملة.
أما بالنسبة لحركة حماس، فيبدو أن حسمها العسكري –للوهلة الأولى- قد أرضى أو أفرز نوعا من الارتياح لدى قطاعات وشرائح اجتماعية واسعة من الشعب الفلسطيني ارتباطا بإزاحة سلبيات الأجهزة الأمنية والطغمة البيروقراطية الفاسدة في قطاع غزة، لكن حماس أخذت تمارس نفس الأساليب السابقة، عبر القمع والاعتقال والترهيب للعديد من كوادر وأبناء حركة فتح ، علاوة على تعبئتها ضد القوى العلمانية واليسارية، في محاولة منها لفرض شرعيتها الهادفة إلى مراكمة ومن ثم تكريس مفهوم "الإمارة الإسلامية أو الإسلام السياسي" في مجتمعنا بغض النظر عن التطمينات الصادرة في خطابها السياسي المعلن، وبالتالي تُكَرِّس أحادية السلطة ذاتها وإن بمسميات جديدة وطارئة مرتبطة باستدامة الصراع الحاد مع حركة فتح والسلطة.
وفي ضوء كل ما تقدم فان من المفيد العودة إلى تاريخنا المعاصر لمتابعة العلاقة بين كل من حركة حماس (وحركة الإخوان المسلمين قبلها) والمقاومة الفلسطينية في إطار م.ت.ف التي يمكن ترتيبها وفق أربعة مراحل هي:

المرحلة الأولى :
التي انتهت مع بدء الانتفاضة الأولى، حيث كانت حركة الإخوان المسلمين (المجمع الإسلامي) تركز على الأسلمة ، وتنشط سياسياً في إطار التحالف مع النظم العربية الرجعية، لكن رغم ذلك فان الموضوعية تقتضي ملاحظة التحولات السياسية في البنية القيادية لحركة حماس ضمن إطار النضال الوطني ضد الاحتلال حيث اختلطت الأهداف الوطنية بالمنطلقات الدينية.

 

المرحلة الثانية :
الإعلان عن تأسيس حركة حماس بعد بدء الانتفاضة الأولى، ولم تشارك في قيادتها، بل بدت أنها تطرح ذاتها كبديل عن م.ت.ف والقيادة الموحدة للانتفاضة، وظل الأمر على هذا الحال حتى عقد اتفاق أوسلو الذي أدى إلى فرط الانتفاضة الأولى.

المرحلة الثالثة :
لم تنضوِ حركة حماس في السلطة، ورفضت اتفاقات أوسلو، وبدأت في تحدي السلطة ذاتها، كما حدث سنة 1996. الأمر الذي أدى الى تبلور حماس كقوة مقاومة إستفادت من إرتباكات التنظيمات الأخرى ومن فضائح السلطة وفشل مشروعها، بالرغم من الإجراءات القمعية التي مارستها أجهزة السلطة الأمنية ضد حماس في هذه المرحلة.
وفي خضم هذا الصراع بات معروفاً أن الانتفاضة الثانية فتحت الأفق لحركة حماس لأن تلعب هذا الدور بجدارة، حيث استقطبت شباباً مستعداً للقتال والاستشهاد، ليس نتيجة قناعات دينية فحسب، بل أيضاً نتيجة موقف وطني وَجَدَ في حركة دينية تعبيراً عنه. وبالتالي بدت البديل عن السلطة والتنظيمات الأخرى، لهذا جرى انتخابها بأغلبية كبيرة.

المرحلة الرابعة :
بنجاح حركة حماس ، تأسست ازدواجية في السلطة، لكنها بدلاً من أن تستفيد من أغلبيتها البرلمانية في تنفيذ سياستها التي نجحت على أساسها، والقائمة على رفض اتفاقات أوسلو، عبر السعي لإلغاء تلك الاتفاقات او المطالبة بتعديلها، إلا أن حماس تمسكت بالسلطة، وبدا أنها أصبحت تفكر في تنفيذ مشروعها الأساسي السابق لمشروعها المقاوم، أي "نظام الإمارة الدينية أو الإسلام السياسي" وإعطاء مَثَل بأن الإخوان المسلمين يمكن أن يصبحوا في السلطة، ليس في فلسطين فقط بل في كل المنطقة كذلك.

الصراع على الشرعية وتفاقم الأزمة الفلسطينية :
الانقسام السياسي الراهن، أنتج بدوره "شرعيتان" على مستوى المجتمع والسلطة ومستقبل الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة والقطاع: شرعية رئيس السلطة المنتخب إلى جانب شرعيته الدستورية في قيادة م.ت.ف، وشرعية حماس المستمدة من المجلس التشريعي، لكن نشأ تناقض في سياسات كل منهما، حيث أن رئيس السلطة يود استمرار "العملية السياسية" غير المتوازنة أو "الواقعية" كما يسميها البعض ، في إطار الشروط الإسرائيلية والعربية الرسمية، ولقد سعى عبر تكتيكات وجهود حثيثة لتقريب حماس من تلك العملية، وبالفعل قدمت حماس بعض التنازلات التي تقاطعت بمساحة هامة مع برنامج السلطة/ فتح، كما لاحظنا في "بيان مكة"، الا ان تنازلات حماس لم تستطع إقناع الرباعية او التحالف الأمريكي الإسرائيلي/ العربي الرسمي أنها قدمت ما تريد. وربما كان وضع حماس (وما زال) لا يسمح لها – في ظروف الحصار الحالي- أن تعلن التزامها الصريح بمفهوم وآليات الهدنة وما تعنيه من الاعتراف غير المباشر بدولة إسرائيل ارتباطا بإعلانها الموافقة على دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67، الأمر الذي يبرز حجم التقاطع الواسع في البرنامج السياسي لكل من فتح وحماس.
- لهذا كله ليس مهماً من الذي يمتلك الشرعية -فهذه كذبة كبيرة- بل المهم كيف نخرج من "الرمال المتحركة" التي غرقنا فيها؟ اذ أن مسارنا السياسي والمجتمعي يسير نحو كارثة، فقد أصبحت غزة منفصلة عن الضفة الغربية سياسياً، ويبدو أن الحلول لكل منهما مختلفة، حيث ليس أمام رئيس السلطة وحكومته ومعظم حركة فتح لضمان السيطرة الجزئية على بعض الضفة (ساحة الصراع الرئيسية الآن) سوى القبول بتطبيق شروط خارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس.
- وإذا كانت فتح قد أسست مصالح لها استناداً الى أنها هي التي شكّلت السلطة، (ورفضت او لم تعرف كيف تتعاطى مع السياسة من أرضية المعارضة) وبالتالي أصبح وجودها يقتضي الاستمرار في السلطة وتحت الاحتلال، فإن خطأ حماس هو أنها دخلت اللعبة ولم تتنبه الى المشكلات التي سوف تنتج عن ذلك، والنتيجة التي سوف توصل إليها. ويبدو أن العقل الأصولي (لدى حماس وقيادة الإخوان المسلمين) هو الذي أنتج ذلك، حيث بدا لهذا العقل، ومن ثم لحماس أنه يمكنها تحقيق مشروعها الاسلامي، وبالتالي تعميمه في المنطقة. لهذا تناست – أو قررت بحكم حسابات تخصها- أن السلطة هذه خاضعة للاحتلال وللدول المانحة، وتبدى لها انها قادرة على التكيف عبر الهدنة او غير ذلك من الشعارات.
- وهو ما يضع حماس في وضع صعب اذا لم تكن ضمن الوفاق الوطني و برنامجه فإما التوافق مع الدولة الاسرائيلية والقبول – فيما بعد- بالحوار على أساس الاتفاقات والالتزامات التي وافقت عليها م.ت.ف والسلطة ، أو القبول بإمارة غزة، أو الاستفراد الاسرائيلي بها واستغلال سيطرتها على قطاع غزة لتصعيد الضغط الاقتصادي والمعاشي، وتشديد الحصار، وأيضاً التدمير اليومي، ومن ثم العودة الى الاقتتال، بمعنى أن حركة حماس وضعت ذاتها في الرمال المتحركة أو هكذا تبدو الصورة كما هي اليوم، الأمر الذي يراكم يوميا عوامل التفكك والانهيار للنظام السياسي الفلسطيني ومشروعه الوطني وما سينتج عن ذلك من كوارث سياسية ومجتمعية على حاضر ومستقبل القضية والشعب والأرض.
- نستنتج مما تقدم، أن مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية لم تعرف في تاريخها صراعا دمويا تناحريا على شاكلة ما عشناه من أحداث وتداعيات تراكمت منذ أعوام وبلغت ذروتها في منتصف حزيران الماضي، حيث جسدت تلك الذروة انقساما بشعا في البنية المجتمعية والسياسية والثقافية لشعبنا، بمثل ما جسدت أيضا انقساما في الحدود الدنيا من البرامج والأهداف والثوابت التي تضمنتها وثائق القاهرة والوفاق الوطني وبيان مكة المرتبطة بهذه المرحلة، فقد أصبحنا في ظروف باتت فيها وحدة شعبنا السياسية والجغرافية والاقتصادية والثقافية مهددةً بالفعل بعوامل التفكك بصورةٍ غير مسبوقة في تاريخنا الحديث والمعاصر، حيث نشهد تراجعاًً حاداً للأفكار الوطنية التحررية والديمقراطية التوحيدية لحساب الصراع والاقتتال على المصالح الرخيصة التي تروج لعوامل القلق والإحباط واليأس.
- إن لوحة التناقضات الراهنة في الضفة وقطاع غزة تثير العديد من الإشكاليات والملابسات والغموض بالنسبة للوضع السياسي والقانوني لمستقبل الضفة والقطاع، حيث ندرك بوضوح أنه إذا ما بقي هذا الوضع على ما هو عليه، فلا تفسير لذلك الا تكريس الانفصال السياسي والقانوني والجغرافي بينهما، وهذا يعني أن لا مستقبل للدولة الفلسطينية او المشروع الوطني أو حتى الوحدة الوطنية ووحدة المجتمع الفلسطيني في ظل هذا المشهد البائس المرفوض من كل أبناء شعبنا الفلسطيني وقواه الوطنية والإسلامية.
- وبالتالي فان كل الأسباب التي دفعت الإخوة في حماس إلى ما قاموا به من حسم عسكري بالرغم من كل المقدمات والممارسات التي دفعت اليه لا يمكن أن تُقبل كمبرر لفصل غزة عن الضفة، لان هذه الأسباب ونتائجها مهما تضمنت من حيثيات، يجب أن لا تشكل خروجاً على الأسس القانونية والديمقراطية للسلطة الفلسطينية ورئاستها ومجلسها التشريعي التي جاءت نتاجاً لتجربة ديمقراطية لا خيار لنا –جميعا، وفتح وحماس تحديدا- سوى حمايتها وتكريسها وتطويرها، ما يعني أن أية خلافات أو صراعات سياسية يجب أن تدور تحت المظلة الدستورية والقانونية والديمقراطية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية كما أقرتها الانتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة، وكما حددتها النصوص الدستورية سواء في وثيقة الاستقلال أو في القانون الأساسي وكافة القوانين التي أقرها المجلس التشريعي، هذا المبدأ الناظم او السقف هو منطلقنا الأساسي الذي لا يجوز لأحد ان يتجاوزه تحت أي مبرر كان، لأنه الإطار الوحيد والحقيقي للوحدة الوطنية والتعددية السياسية لجميع الحركات والفصائل والأحزاب والفعاليات والمؤسسات نمارس فيه حواراتنا وصراعاتنا وخلافاتنا السياسية بالأسلوب الديمقراطي وحده الذي يكفل حرية الاختلاف في الرؤى والبرامج على قاعدة استكمال وإنضاج عناصر التقدم ووحدة الوطن والشعب والقضية، وليس على قاعدة الانقسام والتفكك التي يسود مشهدها الكريه في هذه اللحظة السوداء التي لا نشك في قدرتنا على تجاوزها ودفنها لكي تبقى الديمقراطية الفلسطينية مهداً للنضال وأداة لتحقيق الأهداف الوطنية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، ولن تكون بأي حال من الأحوال لحداً أو قبراً لتلك الأهداف.
- وفي هذا السياق، فإننا جميعاً نتفق على أن لا مستقبل لمنظمة التحرير بكل فصائلها ومكوناتها ومشروعها الوطني، ولا مستقبل لحماس ومنطلقاتها أو مشروعها الإسلامي بدون التوافق والالتزام على مبادئ الوحدة والصراع الديمقراطي الداخلي كضمانة وحيدة لوحدة الأرض ووحدة الشعب، وعلى هذا الأساس فإن حالة القطيعة المؤقتة بين الإخوة في فتح وحماس آن لها أن تتفكك وتنتهي لكي نسدل الستار نهائياً على هذه القطيعة معلنين التزامنا جميعاً، وفي كل الظروف والمراحل، إن التناقض التناحري هو مع العدو المحتل ولا مكان له بيننا على الإطلاق، وعلى هذا الأساس فإننا جميعاً فتحاويون وحمساويون وجهاديون ويساريون في الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب أبناء رسالة وقضية وأهداف وطنية واحدة، مهما اشتدت وتفاقمت خلافاتنا السياسية أو غيرها، فلا بد من حلها في إطار التناقض أو التعارض السياسي الديمقراطي، مدركين أن هذه اللحظة ليست لحظة الحديث عن تطبيق الأيدلوجيات، رغم أنها تمثل الرؤية الإستراتيجية أو الأهداف الكبرى لكل فصيل أو حركة سياسية.
- ووفقاً لهذه القواعد يمكن تحديد الموقف من أسلوب الحسم العسكري ورفضه من حيث المبدأ، وكذلك رفض كل الإجراءات والمراسيم غير الدستورية أو غير القانونية التي تلته في غزة أو رام الله، انطلاقاً من اطار وقواعد الحوار الوطني الشامل والصراع الديمقراطي على أرضيته وليس من على أرضية الحسم العسكري أو العنف، كمخرج وحيد أمام خطر تمزيق الوجود الجغرافي السياسي للمشروع الوطني من جهة وخطر تمزيق وتفكك حركتي حماس وفتح من جهة ثانية.
- ذلك أن استمرار الضغط والحصار على قطاع غزة، وما يرافقه من تنابذ داخلي في أوساط شعبنا في الوطن والشتات ومن إصرار أمريكي إسرائيلي على فرض شروطهم علينا، قد يضع الجميع أمام نتائج واحتمالات ستؤدي بنا في ظل تزايد عوامل اليأس إلى متغيرات فوضوية دموية وعدمية خطيرة ومدمرة، يهون معها ما نحن فيه من أوضاع مملوءة بالتشاؤم، ما يفرض على كل وطني مخلص -بالمعنى الحزبي والذاتي- أن يبادر إلى الضغط الفعال المتصل من أجل العودة للحوار دون شروط أو تعقيدات انطلاقا من أن قضية الوطن والأرض ووحدة الشعب تعلو وتتسامى فوق كل الشروط، وانطلاقا من أن هذه الخطوة ستعود على أصحابها بمزيد من المصداقية والاحترام في صفوف شعبنا بمثل ما ستسهم في أحياء الآمال الكبرى في الوحدة الوطنية كضمانة لتحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة، ونتوجه للجميع بالنداء المحفز للحوار : بالرغم من كل ما جرى فإن اللحظة الراهنة ما زالت مملوءة بإمكانات ومقومات الضرورة والأمل، للوصول إلى الحوار الديمقراطي الشامل المفتوح القائم على أساس وثيقة الوفاق الوطني لضمان وحدة الشعب والقضية، وضمان وحدة الجغرافيا والمجتمع الفلسطيني الواحد في الضفة والقطاع، ذلك إن أي موقف مغاير من أي منهما سيصب بالضرورة – مهما كانت دوافعه- باتجاه تعميق أو تكريس الطلاق بينهما، بحيث تصبح غزة أولاً، والضفة عاشراً، بلا مستقبل واضح لها سوى التقاسم الوظيفي وبقاء الاحتلال أو إعلان دولة عاجزة منقوصة السيادة فيما يتبقى منها بعد مصادرة الأراضي شرق الجدار وأراضي وادي الأردن والقدس ، ما يعني أننا سندخل مأزقاً جديد لن يخرج منه احد منتصراً، بل ستتحول "انتصارات الجميع إلى هزائم!!!، وهي نهاية مفجعة لا يريدها أو يسعى إليها أحد، وهذا يتطلب أن يكف الإخوة في حركة فتح عن الاستجابة للسياسات والشروط الأمريكية والإسرائيلية، باسم الاعتدال أو أي مسمى آخر، فحركة فتح –على قاعدة مبادئها ومشروعها الوطني- كانت ولم تزل حجر الزاوية في جدار الوحدة الوطنية والتاريخ الوطني الفلسطيني، لذلك آن الأوان أن تخلص نفسها من كافة العناصر المضادة لهذه المبادئ ، خاصة وان العدو الإسرائيلي لن يتراجع عن لاءاته الرافضة للدولة المستقلة كاملة السيادة على أراضي 67 وحق العودة وإزالة المستوطنات والقدس، ويريد أن يفرض علينا شرعية المحتل الغاصب فقط، مما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية كهدف مرسوم ، الأمر الذي لن يستطيع القبول به أي فريق من القوى السياسية الفلسطينية.
- ولذلك علينا جميعاً (خاصة الإخوة في فتح) أن نرى بوضوح المتغيرات الفكرية والسياسية – المرنة والتكتيكية- التي دفعت بالإخوة في حركة حماس وغيرها من حركات الإخوان المسلمين إلى أوضاع جديدة تحتل فيها المرونة والانفتاح والقبول بقواعد اللعبة الديمقراطية وممارستها مساحة هامة، بحيث باتت اليوم جزءاً ملتحماً وفعالاً في حركة التحرر الوطني الفلسطيني بمنطلقات دينية، ولذلك فان أي حديث عن إعادة بناء م.ت.ف أو تعميق سيادة القانون والديمقراطية في بلادنا بدون الإخوة في حركتي حماس والجهاد، إنما يستهدف المزيد من تفكيك النظام السياسي الفلسطيني وفي مقدمته م.ت.ف ، وتفكيك المجتمع الفلسطيني وانقسامه، ومن ثم المزيد من تدهور وانهيار المشروع الوطني التحرري، وهذا لا يعني أبداً إعفاء الإخوة في حماس من مسئوليتهم عن خطيئة الحسم العسكري ، كما لا يعني إعفاء الاخوة في فتح عما تلى ذلك الحسم من اجراءات في رام الله وما تلاه من إجراءات في غزة ورام الله ، وهي إجراءات لا زالت تحكم وتتحكم في المشهد الفلسطيني الراهن كله، عبر برنامجين متناقضين، لكن رغم هذا التناقض إلا أنهما لم يصلا إلى نقطة الطلاق فما زال هناك العديد من القواسم المشتركة التي يجسدها بيان مكة ووثيقة الوفاق الوطني، إلى جانب موقف حركة حماس الرسمي الذي يقر بشرعية الرئيس المنتخب أبو مازن والتاريخ النضالي لحركة فتح من جهة ويؤكد إلتزام الحركة في هذه المرحلة بالبعد التحرري بعيداً عن الحديث عن مشروع الإسلام السياسي أو الإمارة الإسلامية، وفي هذا السياق من حقنا على الإخوة في حماس أن نسألهم وأن يجيبوا بوضوح: هل كانت التجربة الديمقراطية التي انبهرنا والعالم بها مدخلاً لهذه الكارثة التي انتقل الصراع فيها من طابعه السياسي الوطني والديمقراطي إلى طابعه التناحري أو المسلح على السلطة والمصالح؟ وهل كانت مشاركة حماس في الانتخابات مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة لتحقيق هويتها الدينية ضد الهوية الوطنية؟ وهل يمكن لمنطق الحسم المسلح أن يخرجنا من الأزمة؟
- هل تريد حماس فعلاً الاندماج في النظام السياسي الفلسطيني الذي تجسده م.ت.ف؟ الجواب لا ، طالما ظلت حماس محكومة برؤى ومواقف حركة الإخوان المسلمين التي ترفض الاعتراف بـ م.ت.ف أو التعاطي الايجابي معها، ولذلك نلاحظ أن قيادة حماس محكومة بمواقف متناقضة تتراوح بين "إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال صيغة جديدة" وبين الموافقة على إصلاح وإعادة بناء م.ت.ف، كما نصت وثيقة الوفاق الوطني، وهذا التناقض يفسر شعارات وخطابات حماس أثناء المشهد الدموي في غزة الذي انطلق من التناقض بين الوطني والقومي أو العلماني من جهة وبين منطق الإسلام السياسي من جهة ثانية، (إنه أيضاً الفرق بين فكرة الجهاد كفكرة إسلامية دينية وبين فكرة التحرر الوطني ، ما يستدعي أو يحتم على مجمل التيارات الدينية الوطنية في بلادنا أن تدرس جديا استلهام أفكار لاهوت التحرير والاستنارة الدينية العقلانية كما طبقتها الحركات الدينية الثورية في أمريكا اللاتينية) إن حسم هذا التناقض في مواقف الحركات الدينية الوطنية في بلادنا سيحدد موقفها المستقبلي: هل تريد اليوم الدخول في النظام التعددي الديمقراطي القائم (م.ت.ف) ، على قاعدة الوحدة والاختلاف وإحلاله وأخذ حصتها أم أنها تسعى إلى نظام سياسي آخر؟
- إن هذه التساؤلات تنطلق من قناعتنا الموضوعية بأن أية محاولة لتجاوز أو إضعاف حركة حماس أو غيرها هو إضعاف للحركة الوطنية ومشروعها، وبالتالي فإن من واجبنا أن ندعوها إلى أن تبلور ما يميزها كحركة وطنية، باعتبارها أحد مكونات حركة التحرر الوطني الديمقراطي الفلسطيني بمنطلقات دينية، لإقناع الجميع بقولها ومصداقيتها في ممارستها بالنسبة لمفهوم وآليات الديمقراطية من حيث التعددية والحريات العامة وحقوق المواطنة ....الخ. ما يعني بوضوح عدم تغليب البعد الأيديولوجي أو الأسلمة على ضرورات التحرر الوطني، وذلك انطلاقا من قناعتنا بأن حركة حماس لن تستطيع فرض الحل الإسلامي في هذه المرحلة، ذلك إن الإصرار على هذه الرؤية الأيديولوجية لن يكون سوى عقبة أمام أي إمكانية للحوار أو استمرار وتواصل مسيرة النضال الوطني الديمقراطي برمته من جهة ، كما يصعب الحديث عن أية ضمانات لاستقرار حماس وصمودها أو وقف المحاولات الجدية لحصارها ولعزلها وتفكيكها عربيا ودوليا وإسرائيليا لحساب المشروع النقيض للمشروع الوطني من جهة ثانية، ما يفرض على الأخوة في حماس أن يتوقفوا عن تطبيق مفهوم وسلوكيات الهيمنة والتفرد في قطاع غزة بما يؤدي إلى استعادة كافة القوى والفعاليات السياسية إلى ممارسة أنشطتها بصورة ديمقراطية دون أية محاذير أو معوقات، وبما سيجعل من الحوار الوطني الشامل مدخلا صحيا وموضوعيا لصياغة استراتيجية التحرر الوطني والديمقراطي التي تلتزم بنصوص وروح الوثائق التي تم اعتمادها والتوافق عليها بين الجميع، لنجسد معا رؤية وطنية تعيد الاعتبار للنضال السياسي الفلسطيني من على أرضية الشرعية الدولية ومقرراتها لكسر ومجابهة التعنت الأمريكي الاسرائيلي دون تجاوز فكرة وضرورة المقاومة ضد الاحتلال، في الزمان والمكان المناسبين، وما يتطلبه ذلك من توحيد الجهود السياسية والميدانية على الأسس التالية:
- 1- ان التحرر الوطني لا يخاض في أي مجتمع ولا تُكسب معركته الا بالسلاح الأمضى عند كل شعب: الوحدة الوطنية في مواجهة العدو.
- 2-ان الاطار الطبيعي والتنظيمي لوحدة الحركة الوطنية والاسلامية هو م.ت.ف، فهي رغم أي اختلاف على القضايا السياسية في إطارها، تظل في مرحلة التحرر الوطني المكان الطبيعي لتحقيق النظام التمثيلي والديمقراطي لشعبنا في الوطن والشتات ولمجتمعنا في الضفة والقطاع.
- 3-إن الاقتتال على السلطة والمحاصصة واقتسام المصالح عبر الصراع الدموي أو التناقض التناحري على حساب الديمقراطية والوحدة الوطنية هو أقصر الطرق إلى اسقاط المشروع الوطني والقضية الوطنية برمتها.
- انني اعتقد بوجود مساحة من الرؤية العقلانية والسياسية المستنيرة لدى الاخوة في قيادة وكوادر حركة حماس، ما يدفعني إلى التوجه إليهم بكل صراحة وموضوعية، لأخاطبهم قائلاً لهم:
- مهما كانت مبررات الحسم العسكري موضوعية وملحة أو ضاغطة، ومهما كانت هذه الوسيلة محمولة بحسن النوايا أو مهما كانت طبيعة الاستفزازات والأسباب التي أوردتموها، إلا أن هذه العملية أدت في محصلتها أو نتيجتها الواقعية إلى ضرب التجربة الديمقراطية، لان ممارسة هذا الأسلوب من الحسم العسكري لا يمكن إلا أن يؤدي إلى شل البنيان الديمقراطي كله، الرئاسة والمجلس التشريعي، وتفردكم او حصاركم بلا افق أو مستقبل في غزة، في مقابل تفرد السلطة وامكانية تفسخها في الضفة، بحيث بات هذا الواقع يهدد بالتصفية مشروع الاستقلال والدولة ، الأمر الذي يجعل من الحوار بينكما خيارا وحيدا وضروريا ملحا لكل منكما كمخرج وحيد من المأزق المسدود الذي وصلناه جميعاً من ناحية ، وللرد الحاسم قبل فوات الآوان على السياسات الأمريكية الإسرائيلية ومشاريعها التي ترى في تعطيل الحوار بينكما مصلحة أمريكية إسرائيلية مباشرة من ناحية ثانية.
- لذلك لا بد من الحوار الشامل – غير المشروط - بين جميع الأطراف، للاتفاق على أسس الحد الأدنى للمشروع الوطني أو ما تبقى منه (وهي أسس باتت متقاربة إلى حد كبير بين فتح وحماس) وبالتالي فان المسائل القانونية والصراعات الذاتية أو الفئوية كلها تصبح ليست ذات أهمية، ما يُسهّل ويوفر الإمكانات لاستعادة التوافق او الاختلاف السياسي الديمقراطي، على قاعدة الالتزام بوثيقتي القاهرة والوفاق الوطني وبيان مكة، والحرص على وقف مسار الهبوط السياسي في الوضع الفلسطيني الذي بات العامل الخارجي مقررا فيه بدرجة كبيرة وأساسية على حساب القرار الفلسطيني الداخلي الذي بات أصحابه في حالة غير مسبوقة من التفكك والضعف.
- إذن يجب أن نكف عن الاتهامات المتبادلة، وان يأخذ كل من الفريقين (حماس وفتح) دوره في وقف كافة مظاهر وأساليب المهاترات والحملات الإعلامية ووقف كافة الإجراءات غير القانونية، إذ أن الصمت على استمرار هذه الصراعات وعدم مجابهتها ووقفها الفوري هو عار علينا جميعا ، وعلى الأخوة في حماس وفتح أن يبدأوا بالفعل بخطوات جدية على هذا الطريق ، ، بما يمهد للعودة من جديد إلى أرضية الحوار المشترك – الشامل لجميع القوى والفعاليات، في إطار لقاء / مؤتمر وطني فلسطيني مصغر يمكن أن ينبثق عنه بياناً أولياً يتضمن الأسس والقواعد الناظمة للحوار المقترح بين فريقي الصراع وفق المحددات التالية:
1- الاتفاق على وقف كافة أشكال المهاترات والحملات الإعلامية والاعتقالات والمداهمات والاتهامات المتبادلة، وضمان إتاحة حرية العمل السياسي والحريات العامة كما نص عليها القانون الأساسي.
2- الانطلاق من شرعيات التجربة الديمقراطية ونتائجها بالنسبة للرئاسة، والمجلس التشريعي.
3- تلتزم اللجنة التنفيذية للمنظمة بوضع وإعلان برنامج زمني – بالتنسيق الكامل والمشترك مع الإخوة في حركتي حماس والجهاد، للبدء الفوري بتطبيق كافة الإجراءات اللازمة لإعادة بناء م.ت.ف بمشاركة الجميع بصورة ديمقراطية على قاعدة برنامج الإجماع ووثيقتي القاهرة والوفاق الوطني.
4- يتضمن البيان نصا صريحا يخطِّئ ويدين أسلوب الحسم العسكري ورفض اللجوء إليه في كل الأحوال، وذلك على قاعدة الالتزام بالقانون الأساسي والمرجعيات الدستورية.
5- أن يؤكد الإخوة في قيادة حركة فتح للشعب الفلسطيني موافقتهم والتزامهم – بالتنسيق المشترك مع كافة القوى - بإعادة تشكيل وبناء الأجهزة الأمنية من أشخاص مشهود لهم بالكفاءة المهنية والنزاهة والمصداقية بعيدا عن أي علاقة حزبية أو فصائلية.
6- الاتفاق على تشكيل وإعلان حكومة وطنية مؤقتة من كافة القوى والفعاليات الوطنية والاسلامية لمدة زمنية محددة تقوم خلالها بإدارة مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع، وإعادة توحيدها كمهمة أولى، والمهمة الثانية الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية وفق التمثيل النسبي الكامل الذي يجنب شعبنا وقواه الوطنية العودة إلى الاستقطاب الحاد من جديد من ناحية ويضمن تحقيق وتكريس الوحدة الوطنية وتطوير التجربة الديمقراطية وتطبيقها بصورة دورية وفعالة من ناحية ثانية.
- الاتفاق على مبدأ تعديل أو إلغاء أية اتفاقات مجحفة أو ضارة بالمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، إن على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو المعابر أو غير ذلك من الاتفاقيات.
- في ضوء ما تقدم فإنني أود التنويه إلى أن تمترس الإخوة في حماس وإصرارهم على أن أسلوب الحسم العسكري للصراعات الداخلية لا يستوجب النقد والتخطئة، لن يعود عليهم بأية مكاسب حقيقية ارتباطا بنتائجه الضارة عليهم وعلى مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني كله، حيث بات الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة في ظل الوضع الراهن المحكوم بالهيمنة الأمريكية الإسرائيلية نوعاً من الوهم، علاوة على الآثار التدميرية التي أصابت شرائح المجتمع الفلسطيني عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً، وكذلك الأمر بالنسبة للإخوة في حركة فتح، فان إصرارهم على رفض الحوار الا بالعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع في قطاع غزة قبل 10/ حزيران، فسيكون لذلك الموقف نفس النتائج التي أشرنا إليها، إلى جانب آثاره الضارة عليهم وعلى دورهم وتوسعهم وإعادة بناء حركتهم ومن ثم على مستقبل فتح السياسي كله، ذلك ان الحديث عن العودة الى ما قبل 10/ حزيران هو موقف يحتاج إلى المراجعة العقلانية الهادئة، في كل ما جرى في الضفة والقطاع معاً من مخالفات أو قرارات غير دستورية أو قانونية، أما العودة إلى الوراء بمعنى العودة إلى الالتزام بالشرعية الدستورية ونتائج الانتخابات وإصلاح م.ت.ف والالتزام بوثيقتي القاهرة والوفاق الوطني، فهو مطلب لا خلاف عليه، ما يعني بصراحة شديدة أن يتجاوز هذا التوجه كافة الشروط المطلقة او التعجيزية من الإخوة في الرئاسة او حركة فتح، وان يتجاوز أيضاً شروط الهيمنة أو الأمر الواقع الذي يحاول ان يفرضه الإخوة في حركة حماس.
- إن استمرار القطيعة أو الصراع بين التنظيمين الرئيسيين لن تفضي بهما وبالشعب والأرض والقضية سوى إلى إنتاج القطيعة الجغرافية والسياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي هذا السياق نقول: أن أقصر السبل إلى إسقاط حق تقرير المصير الوطني (الفلسطيني) هو تمكين تلك القطيعة الجغرافية السياسية (والنفسية) من النفاذ والرسوخ في الحياة الوطنية الفلسطينية.
- إننا على قناعة بان السواد الأعظم من أبناء "فتح" و"حماس" يدركون على نحو جاد أنه ما من مصلحة وطنية، أو حتى سياسية في حال استمرار هذه القطيعة، ونقول للإخوة في حماس، أن النصر الوحيد الذي يمكن "لحماس" أن تفاخر به وتباهي هو الذي حققته في المنافسة الانتخابية، أما "نصر" غزة، فهزيمة قاسية لهذه الصورة وإساءة بالغة لكل التضحيات التي بذلتها "حماس" من أجل إقناع الجمهور بأنها أهل لصون الوحدة الوطنية وبناء المستقبل الديمقراطي، ثم بماذا تنتفع "حماس" لو ربحت غزة كلها وخسرت الوطن؟ كما نقول للإخوة في حركة فتح، توقفوا عن التعاطي مع المفاوضات أو الأوهام الأمريكية الإسرائيلية التي تتحدث عن "شيء قابل للحياة" أو دويلة منقوصة السيادة بلا حدود، أو حكم ذاتي موسع، وفي كل الأحوال لن يحصد شعبنا سوى المزيد من المذلة والقهر والمعاناة وبقاء المستوطنات والمزيد من الاغتصاب ومصادرة مساحات من أرضنا ومياهنا علاوة على استمرار العدو مسيطرا على سماؤنا ومعابرنا، هذا ما يمكن أن يحصلوا عليه في ظل موازين القوى المختلة الراهنة التي ستجعل من التفاوض مع العدو تكريساً لشرعية المحتل الغاصب.
- إن هذا المآل الذي وصل إليه شعبنا وقضيتنا ومجتمعنا، يفرض العمل على قطع كل طريق للانقسام و التفكك الفلسطيني و قطع كل طريق لإستمرار مهزلة التفاوض العبثي الراهن ، والانطلاق من أن ليس لدى الدولتين الأميركية والإسرائيلية أي حل للقضية الفلسطينية بل إن حلهما لها هو خارج فلسطين، وفي سياق إعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية، وهكذا يمكن ان تصبح الحلول المشبوهة المقترحة مثل "الدولة القابلة للحياة"، او "الدولة المؤقتة" او "التفاهمات" الناجمة عن "أنابوليس"، او الحكم الذاتي الموسع او "دويلة غزة" أدوات تخدير على هذا الطريق طالما بقي ميزان القوى (العربي والفلسطيني) مختلاً مع العدو الإسرائيلي.
- لذا فلا خيار أمامنا جميعا في كافة القوى والفعاليات والمؤسسات الوطنية عموما وفتح وحماس خصوصا من أن نتصدى لهذا المأزق المسدود في وجه شعبنا وكسره عبر الإعلان الصريح بالالتزام بمبادئ وآليات الحوار الوطني والمبادرة العاجلة إليه كملجأ وحيد انطلاقا من الحرص على أرضنا وشعبنا وقضيتنا الوطنية من أجل تحقيق وبلورة الأهداف الكبرى المرحلية لشعبنا في تقرير المصير وحق العودة وإزالة المستوطنات وبناء الدولة الديمقراطية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

أخيراً ... إما الحوار والاتفاق أو أن نتحول جميعا إلى عبيد أذلاء في بلادنا بعد أن نخسرها ونخسر أنفسنا وقضيتنا ، و أعتقد أننا في اللحظة الراهنة على هذا الطريق طالما ظل العدو الأمريكي الإسرائيلي متحكماً في مقدرات شعبنا و طالما بقي الملف السياسي الفلسطيني ملفاً إسرائيليا بلا قيود، و في مثل هذه الأحوال يضيع الحاضر و تنغلق أبواب المستقبل ويحق علينا قول محمود درويش "أيها المستقبل : لا تسألنا من أنتم ؟ وماذا تريدون مني ؟ فنحن أيضاً لا نعرف !!" .