"واقعَ اليسار الفلسطيني وسبل النهوض" (فيديو)

  بوابة الهدف
فلسطين

ناقشت ندوة الشهيد غسان كنفاني التي تُنظّمها بوابة الهدف بصورة دورية "واقعَ اليسار الفلسطيني وسبل النهوض"، بالتزامن مع حلول الذكرى الثانية والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وأدار الندوة الصحفي والكاتب السياسي هاني حبيب، واستضافت من رام الله عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رمزي رباح "عبر الانترنت"، وفي الأستوديو كلًا من: أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع د.ناصر أبو العطا، وأستاذ العلوم السياسية د.وسام الفقعاوي.
وفي مطلع الندوة، اقتبس مُدير اللقاء الصحفي حبيب من "في حال انتشار تراكمات ومفاعيل الأزمة في صفوف وقوى وأحزاب اليسار في بلادنا، ستُؤدّي بالضرورة إلى مزيد من إضعافها وانهيارها أو إسدال الستار عليها، إن لم تُبادر هذه القوى إلى إعادة الاعتبار لمفهوم اليسار ومضمونه الأساسي الفكري الاشتراكي العلمي الصريح ومنهجها المادي الجدلي تمهيًدا لإعادة إحياء وتجدد دور اليسار العربي".

وقال إنّ قضيّة "أزمة اليسار العربي عامةً والفلسطيني خاصة" تم تناولها بشكل متكرر من قبل قوى اليسار ومراكز الدراسات، وتم تشخيصها ووُضعت نظريات لتجاوزها إلا أن الأزمة لا تزال قائمة، وربما تحولت كما يرى البعض إلى مأزق". مُضيفًا أنّ ندوة غسان ستناقش هذا الأمر، في ضوء دراسة للأسير المعتقل في سجون الاحتلال وائل الجاغوب "أزمة اليسار الفلسطيني وسبل النهوض". والتي سيُلخّصها د. الفقعاوي.
من جهته، قدّم د.الفقعاوي نبذة عن حياة الأسير وائل الجاغوب وعن سيرته النضالية وأبرز أعماله وكتاباته، ولفت إلى أنّ دراسته حول اليسار الفلسطيني، تنطلق أساسًا من فرضية وجود أزمة ذاتية بامتياز- منذ زمن- تعصف بقوى اليسار بعد أن استطاعت هذه الأزمة إنتاج ذهنية وعقل وثقافة تُسيطر وتسود داخل البنى التنظيمية الملموسة والفكرية، وتُكرس واقع العجز والترهل وتدور في إطاره وتُعيد إنتاجها باستمرار، وهو واقعٌ يوجب النقد العلمي والموضوعي، وتركيزه على العامل الذاتي (الحزب).

ولفت د. الفقعاوي، في عرضٍ لخّص أبرز ما تضمّنته الدراسة، إلى أن الكاتب أورد 3 أسباب رئيسية تقف وراء أزمة اليسار، وهي: استمرار حالة الضعف والهزال السائدة في البنية التنظيمية لأحزاب وقوى اليسار، وضعف الوعي بالهوية الفكرية لهذه الأحزاب، وضعف قدرة أحزاب اليسار على وعي مكوّنات الواقع.
واعتبر الجاغوب أن هذه الأسباب وغيرها تُشير بالفعل إلى البعد الذاتي للأزمة، بما يطرح سؤالًا: ما هو المعوق الذي يقف أمام تجاوز العامل الذاتي فكرًا وممارسةً، إلى جانب سؤالٍ آخر: بعد هذه السنوات من التحليل والتدقيق والتشخيص ورصد البرامج والأهداف وتحديد الآليات لتجاوز الأزمة، لماذا لم يستطِع اليسار مغادرتها؟، مشيرًا إلى "الشرط القيادي" الذي يحتلّ حلقة مركزية في الأزمة وتجاوزها في آنٍ، والذي استعرض عددًا من ملامحه، التي كرّست الأزمة وتجعل مغادرتها مهمة شاقة.

ووفق ما لخّصه د. الفقعاوي، فإن الكاتب تطرق إلى دور الحزب ووظيفته، ورأى أن "الذي ينشأ عادة للقيام بوظيفة معينة، وحين لا تعود هناك حاجة لتلك الوظيفة يواجه التنظيم أزمة، فإما أن يجد وظيفة جديدة أو عليه أن يروض نفسه لتقبل الموت البطيء، وعندما لا يستطيع الحزب أو التنظيم التعامل والتصدي للمهام ومتطلبات الوظيفة التي نشأ وتشكل للتعامل معها، يخرج من دائرة الفعل، فما الأزمة إن لم تكن أزمة الوظيفة والدور؟!
وتطرق الكاتب إلى دور الفرد في الحزب اليساري الذي رأى أن فيه لبسًا واضحًا، إذ بات ضعيفًا وغير مؤثر.

وتحت عنوان الآفاق والاشتباك، تناول الأسير الكاتب وائل الجاغوب 4 عناوين للاشتباك يجب أن تتصدى لها قوى اليسار إن أرادت أن تغادر أزمتها الذاتية، وهي: اليسار والجماهير، اليسار والجملة السياسية، اليسار والجُملة الكفاحية، اليسار والجملة التنظيمية، مُقدّمًا تفصيلًا وتوضيحًا لكل كل عنوان.

وفي مداخلته، تحدّث رمزي رباح عن أسباب استمرار سيطرة الأزمة على المشهد اليساري الفلسطيني، وتطرّق إلى ما تسبب به اتفاق أوسلو الذي كان خيارًا سياسيًا وطبقيًا، فتّت الحركة الوطنية القائمة على الائتلاف الوطني في إطار منظمة التحرير، وكان التحدي الكبير هو الجواب على هذه المرحلة والتكيف مع متطلباتها فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا، أي البديل.

ورأى رباح أن القصور وقع في أمرين، أولهما عدم الإحاطة الكاملة بالواقع الجديد ومساره وما سيترتب عليه من مهام ورؤية جديدة، وثانيهما ضعف تأثير اليسار في الحركة الجماهيري، إلى جانب افتقاد القدرة على إحداث التغيير بالشروط التي كانت مطلوبة ولم تتوفر في حينه. وهذا كله أدخل الوضع في أزمة، مُستدركًا أن هذا لا ينفي ما كان لليسار الفلسطيني بكل مكوناته من دور هائل في محطات نضالية كبرى. مُفصّلًا بشيء من التأريخ بعض هذه المحطّات.

وقال "لكن علينا أن نعترف بعوامل الضعف الموجودة والتي هي نتاج مشكلات بنوية قائمة على عدم رصد التناقض الرئيسي، الاجتماعي والسياسي، في اللحظة التاريخية التي تلت اتفاق أوسلو وعدم تحديد البدائل له، وهذا مرتبط بعدم تمكّن اليسار من التوحّد في معركة مواجهة هذا الاتفاق".

وبيّن أن مشكلات اليسار لا يُمكن أن تُحلّ بوصفات جاهزة على شاكلة "أن توحّد اليسار- أن دمج اليسار"، مُعتبرًا أن ما ورد في دراسة الكاتب الأسير الجاغوب لا تُقدّم إجابات؛ وقال إنّ التعددية الحزبية في فصائل اليسار ظاهرة صحيّة، وقال "كلما لامسنا كقوى يسار في نضال مشترك وبرامج مشتركة قضايا الجماهير وهمومها كلما كانت قوى اليسار أكثر اقترابًا بين مكوناتها وأكثر تلاحمًا في مسار وحدوي واتحادي قادم".

وبدوره، عقّب مُدير اللقاء الصحفي حبيب على فكرة تفرد اليمين الفلسطيني المتمثل بحركة فتح بمنظمة التحرير بعد اتفاق أوسلو، إذ رأى خلافَه، مُبيّنًا أن فتح هيمنت على المنظمة حتى قبل أوسلو بدليل تمكّنها من التوقيع على الاتفاق، في وقتٍ كان فيه اليسار في وضعٍ أكثر قوة لكنه لم يتمكن من منع الانحدار في إطار اتفاق أوسلو.

ووجّه سؤالًا لضيف الندوة في الأستوديو د.ناصر أبو العطا، عن دور اليسار الفلسطيني في الإعداد بالانتقال من معارضة سياسيّة إلى معارضة جماهيرية تمكنه من أن يكون له دور مؤثر في نتائج الانتخابات المقبلة، التشريعية والرئاسية، في حال تم عقدها.

وقال د. أبو العطا "من الممكن أن يكون هناك مزيد من الحوار بين قوى اليسار الفلسطيني وبانفتاح أكبر على القوى الديمقراطية المؤمنة بإمكانية إقامة تحالف واسع، ليس فقط ارتباطًا بمسألة الانتخابات، وإنّما بالاقتراب أكثر من المطالب الشعبية، الاجتماعية السياسية والاقتصادية والأخلاقية، وهذا الامر بحاجة إلى مزيدٍ من الجهد".

وأضاف "على ضوء العديد من المعطيات التي حكمت آلية التنسيق بين قوى اليسار في انتخابات البلديات ومجالس الطلبة، هناك مؤشرات إيجابية بالمعنى النسبي، لكنها بالتأكيد لا ترتقي إلى مشروع طموح لقوى اليسار في الاقتراب من إرادة الجماهير ورغبتها بأن يكون لها مشروع بديل لليمن الفلسطيني بشقيه: قيادة فتح لمشروع السلطة برام الله وقيادة الإسلام السياسي لمشروع آخر في قطاع غزة، هناك حاجة إلى أن يتبلور مشروع اليسار، ليس بوصفه منطقة وسطى بين حماس وفتح وإنما من إدراك عميق بوجود أزمة في قيادة المشروع الوطني، الذي يجب على اليسار أن يكون أحد تطلعاته قيادة هذا المشروع.

وتطرّقت ندوة غسان كنفاني إلى العديد من المحاور الأخرى، مع ضيوفها، منها ما ارتبط باستعداد الجبهة الشعبية لمؤتمرها العام المقبل، والحديث حول دور الشعبية في أن لا يظلّ اليسار وسطًا بين كتلتيْ اليمين. وغيره من التساؤلات ومحاولات الإجابة عليها على طاولة النقاش، سعيًا للإسهام ولو بالقليل في الوقوف على تشخيص أزمة اليسار ووضع الحلول لها، بالتزامن مع الذكرى الثانية والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبإمكانكم متابعة كامل الندوة عبر الفيديو المُرفق أعلاه.