أصوات الفقراء تعلو وسط الجائحة.. سائقو الأجرة في غزّة يسألون: من أين نطعم أطفالنا؟

  بوابة الهدف
فلسطين

ألقت أزمة فيروس "كورونا" بظلالها الثقيلة على مختلف الشرائح والمهن في قطاع غزّة، بعد أنّ أعلنت الجهات المختصة في قطاع غزّة عن وصول الفيروس إلى داخل القطاع مساء يوم  الإثنين 24 آب/ أغسطس، وما تلا ذلك من حالة إغلاقٍ مُشدّدة على كافة مناحي الحياة في القطاع مذاك اليوم.

شرائحٌ كثيرة من العمّال وخاصة عمّال "المياومة" تضرّروا جرّاء هذا الإغلاق، وربما تكون شريحة السائقين هي الأكثر تضرّرًا جرّاء حالة الإغلاق هذه، إذ يعمل الآلاف في قطاع غزّة في هذه المهنة في ظل ارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب وتدهور الأوضاع الاقتصادية إلى حدٍ كبير بفعل عدّة عوامل في القطاع لعل أبرزها الحصار الصهيوني المُستمر منذ قرابة 14 عامًا.

لا عمل ولا مُعين

وحول معاناة المواطنين جراء الأوضاع الإنسانيّة المتدهورة وتوقّفهم عن العمل في ظل انتشار فايروس "كورونا"، قال المواطن (ج. س) والذي يبلغ من العمر (35 عامًا) ويقطن في مدينة دير البلح وسط القطاع: "أنا أعمل سائق أجرة تعطّل عملي بفعل حالة الإغلاق، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي لحوالي 16 ساعة يوميًا ووصولها أقل من 4 ساعات، ظهرت مشكلة أخطر وهي أزمة المياه، إذ تصل مياه البلدية في منطقة سكني كل ثلاثة أيام مرة واحدة، ويتم وصلها لحوالي ساعتين أو ثلاثة في أحسن الأحوال، ويكون ضغط المياه ضعيف جدًا".

وتابع المواطن بالقول: "في بعض الأحيان يتم توصيل المياه في الخطوط الرئيسية في ساعات انقطاع التيار الكهربائي، مما يجعل توصيل المياه إلى الخزان العلوي أمراً مستحيلاً، ووصول المياه في هذه الأحيان يكون دون فائدة فأضطر لتعبئة الأواني الكبيرة المتوفرة في المنزل حتى أستطيع أن أستخدمها عند اللزوم، وخلال الأيام السابقة نفذت المياه من خزاناتي، وانقطعت المياه عن المنزل لمدة يومين كاملين، ولم أتمكّن بسبب الأوضاع الماديّة من شراء المياه العذبة كبديلٍ لمياه البلدية ووضعها في الخزانات كي أعوض فترة الانقطاع".

متوسط دخلي من 20 إلى 25 شيكل يوميًا

كما أشار المواطن وهو متزوج وأب لطفلين إلى أنّ "مياه البلدية هي عبارة عن مياه شديدة الملوحة ولا تصلح للشرب، ولا أستطيع حتى أن أوفّر المياه العذبة لبيتي، وأعاني من وضع كارثي حيث أنني أعمل على سيارة أجرة يملكها أحد المواطنين من سكان مدينة غزة كأجير، وأنفق على أسرتي من دخلها وهي مصدر دخلي الوحيد"، مُبينًا أنّ متوسط دخله اليومي يتراوح ما بين "20 و25 شيكل تقريبًا في اليوم الواحد، وأحاول أن ألبي فيها احتياجات منزلي وأطفالي، وهي بالكاد تكفي لتلبية الحاجات الأساسية فقط".

لم أتلقَ أي مساعدة

وأكمل حديثه بالقول: "منذ مساء الاثنين 24/8 أعلنت وزارة الداخلية عن منع وحظر التجوّل والالتزام بالمنازل بسبب تفشي فايروس كورونا، ما أفقدني عملي ومصدر دخلي الوحيد وبعدها لم أستطع العمل، وفقدت الدخل اليومي الذي كنت أوفر منه احتياجاتي واحتياجات أطفالي، ومنذ إعلان الحظر لم أتلقَ أي مساعدة من أي جهة حكوميّة أو أهليّة، وبدأت مقومات الحياة في منزلي بالنفاذ، ولا أعلم كيف سأقوم بتوفير احتياجات المنزل الأساسيّة خلال الأيام القادمة في حال استمر الإغلاق"، مُطالبًا "الجهات الرسميّة والحكوميّة والمؤسسات الأهليّة أن تعمل لحل الأزمات التي يمر بها سكّان قطاع غزّة، وبالأخص أصحاب الأعمال اليوميّة".

سائق آخر تقطّعت به السُبل

قصةٌ أخرى تروي معاناة السائقين جرّاء حالة الإغلاق، إذ فقد المواطن (ر. م) ويبلغ من العُمر (38 عامًا) مصدر رزقه الوحيد، إذ كان يعمل كسائق أجرة هو الآخر، يقول: "أنا أسكن في مُخيّم جباليا ومتزوج وأعيش مع أسرتي المكوّنة من 7 أفراد، وأعمل سائق منذ العام 2000، وهو مصدر دخلي الوحيد، وبعد فرض الحظر وإغلاق الطرق بين المحافظات توقّف عملي بسبب إغلاق الطرقات وفرض حضر التجوّل وصدور تعليمات من جهاز شرطة المرور بمُخالفة كل سيارة تتحرّك بدون مبرر مبلغ وقدره 6000 شيكل".

وأضاف إنّ "هذه الحالة أدّت إلى قطع مصدر دخلي الوحيد، فلم أعد قادرًا على تأمين المأكل والمشرب لأسرتي، وتسديد ديون صاحب البقّالة القريبة من المنزل ولا صاحب محل الخضروات، حتى طفلي الصغير محمد لم أعد قادر على تأمين جهاز تبخيرة له لأنه يُعاني من مرض الأزمة الصدريّة".

لا يوجد لدينا طعام

وتابع: "كما يعلم الجميع أننا نحن سائقي الأجرة، نعيش كل يوم بيومه، بحيث إذا لم نعمل ليوم واحد لا نأكل، والآن لا يوجد لدينا في المنزل أي طعام، ولا أستطيع تدبّر أموري واحتياجات أطفالي الصغار، ولا أملك مالاً لشحن بطاقة عدّاد الكهرباء مسبق الدفع، وإذا توفّرت الكهرباء لثلاث أو أربع ساعات فلا نستفيد منها، ولا أدري كيف سأشتري غاز الطهي إذا نفذ من منزلي".

يُشار إلى أنّ جميع المقابلات التي وردت في هذا التقرير هي خاصّة بمركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزّة، إذ سلّط من خلال مدوّنته الخاصة الضوء على جزءٍ بسيطٍ من المعاناة التي تعيشها شرائح مختلفة جرّاء جائحة "كورونا" وآثارها داخل القطاع المُحاصر.

تجدر الإشارة إلى أنّ معدّلات البطالة في غزّة وصلت إلى 52%، وتجاوزت الـ 67.5% في أوساط الشباب، كما طال انعدام الأمن الغذائي 71% من الأسَر بفعل الاحتلال والحصار، فيما ضرب الفقر أكثر من 54% من أهل القطاع، حسبما أفادت عدّة مؤسّساتٍ حقوقيّة في وقتٍ سابق.

وكل هذا يقوّض من قدرة المواطنين على الصمود خلال فترة الحجر الصحي وحظر التجوال للوقاية من الفيروس، وما يزيد من صعوبة الوضع الصحي العقوبات المستمرة التي تفرضها السلطة الفلسطينية منذ مارس/آذار 2017، رغم كل المطالبات الشعبيّة والفصائليّة الواسعة لرفعها بالكامل، وإغلاق مصر لحدودها مع غزة لفترات طويلة.