الثلاثاء، تشرين(۲)/نوفمبر 19، 2024

ليبيا: مصير مجهول تحت عباءة النفط

عربي دولي
تشهدُ ليبيا محطةً جديدة من محطات الصّراع الجهوي القبائلي بين حكومة الوفاق الوطني الليبيّة برئاسة فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الذي بات على مشارف العاصمة طرابلس الغرب بعد أن سيطر على شرق البلاد وجنوبها وصولاً إلى مناطق في الجبل الاخضر ذي الأكثرية الأمازيغية وعلى رأسها مدينة غريان.

هذه المواجهة غير محسومة النتائج بفعل التحذيرات التي تلقاها حفتر من مجلس الأمن الدولي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى تعكس حقيقة التوازنات الداخلية والدولية، التي تحول أوّلاً دون حسم النزاع لصالح أي فريق من الفرقاء، وثانياً تبيّن مأزق الغرب وعجزه عن الاستحواذ على الثروة النفطية الليبية الدسمة. هذه الشهية كانت السبب الحقيقي وراء التدخل العسكري والإطاحة بحكم الزعيم الراحل معمر القذافي في عملية أدرجتها "صحيفة صنداي تلغراف" تحت بند "المهمات الفاشلة في ليبيا"، مشيرة إلى أن "الوضع في ليبيا اليوم هو نتيجة التدخل الغربي الفاشل في البلاد والذي كان من ثماره تنامي ظاهرة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي هي أساساً صنيعة للمشروع الاميريكي الجاري تنفيذه لتفتيت المنطقة".

وبالتالي، فإن واشنطن وحلفاءها المتوجسين من العلاقة الوثيقة بين المشير حفتر وروسيا لن يستسيغوا فكرة توحيد ليبيا تحت لوائه وزيادة النفوذ الروسي على شاطىء المتوسط في الشمال الافريقي. خصوصاً وأن القوس النفطي، الممتد من رأس لانوف حتى مدينة سرت الاستراتيجية الواقع تحت سيطرة حكومة سراج المدعومة من الغرب، سيصبح بين فكّي كماشة من الشرق والغرب دون أن ننسى الجنوب.

وفي ضوء ما تقدّم، يبدو واضحاً أن المواجهة في ليبيا تتجه إلى المزيد من التدويل. والواضح أيضاً، أن خيار تقسيم ليبيا إلى ثلاثة كيانات، ولاية برقة شرقاً وطرابلس غرباً مروراً بالجنوب حيث تتموضع الأقليّة الطوارقيّة، سيكون الخيار المُفضّل لدى واشنطن والحلف الأطلسي. ولا يُستبعَد أن يحاول الأخير إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر التدخل العسكري الجوّي ضد قوات حفتر، فضلاً عن تفعيل قرار مجلس الامن الدولي الذي يمنع تصدير أسلحة إلى ليبيا، وفرض سلّة عقوبات اقتصادية لخنق الاقتصاد الليبي المنهك أصلاً، وتوليد حالة شعبية ملائمة لتبرير التدخل العسكري، مع علم واشنطن أن هذا التدخل، أسوةً بما حصل في يوغوسلافيا السابقة في بداية تسعينات القرن الماضي ضد صربيا، أمامه عقبات كبرى على رأسها استعادة روسيا لدورها الدولي وعقيدتها العسكرية القائمة على الحد من التمدّد الأطلسي في مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي السابقة، فارضةً توازن رعب يحول دون تمادي الناتو في تدخلاته العسكرية.

وعليه، فإن هذا التوازن قد يدفع الأمور نحو ما يمكن تسميته بحرب الخنادق السياسية الثابتة على الأرض الليبية، أي بقاء الوضع الميداني على ما هو عليه، خصوصاً في القوس النفطي فاتح شهية الغرب، المتعطش للطاقة في مراحلة استثنائية من مراحل الصراع الدولي على مصادرها، ليس فقط كمحرك للاقتصاديات العالمية، بل وأيضاً كأداة سيطرة بين التكتلات الاقتصادية الكبرى، بعد أن فشلت واشنطن في فرض نظامها العالمي احادي القطبية .

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أهداف العدوان الأميريكي الاحتلالي الفاشل على العراق والصراع على خطوط الغاز والنفط الذي يقف في خلفية ما يجري في سوريا، دون أن ننسى فنزويلا التي تلوح واشنطن بالتدخل العسكري فيها بعد فشل الانقلاب الكاريكاتوري لصنيعتها غواديو، ورفع الحصانة النيابية عنه من قبل الشرعية الشعبية الوليفارية، ممثلةً بالرئيس مادورو وحكومته. هذه البانوراما النفطية تعيدنا إلى جوهر الصراع في ليبيا القابعة في نفق المجهول واحتمالات تطور المواجهة إلى كباش استراتيجي ينطوي على إحياء واشنطن لدور الجماعات الارهابية في الشرق والجنوب الليبيّيْن، إضافةً إلى تسعير الصراعات القبلية والاثنية لإعادة خلط الاوراق والإمساك بأوراق ثمينة بغية المساومة بها، بما يكفل استمرارية تقسيم التراب الليبي والتأسيس لفرض كونفدرالية هشّة بين كيانات متصارعة تحتاج لحمايات خارجية.

وفي ظل هذا الخطر الوجودي تفتقد الساحة الليبية لوجود قوى سياسية فاعلة عابرة للولاءات القبلية والمناطقية تضع على عاتقها مهمة التصديي لمشروع التفتيت وفق برنامج وطني جامع يضع مهمة توحيد البلاد تحت عباءة نظام ديمقراطي وهذا ما يطيل امد الازمة ويضع ليبيا امام المجهول.