الثلاثاء، تشرين(۲)/نوفمبر 19، 2024

المثلث السوداني – الجزائري – الليبي وخيار التغيير الموعود

عربي دولي
في خضم ما تشهده المنطقة من إرهاصات مدمّرة للمشروع الأميريكي الصهيوني الهادف إلى تفتيتها وإعادة هيكلتها اعتماداً على أنظمة شمولية قمعية وبدائل موغلة في رجعيتها ونزعتها الإرهابية، يتفرد المشهدان السوداني والجزائري بالحضور المؤثر للقوى الديمقراطية في الحراك الشعبي المتنامي في مواجهة مساعي نظامي البلدين في إعادة إنتاج نفسيهما.

السودان
ففي السودان يتواصل الحراك المليوني والحصار الشعبي المحكم لمقر هيئة الأركان العامة في الخرطوم، حيث مركز قيادة المجلس العسكري الانقلابي الذي يحاول تمرير صفقة مع القوى التقليدية المشاركة في المعارضة، وأبرزها حزب الأمة، بهدف احتواء الحراك الشعبي وإعادة تأهيل النظام، وفي السياق يندرج اشتراط المجلس لنقل السلطة إلى حكم مدني توافق كل الأحزاب على صيغته، مراهناً على رفض القوى التقليدية للصيغة المطروحة من قبل تجمع إعلان الحرية والتغيير الذي ردّ بقطع المفاوضات مع المجلس العسكري وأبدى نيّته بتشكيل مجلس سيادي مدني قريباً.
وبموازاة هذا المشهد الداخلي، يبدو واضحاً الدخول الأميركي الرجعي العربي على خط الازمة لتقديم الدعم للقوى التقليدية السودانية والجيش. وقد ترجم ذلك بمساعدة مالية من قبل كل من السعودية ودولة الإمارات تقدر بثلاثة مليارات دولار، في حين تستعد واشنطن لاستقبال وفد من المجلس العسكري للبحث معه في رفع السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب. وبطبيعة الحال، فإن هذه المنحة السياسية الاميريكية ليست مجانية بل تشترط، على الأرجح، تنازلات من الخرطوم تمهّد لاستكمال عملية تقسيم البلاد من دارفور على الحدود مع ليبيا حتى كردفان في وادي النيلو بهدف السيطرة على موارد اليورانيوم والمياه والنفط. وهذا الخطر يقتضي من القوى الثورية السودانية التنبه وتجذير التحرك في وجه أي تدخل خارجي يستهدف إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وضرب إمكانية التغيير الديمقراطي للنظام.
الجزائر
أما في الجزائر، فقد شهد الأسبوع الماضي تصعيداً للتظاهرات المليونية في الجزائر العاصمة والمدن الكبرى، وأبرزها وهران تحت شعار رفض الرئاسة الانتقالية لرئيس البرلمان السابق أحمد بن صالح، والذي حدد الرابع من تموز موعداً لإجراء انتخابات رئاسية والمطالبة برحيل كل أركان النظام بعد استقالة أو إقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ورغم توحد المعارضة السياسية والشعبية حول مطلب رحيل أركان النظام، إلا أنه من الواضح أن الطيف المعارض الواسع محكومٌ بتناقضات جهوية وقبلية وإثنية، تُرجِمت بشعارات تعكس مخاطر مستقبلية، منها شعار لا للعنصرية الذي رفعه المتظاهرون الأمازيغ. وهذا الشعار، على أحقيته، قد ينطوي مستقبلاً على خطر احتراب أهلي في ظل وجود تيّار إسلامي وآخر عروبي كتيّارين وازنين، وفي ظل خطر الاستغلال الأميريكي لهذه البانوراما السياسية من أجل تفتيت الجزائر والسيطرة على مواردها النفطية والغازية. وعليه، فإن القوى اليسارية الجزائرية معنية بإنتاج برنامج للإصلاح الديمقراطي عابر للولاءات القومية والجهوية لقطع الطريق على خطر مشروع التفتيت الأميريكي المتربّص بالجزائر.
ليبيا
بطبيعة الحال يختلف المشهد الليبي عن الوضع في السودان والجزائر، فإلى جانب غياب العامل الشعبي الداخلي للتغيير، هناك معركة جنوب العاصمة طرابلس الغرب بين الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً، والمدعومة من تركيا وقطر، والتي تكشف عن التأثير الحاسم للعامل الخارجي في الصراع. وذلك انطلاقاً من رغبة واشنطن التي تدعم حفتر المدعوم أصلاً من روسيا بالفوز بالمغنم النفطي الوازن في المثلث الممتد بين راس لانوف وسرت، وصولاً إلى واحات الجنوب والجبل الأخضر غرباً. وفي سبيل ذلك، تعمل واشنطن على تغذية النزاعات بين قبائل الشرق والغرب ولن تتوانى عن تفجير الحرب بين العرب وكل من الأمازيغ في الجبل الأخضر والطوارق في واحات الجنوب للاستحواذ على الثروة بعد تقسيم البلاد إلى كيانات متناحرة.
انطلاقاً مما تقدم يمكن الوصول إلى جملة استخلاصات من التجارب السودانية الجزائرية الليبية، وأبرزها تهاوي مشروع الاسلام السياسي في السودان ووهنه في الجزائر وتحوله إلى حالة إرهابية فاقعة في ليبيا. أما الخلاصة الأهم، فهي أن مشروع التغيير الديمقراطي المتبلور نسبيّاً في السودان والجزائر يؤكد بأن التغيير يفترض وجود قوى سياسية شعبية حية كبديل مطلوب ما بين أنظمة القمع بكل تلاوينه وما يسمى بالربيع الإسلامي الذي كان له الدور الاساسي في إجهاض الحراك الشعبي في سوريا وليبيا والعراق وإعطاء الأنظمة وقتاً لإعادة تكوين نفسها على أنقاض شعوبها.

# موسومة تحت : :