الشيوعي في عيد المقاومة والتحرير: لاستكمال المواجهة
يأتي عيد المقاومة والتحرير على لبنان هذا العام مختلفاً، فالساحتان العربية والمحلية تشهدان تطورات متلاحقة ومتسارعة على الصعد كافة. التحية كل التحية لمن قبض على جمر المقاومة خياراً وسار على تلك الدرب الصعبة والشائكة، غير آبه بمخاطرها؛ التحية إلى المقاومين الشهداء والجرحى والأسرى، وإلى كل من حمل تلك الراية وسار خلفها. يأتي هذا العيد فيما فلسطين بكليتها، المقاومة والانتفاضة والداخل والشتات تتكامل لتعيد الوجهة الحقيقية للصراع الدائر اليوم في المنطقة والعالم. لقد أسقطت فلسطين بشعبها ومقاومته صفقة القرن كما أوسلو كما التطبيع، بالسلاح وبالصواريخ وبالانتفاضة وبالصمود وباللحم الحي، ويواجهون آليات القمع والإرهاب الصهيوني وحماته الأميركيين والغرب الاستعماري والتواطؤ العربي المذل. لقد أعادت فلسطين القضية إلى أصلها؛ هي قضية احتلال ومشروع سياسي واستعماري، وموقع متقدم لإمبريالية بدور ووظيفة تتعدى الجغرافيا إلى أبعد من ذلك. وعليه فإن مشهد التصدي للعدوان، والمبادرة إلى إعادة إمساك القضية الفلسطينية بمضامينها كافة، أعادتا الأمور إلى مسارها الصحيح، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم. لقد انتصرت شعوب العالم لقضية المقاومة بكل أشكالها، وعادت فلسطين لتشكّل البوصلة التي تقاس عليها القضايا وتحدد اتجاهاتها.
وعلى وقع تلك المواجهة كانت التظاهرة – الانتفاضة تأييداً لفلسطين وشعبها ومقاومتها، التي جعلت شوارع بيروت وأحياءها تستعيد نبضها؛ نعم، لقد فعلتها بيروت وكما عادتها، فهي لم تترك قضية إلّا وكانت شوارعها صدىً لأصوات المنتفضين وانعكاساً له من قوى وبلدان وحركات مقاومة ومناضلين، سقطوا فيها شهداء. نعم، فعلتها بيروت التي تستحق لقب عروس المتوسط كونها صاحبة النداء التاريخي تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية في وجه الاحتلال الصهيوني الذي دنّس ترابها، وهي التي داست أنوف جنود المارينز حين نزلوا على شواطئها لحماية حلفائهم المشتبه فيهم في منطقتنا، فاندحروا مذعورين إلى عرض البحر، وفعلتها معهم مرة ثانية عندما كانت تدك بمدافعها بوارجهم في البحر ومدافعهم في البر، وفرّوا هاربين أيضاً وتحت جنح الظلام... هي بيروت النداء الأول والطلقة الأولى، هي بيروت المقاومة والصمود والشهداء والفقراء. هي المقاومة بجوانبها المتعددة وبأوجهها المتنوعة، حيث يجب أن تبقى الاستراتيجية التي ستحدد في أي اتجاه يجب أن تذهب الأمور.
أما في الداخل، لا يزال البلد أسير منظومة سياسية متهالكة، تستبيح الشعب اللبناني وتلقي به إلى الفقر والعوز والأمراض... منظومة لا تخجل من أفعالها أو تستحي، وما ذاك الخطاب الفاشي المتصاعد، الذي يخنق الفضاء اللبناني كله، والذي أقل ما يُقال فيه بأنه عنصري وفاقد لكل أخلاق، يبرر القتل ويشجّع عليه، يعمم الفساد ويحمي مرتكبيه؛ لقد فرز الناس وقام بتوزيعهم على حظائرهم المذهبية والطائفية ومن دون خجل. وها هو يصادر اليوم لقمة عيشهم ومستقبل أبنائهم وصحتهم... يتقاتلون على الحصص وتوزيعها، ويجهدون لإحياء نظامهم المتهالك وبث الروح فيه. يتبارون في ولاءاتهم للخارج ويتباهون بها، وما مشاهد الذل السياسي الذي شاهدناه في الأيام الماضية إلّا الصورة الحقيقية لطبيعة المنزلق الذي أصبح فيه مسؤولو هذا البلد وحكامه. الحل لن يكون معهم، بل من خارجهم. فلنأخذ المواجهة التي خاضتها المقاومة في لبنان وفي فلسطين منذ قيام الاحتلال وحتى اليوم عبرة، لنستنتج بأن العين تقاوم المخرز وتكسره وتقلعه من أرض احتلها، وعليه يصبح ضرورياً إسقاط هذه المنظومة المتحكمة، وبناء الدولة الوطنية القادرة على كسب المعركتين: التحرير والتغيير. المجد والخلود لكل الشهداء.
بيروت في 24/5/2021 المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني