الشيوعي: لا إنقاذ بدون تغيير، ولا تغيير بدون مواجهة
ثلاثون عاماً منذ الطائف وحتى تاريخه ونحن في المواجهة، في كل الميادين السياسية والنقابية والشعبية والاجتماعية والمدنية، وفي كل المحطات الانتخابية النيابية والبلدية والنقابية. فطوال العام الماضي، ومنذ 16 كانون الأول ونحن نتحرك ونعتصم ونتظاهر في شوارع بيروت وفي كل المناطق اللبنانية من خلال الحراك الشعبي للإنقاذ، محذرين من الوصول إلى شفير الانهيار المالي والنقدي الذي وصلنا إليه اليوم، لكن السلطة السياسية بقيت متمسكة بنمط اقتصادها الريعي الذي ثبت فشله، وها هي اليوم تمعن في تضليل اللبنانيين مدعية التغيير، فإين هو هذا التغيير؟
نسألهم ماذا حصل بين الأمس واليوم، ما بين البرامج الإعمارية الملتبسة في التسعينيات ثم إجراءات باريس 1 ، و2 ، و3 وأخيراً إجراءات سيدر، سوى هذه الحصيلة البائسة بل الفاضحة: ارتفاع الدين العام أضعافاً مضاعفة - من ملياري دولار في مستهلّ التسعينيات إلى 100 مليار دولار راهناً - وارتفاع تكاليف خدمته، وانهيار المرافق والخدمات العامة الأساسية، وتعاظم معدلات البطالة والهجرة والفقر وعدم المساواة. ومع ذلك، ها هم مستمرّون في نهجهم المدمّر.
نعم لا إنقاذ بدون تغيير، لكن التغيير لن يصنعه هذا التحالف السلطوي الذي أوصلنا إلى ما نعيشه من خراب عظيم، إنما تصنعه القوى الاجتماعية المتضررة. إن فرصة لبنان الوحيدة باتت تتجسّد اليوم في انخراط جميع المتضرّرين في حركة شعبية تملأ الشوارع، بل تحتلها، وتكون محصّنة بإرادة صلبة وبعزم كفاحي يسمو على العصبيات المذهبية والطائفية الضيّقة.
إن فضاء مثل هذه الحركة الشعبية يتسع لجميع القوى الوطنية والديمقراطية الحريصة فعلاً على التغيير، كما يتسع لكل الشرائح الاجتماعية المتضرّرة: عمالاً وأجراء ومزارعين ومتعطلين عن العمل ومياومين، وشابات وشباباً وطلاباً، ومستأجرين وسائقين وحرفيين، وسائر الفئات المهمّشة والمعرّضة للإقصاء، ومعهم الفئات الدنيا والمتوسطة من الموظفين والأساتذة والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين. وبقبضات هؤلاء نمنع تحميل الفئات الشعبية وزر الأزمات والانهيارات، ونحجز لأنفسنا موقعاً مؤثّراً في الحياة العامة كمقدمة لصنع التغيير بأبعاده المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد استبيحت أبسط حقوق المواطنين بالعيش الكريم، عبر فرض المزيد من الضرائب غير العادلة عليهم، وضرب القوة الشرائية لليرة اللبنانية، وإقصائهم عن أنظمة الضمان الصحي والتأمينات الاجتماعية، وحرمانهم العملي من التعليم الرسمي النوعي والمجاني وخدمات النقل العام والسكن الشعبي، ومن فرص العمل والبيئة النظيفة وسلامة الغذاء وسائر الخدمات، وفي طليعتها الطاقة والكهرباء.
وفي القطاع العام، تتولى الأطراف المتنفّذة في السلطة تنظيم الانقضاض الممنهج على وظيفة الدولة من تسييب وإهمال وتقاسم ما تبقّى من مؤسسات، إلى جانب ضرب قانون الموظفين من خلال ترسيخ التعاقد الوظيفي والسعي الحثيث لبيع المرافق العامة وخصخصتها بأبخس الأثمان، بما يخدم مصالح الاحتكارات ويمهّد الطريق أمام زيادة تعريفات هذه الخدمات، تحت غطاء ما يسمونه مشاريع إصلاح في سيدر وماكنزي.
لقد بلغت الأزمة مستوى من الخطورة لم تبلغه من ذي قبل، والسبب في ذلك هو عدم معالجة أساس المشكلة الكامنة في بنية نظامنا السياسي وتبعيته واقتصاده الريعي وارتهان أطرافه السلطوية لقوى الرأسمال المعولم وسياساته.
إن الردّ الحقيقي على أساس المشكلة وملحقاتها لا يكون إلّا بصوغ مشروع وطني للتغيير الديمقراطي، من قوى وشخصيات سياسية ونقابية وقطاعية ونسائية وشبابية...؛ مشروع كفيل بإسقاط هذه السلطة السياسية المرتهنة ونظامها الطائفي الفيديرالي واقتصادها الريعي، ومن أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية قادرة على محاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة:
فإلى استكمال المواجهة ضمن خطة تصعيدية متدرّجة بمختلف أشكال التحرك، وإلى إطلاق كل المبادرات القطاعية والمناطقية، والمشاركة في كل النشاطات والتحركات الشعبية، فلا إنقاذ بدون تغيير، ولا تغيير بدون مواجهة؛ هذا هو موقفنا، هكذا كنا، وهكذا سنبقى، على كل الجبهات وفي كل الساحات وعلى امتداد مساحة هذا الوطن.