الثلاثاء، تشرين(۲)/نوفمبر 19، 2024

بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني حول البيان الوزاري للحكومة الجديدة

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
  ان الحزب الشيوعي اللبناني يرفض هذه الحكومة وتركيبتها وبيانها الوزاري الذي لا يتناسب مع حجم الأزمة والتحديات، ولا يرقى إلى تطلعات الشعب اللبناني وقواه الحية التي انتفضت في 17 أكتوبر 2019

يرى الحزب الشيوعي اللبناني أنّ هذه الحكومة التي تمّ تشكيلها على وقع تسويات اقليمية دولية، وعلى قاعدة المحاصصة المذهبية الداخلية ومصالح الرأسمال اللبناني وتحديداً المصرفي، هي نسخة مكرّرة عن سابقاتها. وهي الحكومة التي ستتولى عملياً تحرير سعر الصرف المعتمد للمحروقات والدواء والطحين، وقد بدأت بذلك عملياً من أوّل أيّامها، وبشّرنا رئيسها ووزراؤها بشدّ الأحزمة على الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، واستمرار حماية حيتان المال والمصارف المفلسة وانقاذهم على حساب إفقار اللبنانيين وتهجيرهم. ولأنّ لا انقاذ ممكن على أيدي نفس القوى السياسية والمنظومة التي أوصلت البلاد إلى الانهيار الشامل، وعززت الطائفية والإفقار وهجّرت اللبنانيين ورهنت البلاد إلى الخارج، فلا ثقة مطلقاً بهذه الحكومة ولا بأية حكومة مشابهة سابقة أو لاحقة لها.

وإذ يضع الحزب ملاحظاته على البيان الوزاري الذي أقرته الحكومة، فهو يفعل ذلك لا لتقديم حلول تقنية من داخل آليات النظام الحاكم، بل ليكشف زيف ادعاءات القوى السياسية الحاكمة ويفنّد مخاطر السياسات والاجراءات المقترحة المعادية للشعب اللبناني وانحيازها لمصالح فئوية ضيقة، ويضعها أمام اللبنانيين، حيث لن يكون خلاص من الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة إلّا بتغيير سياسي نحو دولة وطنية علمانية ديمقراطية تحقّق العدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية لكافة المواطنين.

من هذا المنطلق، يرى الحزب الشيوعي اللبناني أن البيان الوزاري للحكومة الجديدة لم يقارب المعضلات الأساسية التي يواجهها لبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الشامل ودخول نظام الطائف طور أزمته الوجودية العميقة في مجال حكم البلد وإدارته وتأمين الانتظام العام فيه. وهو يؤكد على الأمور التالية:

اولاً، إقتصر البيان على إطلاق عموميات متناثرة حول مسائل التعافي الاقتصادي بدلا من الاعلان عن خطة اقتصادية لمواجهة الأزمة وكيفية الخروج منها، والتأكيد على الدور الانقاذي الأساسي الذي يقع على عاتق الدولة في الأزمات الكبرى. وحتى عندما يشير البيان إلى خطة التعافي التي وضعتها الحكومة السابقة، فانه لم يذكر بشكل صريح وشفّاف ما سيعتمده بالتحديد منها وما سوف يصرف النظر عنه، تاركا الباب مفتوحا أمام المساومات والتسويات بين أطراف القوى الحاكمة المسؤولة في الأصل عن حصول هذا الانهيار.

ثانياً، وفي تأكيده على عدم أخذ الحكومة دور الدولة في الإنقاذ الاقتصادي على محمل الجدّ، يكرّر البيان الوزاري الحديث عما يسمّيه "الشراكة مع القطاع الخاص" في مجال الطاقة الكهربائية وقطاع الاتصالات، بدل أن يشدّد على دور الدولة الأساسي في هذين المرفقين الحيويين، وعلى الاصلاحات الجذرية التشريعية والادارية والمؤسسية والبشرية التي ينبغي أن تحصّن هذا الدور. وإذ يتحدث البيان بشكل مبهم حول دور القطاع الخاص، فانه يتجاهل أن هذا الأخير غير مؤهل اصلاً للقيام بالاستثمارات الكبرى، وهو يخضع في جانب أساسي منه لقوى الاحتكار والفساد ومحاباة السياسيين. هذا مع التأكيد أن التوجّه نحو الشراكة يدفع بالحل الى المجهول ويخضعه لمصالح القطاع الخاص.

ثالثاً، إن التأكيد على الذهاب إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي وبشروط وضعها البيان نفسه (قبل الشروع في المفاوضات!) حول "تطبيق الإصلاحات في المجالات كافة والتي باتت معروفة" - وتعني عملياً التقشف وتحميل الطبقات الوسطى والعاملة وزر هذه "الاصلاحات" وتحرير سعر الصرف- يعكس الانحياز الواضح لمصالح فئة ال 1% على حساب عموم الشعب اللبناني الذي يرزح تحت أعباء أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. وتشكّل هذه الوجهة استمراراً لسياسة الاستدانة ومعالجة الأمورعبر سياسة "لحس المبرد" وخضوعاً للشروط السياسية الموازية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن لبنان يمتلك من الاحتياطات الخارجية ما يوازي ال 33 مليار دولار. ومع وجود نظام سياسي بديل ودولة مدنية علمانية مكان الدولة الطائفية ونظام ضريبي تصاعدي مكان النظام الحالي غير العادل، لما كانت هناك أيّ حاجة ملحة للهرولة نحو الصندوق والاستسلام لشروطه مسبقا.

رابعاً، أتى الموضوع الصحي في البيان الوزاري خاليا من دروس ودلالات أساسية كان يحب استخلاصها نتيجة أزمة الكورونا وأزمة الانهيار النقدي اللتين وضعتا القطاع الصحي اللبناني في حالة حرجة ودقيقة للغاية، لجهة توفير الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية والسعة الاستشفائية بصورة مستدامة. وما الإشارة إلى "وصولا إلى التغطية الصحية الشاملة" إلا التعبير الواضح عن نيّة الحكومة التحرّر من أيّ التزامات فعلية. وكان الحري بالبيان الوزاري أن يلتزم تنفيذ خطة للتغطية الشاملة وللحماية الاجتماعية، تتضمّن خصوصا كسر احتكار الدواء والمستلزمات الطبية وإعادة النظر في مجمل ميكانيزمات الاستيراد والترخيص والتوزيع والتسعير، الى جانب حماية صناديق التأمينات الصحية العامة وكذلك صناديق تعويضات نهاية الخدمة في الضمان وصناديق التقاعد للمنتسبين الى نقابات المهن الحرّة.

خامساً، إن البيان الوزاري لم يطرح – ولم نكن نتوقع منه أن يطرح - أيّ مقاربة ملموسة للإصلاحات السياسية المطلوبة في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ لبنان، بل هو يؤكد ضمنا الحفاظ على قانون الانتخابات النيابية، مكتفيا بالالتزام اللفظي بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعدها. ويشكّل تجاهل البيان الوزاري لهذا الأمر ثغرة أساسية في العمل الحكومي في المرحلة المقبلة، وهو يعيد البلد الى المربّع الأوّل من أزمته الوجودية: عدم إقرار القوى الحاكمة بالحاجة إلى تغيير النظام الطائفي نحو دولة مدنية وطنية، ما يؤكد دور هذه الحكومة كواجهة لهذا النظام الطائفي المتهالك على الرغم من محاولة إعطاء نفسها الصفة الحداثية والمستقلة.

سادساً، تدّعي الحكومة في بيانها أنها تلتزم باتفاق الهدنة فيما هي بالحقيقة تلتزم باتفاق الإطار الذي أهدر حقوق لبنان السيادية البحرية والنفطية، وتجلّى ذلك في التآمر على عدم تعديل المرسوم 6433 وإرساله فوراً إلى الأمم المتحدة لضمان حقوق لبنان الوطنية في مساحة بحرية تزيد على 2200 كم مربع، وذلك إرضاءاً للضغوط الأميركية، ما يقدّم تنازلاً سافراً للعدو الصهيوني، ويثير الشبهة حول خفايا الصفقة الحاصلة.

ان الحزب الشيوعي اللبناني يرفض هذه الحكومة وتركيبتها وبيانها الوزاري الذي لا يتناسب مع حجم الأزمة والتحديات، ولا يرقى إلى تطلعات الشعب اللبناني وقواه الحية التي انتفضت في 17 أكتوبر 2019. وما الإشارة في البيان الوزاري إلى هذه الانتفاضة الا محاولة لاستيعابها ضمن النظام القائم، وهي الانتفاضة التي وضعت في صدارة أهدافها الوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي لن تتحقق في ظل حكومة تحاول تجديد وإعادة انتاج هذا النظام السياسي البائد. أن الحزب الشيوعي اللبناني يؤكد على تمسكه بأهداف الانتفاضة ويدعو جميع القوى الديمقراطية والتقدمية إلى تشكيل الجبهة الواسعة من أجل استكمال النضال السياسي في المرحلة المقبلة. فكما استطاعت قوى السلطة تشكيل هذه الحكومة، على قوى المعارضة أن تشكل وباسرع وقت هذه الجبهة من أجل دولة علمانية ديمقراطية ومن اجل اقتصاد جديد ومن اجل العدالة الاجتماعية.

بيروت 20 ايلول 2021