السبت، نيسان/أبريل 20، 2024

مؤتمر "الطروحات من أجل تجاوز "تشافيزي" للأزمة": الأسباب والأهداف

عربي دولي
انتهت الهجمة الأميركية على فنزويلا. واختفت كاراكاس من مقدّمات النشرات الإخبارية، وكأن الحياة عادت إلى طبيعتها في بلد الثورة البوليفارية.لكن الحرب على فنزويلا ومشروعها لم تنته. بالمقابل، ما يحدث في كاراكاس اليوم أجمل ممّا نتوقّع: خفّت حدّة الهجمة الإمبريالية، فعاد اليسار إلى العمل الداخلي، إلى إعادة تصويب الصراع، وإلى الدفع مجدّداً باتّجاه الـ"تشافيزية".

في تمّوز، نظّمت مجموعات وكومونات وأحزاب يسارية مؤتمراً في كاراكاس لمناقشة هذه القضايا. هنا مقابلة مع الرفيق ريكاردو فاش، عضو الحزب الشيوعي البرتغالي، وصحافي في موقع "فينزويلا آناليسيس" وأحد منظّمي المؤتمر.

- لماذا ارتأيتم عقد هذا المؤتمر؟
هناك نقاش في أوساط اليسار اليوم في فنزويلا، فقرّرنا الاستفادة منه. رأينا أنه من الضروري أن نقرأ ونقيّم المرحلة التاريخية التي نمرّ بها، وكيف يمكننا بالتالي الخروج منها. كما فكّرنا بأن هكذا مؤتمر يمكن أن يساهم في زيادة حماسة الحركات الشعبية وأن يشكّل منصّة لها للتواصل فيما بينها ولتنسيق العمل وإنتاج عمل نظري وفكري. فهناك الكثير من العمل على الأرض، لكن حتى الآن لم نضع الجهد لتنظيمه وللتعاون بين المجموعات. الوضع اليوم إيجابي وحماسي جداً، فقد حضر المؤتمر حوالي 100 شخص، بينما لم نتوقّع أكثر من خمسين.
وقد أنتجنا وثيقة تحت عنوان "طروحات من أجل تجاوز "تشافيزي" للأزمة"، قدّمنا من خلالها قراءة لأسباب هذا المؤتمر، وتحليلاً للصراع القائم اليوم في فنزويلا بداية من الإمبريالية، دون حدّ الهجمة بالطمع في السيطرة على الموارد الطبيعية فقط. من المهمّ أن نرى بأن المشروع الذي يطرح بديلاً هو مشروع خطير جداً، وهو بحاجة للتأنيب والقصاص، وهذا برأينا أكثر أهمية من التوقّف عند فكرة استغلال الموارد الطبيعية.
- ما هي برأيك المواضيع الأساسية التي يجب التطرّق إليها اليوم بعد الهجمة؟
هناك أزمة داخلية تتمثّل بالأساس في معارضة تستخدم أساليب غير ديمقراطية للتغيير. كما أنه هناك صراع داخل التشافيزية للسيطرة على الموارد، داخل الدولة، إذ تظهر توجّهات يمينية في سياسات الدولة، يتضرّر منها أولاً الأكثر تهميشاً. وقد حصل ذلك عبر هندسات مالية، واقتصاص حقوق مكتسبة للعاملات والعمّال، كما تقلّصت مساحة تقبّل الاعتراض، بطرق مختلفة وخاصة على مستوى العمّال.
وقد قدّمنا رؤيتنا في البيان من خلال توصيف العملية التي أوصلتنا لهذه المرحلة وماهية التركيبة الاقتصادية لفنزويلا، خاصة من خلال طرح ضرورة الاعتماد على قطاعات غير البترول.
نحن نرى بأن الأغلبية اليوم في فنزويلا هي للـ"تشافيزية الشعبية"، لكنّها لم تستطع حتى اليوم تشكيل نفسها كقوة سياسية. وهنا يبدو لنا الهدف الأساسي: العودة لمشروع تشافيز لبناء الاشتراكية.
- بأي أشكال تتوجّه الدولة اليوم نحو اليمين؟
هناك أمثلة عديدة لذلك. ونشاطات التنقيب في منطقة السهول، لوس يانوس (Los Llanos) هي إحداها، حيث بدأ مشروع استكشافي للتنقيب، من دون أن يكشف من المسؤول عن المشروع الذي تمّت الموافقة عليه من قبل السلطات المحليّة دون تقديم دراسة للأثر البيئي. هذا المشروع هو أحد المشاريع الكارثية الذي وإن تمّ تنفيذه، فهو سيدمّر الزراعة في كلّ المنطقة.
مثالٌ آخر حصل أمامي من خلال مشاركتي في تمّوز في تحرّكات للفلّاحين ضد وزارة الزراعة. فمنذ عام 2001، هناك قانون إعادة توزيع الأراضي عمل عليه تشافيز، ويحصل الفلاحون المحتلّون بموجبه على الأراضي غير المزروعة أو المحروثة. لكن الشبكات الفاسدة للسلطات المحليّة تعمل وبشكل متزايد، على "استرجاع" هذه الأراضي لملّاكيها القديمين. خلال السنة الفائتة، قال الرئيس مادورو وبوضوح "أنا مع الفلّاحين"، لكن شيئاً لم يتغيّر. لذا، قام الفلّاحون بمسيرة نحو وزارة الزراعة، راكبين أحصنتهم في مشهد مهيب، لم يعرف أفراد الشرطة حتى التعامل معه. كسروا حلقة الشرطة المحيطة بالوزارة وأكملو مسيرهم نحو الوزارة. وقد هدّد هذا التحرّك الوزير وأرهبه. فوزير الزراعة الحالي ويلمار كاسترو سوتيلدو Wilmar Castro Soteldo)) هو من ملّاكي الأراضي، وهو يقدّم برنامجاً تلفزيونيّاً يتفاخر من خلاله بما يقوم به. حتى أنّه قال مثلاً خلال إحدى الحلقات، واستناداّ لقراءة مغلوطة لأحد أهم المفكّرين الشيوعيين الفنزويليين أورلاندو آراوخو (Orlando Araujo) ، من كتابه "فنزويلا العنيفة" (Venezuela Violenta)، بأن التحدّي اليوم هو لبناء بورجوازية ثورية. المضحك في الموضوع هو أن الوزير باقتباسه الخاطئ هذا، أطلق حملة مضادة له ولسياساته تحت عنوان "البورجوازية ليست ثورية".
- ما هي الخلاصات الأساسية لهذا المؤتمر؟
رأينا في هذا المؤتمر بأن هناك حاجة وسعي حقيقيين للنقاش ولتقديم تحليل نقدي للمكان الذي نتوجّه إليه، وهو ما لم يكن موجوداً منذ سنة مثلاً. بالإضافة إلى العمل مع الحكومة، علينا أن نجد طريقة للعمل مع بعضنا البعض.
ثانياً، ما زال الصراع داخل الدولة قائماً. لدينا الإثباتات الكافية بأن السياسات الاقتصادية العالمية لا تذهب باتجاه بناء الاشتراكية؛ حتى على مستوى الخطاب، التوجّه هو في الاتجاه المعاكس. وهذا الخطاب يريد أن يطرح نفسه داخل الدولة اليوم.
على المستوى العملي، نعمل مثلاً على طرح حلول للدولة كي لا تبقى تحت سلطة البورجوازية والقطاع الخاص. ففيما تحاول الدولة حلّ مشاكل توفّر الطعام والدواء وغيرها، تصبح مضطرّة للعمل مع القطاع الخاص، أي دعمه في تصريف إنتاجه. نبحث إذاً عن حلول لهذه المعضلة ضمن الكومونات،كالمايسال مثلاً، وهي كومونة ناشطة جداً في بناء التحالفات لإنتاج الأرز وتغليفه وتصريفه بين كومونات مختلفة.
ثالثاً، وجدنا بأن هناك حاجة لتجميع هذه التجارب والتعلّم منها لبناء "العضلات الاقصادية" أو القوة الاقتصادية القادرة على خلق سلسلة من البدائل الاقتصادية ذات أفق سياسي. وأخيراً، هناك إذاً مساحة متزايدة لمحاربة الهيمنة في إطار التشافيزية.
اليوم لم تعد المعارضة تدري ما تفعل، والطاقة والحماسة تعودان إلى المكان الصحيح: إلى بناء الاشتراكية. الكومونات والتعاونيات هي من أهم ما يجب أن نعمل ونركّز عليه، لبناء هذا الاقتصاد البديل، وللتعلّم من العمل الشعبي في حلّ المعضلات الحياتية اليومية، وإعادة تسييس الشعب.
- كنت قد أخبرتني عن مفاجآت حصلت خلال هذا المؤتمر، حدّثنا عن اكتشافات جميلة قمتم بها.
اكتشفنا مجموعات عديدة لم نكن نعلم بوجودها، وهي تعمل بشكل مبدع وبوعي سياسي كبير. اكتشفنا مثلاً ما يسمّى "جيش العمّال المنتج" Productive Workers’ Army))، وهم متطوّعات ومتطوّعون من كافة أنحاء البلاد، يعملون كمجموعة عسكرية في معارك إنتاجية، في إطار هو غاية في الإبداع، يتطوّعون لإنقاذ المصانع التي تعاني من مشاكل. كان اكتشافنا لهم ملهماً بحق.
ففي شرق البلاد مثلاً، هناك تجمّع للصناعات الأساسية، من الحديد والألومنيوم والصناعات الصغيرة المتعلّقة بها. والعديد من هذه المصانع مشلول بسبب أعمال تخريبية أو الحاجة لاستيراد قطع.
سنة 2016، نظّم عدد من العاملات والعمّال أنفسهم وذهبوا إلى المصانع، يعملون في كلّ منها لمدّة أسبوع، فيعيدونها إلى العمل. وقد كان مصنع لاغافيوتا للسردين (LaGaviota)في مقاطعة فالكون أحد أشهر المصانع التي أعادتها المجموعة إلى العمل.
منذ بداية نشاط هذه المجموعة، نجحت في 14 عملية إعادة تشغيل مصنع، بداية من تحديد المشكلة حتى دعوة المتطوعين وأخيراً حلّها. منذ سنة تقريباً، قامت المجموعة بأحد أهم أعمالها، وهي إعادة تشغيل أكبر محطّة تكرير للنفط في فنزويلا. كانت المشكلة في خزّان ذو ضغط عالٍ، وقد توقّفت المحطّة عن العمل لأجل غير مسمّى لأن الخزان بحاجة لقطع مستوردة وهو مستحيل في المرحلة الحالية. صعد العمّال الخزّان بعلوّ 150 متر وأصلحوه. وقد أطلقوا يومها شعارات تتعلّق بالاستقلالية والاكتفاء الذاتي بدلاً من التبعية للخارج، كما يعرفون بشعار شهير وهو "نحن لا نصلح الماكينات، بل نصلح الوعي".
ألهمنا هذا الاكتشاف لنعي المجالات الكثيرة المفتوحة أمامنا في محاولاتنا لخلق بديل اقتصادي شعبي، خاصة بوجود إرادة سياسية.