الجمعة، نيسان/أبريل 19، 2024

الأزمة المزدوجة، عجز السلطة، واستكمال تشكيل الإطار الشعبي

رأي
إن أزمة النظام اللبناني أزمةٌ مزدوجة في اللحظة التاريخية الراهنة، ما يجعل خطورة تعطّله (أي النظام) مضاعفة. المقال السابق حول الأزمة السياسية يظهر أن النظام الطائفي استنفذ أفقه التاريخي، حيث أن منطق التشاركيّة هو نفسه منطق تفكّك هذا النظام. إن غياب أيّ هيمنة في السلطة لقوّة "طائفية" محدّدة، بعد اتفاق الطائف وبعد اختلال توازن القوى الدولي والداخلي خلال السنوات اللاحقة، أدّى إلى أزمة تفكك النظام. هذا التفكك وصل ذروته بسبب تراجع الامبريالية على أساس أزمتها الشاملة، كون التوازن الدولي هو الضامن لهكذا نظام غير قادر على التماسك في ذاته، فكان يتم ضبط وتأجيل تفكّكه كل فترة. هذا التوازن انهار اليوم على أثر الأزمة السياسية والاقتصادية الشاملة في العالم.

أزمة مزدوجة
تلتقي الأزمة السياسية وتعجّل في ذات الوقت من الأزمة الاقتصادية حاليّاً، فمنطق الاستدانة وخدمة هذا الدين طوال العقود الماضية، الذي يتمثّل في نهب ناتج عمل الشعب اللبناني، وصل إلى حدود كميّة من الصعب تخديمها في ظل نهب الثروة المتعاظم من قبل قوى الفساد، وتعظيم أرباح المصارف التي تمثل المستفيد الأساس من الدين، ما أوصل معظم الشعب اللبناني إلى حدود الحاجة اليومية وعدم القدرة على تأمين الشروط الأساسية للحياة. ناهيك عن مجمل المعاناة الناتجة عن غياب منظومة الخدمات والبنى التحتية الأساسية (النقل، السكن، الاتصالات...)، إضافة لانهيار الحياة المعنوية وأفق المستقبل، والتهميش المرتفع للدور المنتج لأي إنسان، ما يفرّغ قيمة الفرد من أيّ مضمون اليوم. فالعجز الحالي للاقتصاد اللبناني حسب الأرقام المعلنة لا يسمح حتى بتشغيل الدولة نفسها.

الفراغ الناشئ والإمكانية الثورية
الأزمة المزودجة السياسية والاقتصادية للنظام اللبناني أشبعت الكثير من التحليل والتوصيف وتحميل المسؤوليات، وما زالت المهمةُ الأساسية تشكيلَ الإطار الجامع من القوى الشعبية والسياسية والاجتماعية التي تجتمع على حد أدنى من برنامج يتصدّى للأزمة المزدوجة للنظام، سياسيّاً واجتماعيّاً.
هذا الإطار كان قد بُدئَ العمل على تشكيله عدة مرات، وآخرها كان في سياق دعوة "إلى الشارع" من قبل الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري وعدة قوى أخرى. ما انعكس أيضاً في اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ وندواتٍ أُقيمت في مختلف المدن المناطق، حول البيئة، الخدمات، الصحة،الاقتصاد،... وكان قد اتّضح سابقاً أن زخم هذا الإطار يقتصر على القوى المكوّنة للأحزاب والتنظيمات التي دعت إلى تشكيله. ويبدو أيضاً أن هذا الإطار لم يعد يطل عبر الوسائل الإعلامية وللقوى الشعبية كإطارٍ جامع، وبالتالي تراجع حضوره، أقلّه في وظيفته السياسية التعبوية والتنظيمية والقيادية، وهي الوظيفة المطلوبة منه في الأساس، أي حشد وضم أكبر عدد ممكن من القوى المتضرّرة في مختلف المناطق، لتشكيل القاعدة الشعبية للانتفاضة السياسية-الاقتصادية المنظّمة التي تحمل برنامجاً تغييريّاً.
ومع تعاظم هذه الأزمة المزدوجة، بات توسيع إطار العمل، الذي انطلق سابقاً، ملحّاً، ليطال المناطق من خلال اللجان المتفرعة عنه. فلا معنى لتحرّكات فوقيّة أو محصورة بجسم التنظيمات وحدها من دون تشكيل القاعدة الشعبية الواسعة، وهي لا بد ممكنة اليوم، فالمعاناة أكبر من أن يتم تجاهلها.
وهذا الملحّ من العمل، يتطلّب أن يكون المهمة الرئيسية اليومية للحزب الشيوعي اللبناني كمكوّن أساسٍ مبادر وحاضرٍ في أغلب المناطق حيث يتوفّر في جسم الحزب شرط التواجد في الأماكن الأساسية في البلاد. هذا بالإضافة إلى جعل مهمّة تشكيل لجان العمل مهمة مشتركة للمكوّنات الأخرى وضمّ مكونات جديدة، حيث من غير المقبول الانكفاء والعمل الفردي مرة جديدة أو الإبطاء في عملية تشكيل جسم هذا الإطار الشعبي الذي هو أساس الانتفاضة.
البرنامج الثوري
إن برنامج الخطوات الإنقاذيّة التي أطلّت به هذه القوى سابقاً، يجب أن يتم تعميقه وبلورته وتبسيط بنوده بغية الحشد على أساسه لتشكيل الإطار الشعبي المطلوب، ليعمل أوّلاً على إعلان القطع مع منظومة النهب الدولية للثروة اللبنانية، التي تتسبب في عدم قدرة أي مشروع اقتصادي منتج قادم أن يعيش، وبالتالي مع ما يتعارض وتشكيل أو تراكم لأي قاعدة اقتصادية ومعيشة عادلة، ليتم هذا القطع عبرإعلان إسقاط الدولة اللبنانية للدين وخدمة الدين الذي تعاظم وزنه.
ويترافق مع بند إسقاط الدين طروحات لمصادر إنتاج الثروة في لبنان، المنتوجات الزراعية مثالاً كالزيت والحمضيات والصنوبريات والصناعات المختلفة، ووقف الانهيار الصحي البيئي، والاستفادة من التوازن الدولي الجديد لجهة التبادل التجاري والعلمي والتقني والاستثماري في كل المجالات.
لا خروج عن قواعد الصراع السياسي التي ثبّتها لينين أساساً، وهي تشكيل الجسم البديل والبرنامج البديل وحشد القوى الواسعة على أساسه.