الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

حصار غزّة يزداد فتكًا في زمن "كورونا".. قصصٌ للفقراء تروي ما جرى

  بوابة الهدف
فلسطين

لم يترك الحصار الصهيوني مكانًا في قطاع غزّة إلّا ووصل إليه طيلة 14 عامًا، ولا يوجد في هذا القطاع من سلِم من الحصار، فكيف حال السكّان اليوم في ظل ازدياد شراسة جائحة "كورونا" التي وصلت لهذه البقعة المُحاصرة مساء يوم الإثنين 24 آب/ أغسطس وحصدت حتى لحظة إعداد هذا التقرير أرواح (15) من السكّان وأصابت 1927.

هذه الأزمات ألقت بظلالها بالتأكيد على كافة مناحي الحياة في القطاع، إذ لم يعُد سائق الأجرة يُمارس مهنته بفعل حالة الإغلاق وحالة حظر التجوال المفروضة للحد من تفشي "كورونا"، ولا عمّال "اليومي" الذين جلسوا في بيوتهم أيضًا، والكثير الكثير من الشرائح التي تضرّرت، إذ وثّق مركز الميزان لحقوق الانسان العديد من الشكاوى والشهادات التي تبيّن الحال الذي وصل إليه السكّان في غزّة.

عشرات آلاف الأسر مُهدّدَة

يقول المواطن (م. م) والبالغ من العمر (39 عامًا)، من سكّان حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، إنّ "الظروف التي تمر فيها عشرات آلاف الأسر، بعد أن تجاوزت نسبة الفقراء أكثر من نصف السكان، تهدّدهم بالطرد من المنازل، ولا يستطيعون توفير الحد الأدنى من احتياجات أسرهم".

وتابع بالقول: "أنا متزوج، ولديّ أسرة مكونة من 10 أفراد، جلهم من الأطفال، كان لديّ محل تجاري لبيع الأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة، وقبل حوالي 5 سنوات ومع تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، بدأ الوضع الاقتصادي يزداد تدهورًا وأغلقت المحل لعدم قدرتي على دفع الإيجار نتيجة تراكم الديون وعدم استطاعتي تحصيل ثمن البضائع المباعة للزبائن الذين كانوا يأخذونها بنظام التقسيط".

"بِعتُ أثاث منزلي قطعةً تلو الأخرى"

وأوضح أنّه "ومنذ ذلك الوقت لا أعرف طعم الراحة بسبب الديون المتراكمة عليّ، وذهبت لأبيع أثاث منزلي قطعة تلو الأخرى، لتسديد بعض الديون حتى لا أسجن فقد كانت عدة قضايا مرفوعة ضدي من قبل تجّار الجملة الذين كنت أتعامل معهم ويوردون لي الأجهزة، كما طُردت من منزلي، لعدم قدرتي على تسديد قيمة الإيجار. وذهبت أتنقّل من منزلٍ لآخر، وكنت لا ألتزم بتسديد الإيجار لأنه لم يكن لديّ مصدر دخل، وبلغ مجموع المنازل التي طردت منها خلال خمس سنوات عشرة منازل، ويعتقد البعض أنني أمارس النصب والاحتيال وهم لا يعرفون حقيقة الواقع الذي أعيشه فمنزل عائلتي لا يتسع لمن هم فيه الآن، وأضاعهم المالية صعبة أيضًا، وهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم اليومية".

"طعامنا طيلة الأزمة هو الجبن الرخيص – فيتا"

"وخلال الفترة السابقة عملت في عدد من المهن المختلفة"، يكمل المواطن حديثه، ويُتابع: "بالكاد كنت أستطيع تلبية احتياجات أسرتي وتوفير الحد الأدنى لبقائها على قيد الحياة، ومنذ تفشي جائحة كورونا في قطاع غزة وإعلان وزارة الداخلية فرض حظر التجوال بتاريخ 24/8/2020، وأنا جالس في المنزل لا أعمل وغير قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرتي، وأقولها بكل صراحة، لم نأكل في المنزل طيلة الأسابيع الثلاث الماضية سوى الجبن الأبيض الرخيص من نوع (فيتا)، ومع ذلك كنت أستدين ثمنه هو والطحين من أجل إعداد الخبز، ولا أستطيع الخروج من المنزل للبحث عن أي عمل حتى لو كان براتب عشرة شواقل في اليوم، فمنطقتنا حي الشيخ رضوان من المناطق المصنفة حمراء لتفشى الفايروس فيها، ولا أعلم ماذا سأفعل خلال الأيام القادمة، فأنا لا أستطيع تلبية الحد الأدنى من احتياجات أسرتي، أطفالي يتوقون لأكل طعام مختلف، يتوقون لشراء الحلويات مثلهم مثل باقي الأطفال، ولكن الله غالب".

"لم يطرق أحدًا باب منزلنا"

وختم المواطن حديثه بالقول: "كنت دائمًا أقول لأطفالي لا يستطيع أحد أن يذهب ويجلب الطعام والحلويات من البقالة المقابلة لنا بسبب تفشي المرض، ولكن الحقيقة كنت أكذب عليهم لأنه لا يوجد معي مال، والأخطر من ذلك أنني وأسرتي مهددون بالطرد من الشقة التي أمكث فيها الآن لعدم تمكني من دفع الإيجار، كل ذلك ولم يطرق باب منزلنا أحد، ولم نتلقى أيّة مساعدة من أية جهة".

عمّال المياومة في دائرة الجوع

أمَّا المواطن محمد والبالغ من العمر (42 عامًا)، يعمل جزاراً، ويُعاني من أمراض مزمنة، ويُعيل أسرته المكونة من 10 أفراد، يقول حول معاناته في ظل انتشار الجائحة: "أنا أسكن في حي الشيخ رضوان، وأعيش في أسرة مكوّنة من 10 أفراد من بينهم 8 أطفال، وأعاني من بعض الأمراض المزمنة، وأعمل جزارًا منذ عام 1997، في محلي الكائن في سوق فراس وسط مدينة غزة، ومنذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2007، وأنا أعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة وبالكاد أستطيع تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرتي، ومنذ تفشي فايروس كورونا في قطاع غزة، وإعلان وزارة الداخلية عن فرض حظر التجوال وإغلاق جميع المحلات التجارية، لم أعد قادرًا على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرتي، ولم أعد قادرًا على سداد التجّار الملتزم معهم بدفعات أسبوعية، وأصبحوا يطالبونني بأموالهم حتى في ظل الحالة التي نعيشها".

"تحوّلت الحياة إلى جحيم"

وبشأن انقطاع الكهرباء بشكلٍ مُستمر، أوضح محمد أنّ "بضاعته فسدت نتيجة لذلك، ولصعوبة تصريف اللحوم أو حفظها، ما جعلني تحت ضغط نفسي كبير، وجدت نفسي في حيرة ماذا أفعل؟ فلا يوجد لديّ شيء في المنزل، لا مياه ولا كهرباء ولا طعام ولا دواء، تحولت الحياة إلى جحيم".

وتابع بالقول: "بعدها طرح علي ابن أخي فكرة أن نقوم أنا وهو ببيع الخضار أمام باب المنزل لنستطيع توفير احتياجات منزلينا ووافقت، واشترينا مجموعة متنوّعة من الخضراوات وعرضناها على باب المنزل، وبتاريخ 4/9/2020 منعتنا الشرطة من البيع أمام المنزل، بسبب أننا في منطقة مصنفة موبوءة، كما اعتقلت ابن أخي وأفرجت عنه مساء اليوم نفسه، وأنا حاليًا لا أمتلك أي شيء من المال ولا يوجد بمنزلي حتى المقومات الأساسية".

في حين، شدّد الحاج (ص. ج) الذي يعمل موظفًا براتب مقطوع لا يتجاوز 1000 شيقل، على أنّه "لا سبيل لمواجهة كورونا دون تدابير عاجلة لمساعدة الفقراء ولاسيما المحجورين داخل منازلهم".

وبدأ بالحديث عن قصته: "أنا تتكوّن عائلتي من 14 فردًا، وحصلت زوجتي على وظيفة مؤخرًا كعاملة نظافة في المستشفى الإندونيسي، وتضطر للبقاء في المستشفى وعدم العودة للبيت بسبب إجراءات الحجر، حيث يتم العمل بنظام حجر العاملين وتغيير الورديات كل 14 يومًا، وأنا ألعب دور الأم والأب خلال أيام تغيبها".

وتابع: "تعرّض ابني حاتم يوم السبت الموافق 29 أغسطس 2020 لجرحٍ في رأسه أثناء لعبه في البيت مع أخيه، وذهبت به للصيدلية لعلاجه ولكن الصيدلاني نصحني بالذهاب إلى المستشفى لأن جرحة بحاجه إلى تقطيب، توجّهت به لمستشفى العودة، فطلبوا مني دفع تذكرة قيمتها 25 شيقل لعلاجه ولم يكن معي سوى 4 شواقل فقط، توجهت إلى المستشفى الإندونيسي وهنالك قدموا لي الخدمة المطلوبة".

"عائلتي بأكملها مُصابة بكورونا"

وأكمل حديثه قائلاً: ""بعد ذلك عدت للبيت الكائن في مُخيّم جباليا مشيًا على الأقدام أنا وطفلي، حين وصلت وجدت ابنتي إسراء البالغة من العمر 22 عامًا، تتألم كثيرًا حيث كانت تشعر بأعراض انفلونزا وضيق تنفس منذ عدّة أيام واجتهادًا منّا أحضرنا لها علاج من الصيدلية وداومنا على أن نجهز لها ليمون ومشروبات لتخفيف ألمها. كانت في حالة صعبة وأنا كنت في حاله أصعب من تعبي والسير مشيًا على الأقدام، طلبت من أختها إسلام (16 عامًا) مرافقتها إلى المستشفى الإندونيسي، (هنا أجهش الحاج (ص) بالبكاء وقال: والله لو كنت أعرف لرافقتها قبل أن يأخذوها على الحجر.. أخد نفسًا عميقًا وأكمل روايته: تفاجأت بعودة إسلام دون أختها وقالت لي حجزوا إسراء بالمستشفى بغرفه لحالها، تواصلت مع زوجتي وقالت لي سيأخذون عينه من إسراء لأن حالتها صعبة، وبالفعل ظهرت نتيجة الفحص يوم الثلاثاء وتبيّن أنّها مصابة بفايروس كورونا، وفي الليلة نفسها تدهورت حالتها ونقلت إلى مستشفى غزة الأوروبي.. الآن نتواصل معها عبر الاتصال ونفرح حين نسمع أن حالتها تتحسّن".

"حتى الليمون مش قادر أوفره"

وتابع: "طُلب منّا عدم مغادرة المنزل لحين أخذ العينات من العائلة، مع وجود الشرطة على باب المنزل، وبالفعل التزمنا بذلك. ويوم الخميس حضر طاقم طبي إلى بيتنا وأخذوا عينات من الجميع. أبلغونا مساء السبت الموافق 5 سبتمبر أنني وأبنائي وبناتي، إسلام 16 عامًا، غادة 13 عامًا، جنات 8 سنوات، براء 19 عامًا، توفيق 26 عامًا، محمد 24 عامًا، بأنّ جميعنا مصابين بفايروس كورونا، ومنذ يوم الثلاثاء الموافق 1 سبتمبر حتى اليوم لم نتلقى سوى سلّة غذائية كمساعدة عبارة عن (خيار، بصل، مكرونة، رز، زيت) أشياء بسيطة، وبعدها لم نتلقَ أي شيء، ولكن الخير في الجيران والأهل. أختي ترسل لنا الخبز يوميًا، وجارنا طبيب أحضر لي علاج لحساسية انتشرت في يدي وأنا مريض ضغط بالأساس، كان عندي شريطين من الأكامول أوزع منه على أولادي المصابين، وبصراحة ليس بمقدوري شراء فيتامينات وأدويه مساعدة، والله حتى الليمون مش قادر أوفره. وبعد إعلان وزارة الزراعة لمن أصيبوا الاتصال لتقديم المساعدة لهم ولكني حاولت مرارًا وتكرارًا ولم أتمكّن من الاتصال".

يُشار إلى أنّ جميع المقابلات التي وردت في هذا التقرير هي خاصّة بمركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزّة، إذ سلّط من خلال مدوّنته الخاصة الضوء على جزءٍ بسيطٍ من المعاناة التي تعيشها شرائح مختلفة جرّاء جائحة "كورونا" وآثارها داخل القطاع المُحاصر.

وجدير بالذكر أنّ معدّلات البطالة في غزّة وصلت إلى 52%، وتجاوزت الـ 67.5% في أوساط الشباب، كما طال انعدام الأمن الغذائي 71% من الأسَر بفعل الاحتلال والحصار، فيما ضرب الفقر أكثر من 54% من أهل القطاع، حسبما أفادت عدّة مؤسّساتٍ حقوقيّة في وقتٍ سابق.

وفي الآونة الأخيرة خرجت مناشدات عديدة للجهات المعنية في قطاع غزّة بضرورة توزيع المساعدات على كل المواطنين وخاصة المحجورين منهم والمصابين بالفيروس، وحتى هذه اللحظة لا زالت هناك عائلات تُعاني من فقرٍ مدقع لا زال يتجوّل في بيوتهم.. هذا ما فعله الحصار الصهيوني بسكّان غزّة، وجاء فيروس "كورونا" ليزيد المشهد قتامةً.