الخميس، نيسان/أبريل 25، 2024

أصحاب مغاسل الرمول يهددون، والصيادون يلوّحون بالتصعيد...

لبنان
نقيب صيادي الأسماك: هناك خطة ممنهجة لتهجير الصيادين لبنان الأخضر، لبنان الجبال والأنهر والبحر والوديان.. لم يعد كما كان، بل أصبح غير مطابقاً للمواصفات، ولا تنسجم معه أغنية الفنان الراحل وديع الصافي "لبنان يا قطعة سما". فبعد أن كان هذا البلد يملك جمالاً طبيعياً يصحرّه الإنسان، فيما الصحاري في بلدان أخرى تزهو بالألوان، وها هي سياسة تشويه جماله وتدمير معالمه وبيئته التي استشرت فيها يد الفساد على مدى سنين طويلة مستمرة لتطال حتى بحره.


شاطئ لبنان ثروة يُحسد عليها، ومياهه، موانئه الصغيرة فريدة من نوعها كانت على مدى السنين مصادر رزق الصيادين، والتي باتت اليوم مهددة بالانقراض جرّاء سياسة الفساد والمحسوبيات المتبعة في هذا البلد، وآخرها ظهر في معاناة صيادي مرفأي السان سيمون (الجناح والأوزاعي)، والدورة (برج حمود).

معاناة صيادو السان سيمون
هم من فقراء هذا الوطن، يأكلون خبزهم بعرق جبينهم، شرّدتهم الحروب وهجّرتهم من مناطقهم ورمتهم على أطراف العاصمة بيروت، حضنهم بحرها الذي لطالما عُرفت طبيعته بالغدر والكرم في آن، ولكنه لم يغدرهم يوماً، بل غُدِرَ به وبهم (صيادوه وقاطنوه).
لجأ أهالي منطقة السان سيمون عام 1975 للسكن فيها بما توفر لهم من شاليهات هجرها أغنياؤها أثناء الحرب، أو بعض البيوت العشوائية التي بنيت تلك الفترة أيضاً، وأغلبها من التنك. تحملوا مشقة العيش على هامش الحياة، وقد لا يعرفون من بيروت إلاّ هذه الأمتار، ويتجاهلهم نوابها ما عدا أيام الانتخابات، شتاؤهم قارسٌ جداً، وصيفهم أكثر حرارة. وكأن كل هذه المعاناة لا تكفيهم، ليضاف إليها تلوث البحر، مصدر رزقهم، والمتنفس الوحيد لأطفالهم الذين يفترشون رمال شاطئه، يداعبون أمواجه كأنها أراجيح مدينة الملاهي، والآن باتت الأمراض الجلدية تفترش أجسادهم الصغيرة من مياهه الملوثة.

تعود معاناة صيادي منطقة "السان سيمون" لخمس سنوات، جرّاء تحويل العديد من أنابيب الصرف الصحي لتصبَّ في البحر، إلاّ أن هذه المعاناة تفاقمت العام الماضي مع أزمة النفايات، والتي غزت هي وعصارتها شاطئ المنطقة. ويشير رئيس تعاونية صيادي الأسماك في الجناح والرملة البيضاء إدريس عتريس أيضاً أن "سبب تلوّث البحر يعود لرمي معامل غسل الرمول المحيطة بالمنطقة لمخلفاتها في البحر، فبالإضافة إلى مياه المجارير، فقدت مياه البحر زرقتها لتتحول إلى أحمر قاتم، بسبب غزو الرمال لها، ومصدر هذه البقايا هو معامل منتشرة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، إحدها يقع على طريق المطار بالقرب من ملعب نادي العهد ـ الذي أصبح يرمي بقاياه بشكل غريب عبر أنبوب المجاري قرب حلويات الجندولين ـ الذي يصب في المنطقة بعد أن كان سابقاً يستخدم خط الأوزاعي، وآخر في منطقة الرمل العالي في برج البراجنة، وثالث في الشويفات".
وبحسب عتريس يعمد أصحاب هذه المعامل الضغط على الصيادين ويرسلون لهم التهديدات، حتى أنه بات حذرَ الخروج من المنطقة بعد أن تعرضت سيارته لإطلاق نار في منطقة الأوزاعي وكانت عائلته متواجدة معه. كما أقدم مدير أحد هذه المعامل على تدبير لقاء مع عتريس بطريقة غير مباشرة دون علم الأخير، ونفى صلة معمله بالتلوث وطلب منه عدم زج اسمه بالقضية كي لا يضر بمصالحه، عارضاً عليه الحصول على طاولة مزاد لبيع السمك.
ويقول عتريس بحسرة "لم يرحمونا وقتلوا الثروة السمكية، المسؤولون الكبار يعدوننا بالحلول دونما جدوى. لم يستطيعوا شرائنا بالمال فيهددونا عبر أزلامهم الصغار، لإجبارنا على التزام الصمت وعدم فضح ممارساتهم، إلاّ اننا لن نتخلى عن قضيتنا المحقة وحل هذه المشكلة البيئية"، إذ يوجد في المنطقة حوالي 150 مركباً، تعتاش عائلتان أو أكثر من كلّ مركب منها، لم يعد لهم مكان يصطادون فيه. ويضيف "البحر يأكل من حياتنا وعمرنا، ألا يكفي أننا خسرنا السنسول الذي كنا نعتمد عليه، والذي رُدم بسبب العوامل الطبيعية، فلم يعد لدينا ميناء وسحب المركب سبب لمعظمنا مرض الديسك. الأسماك تموت على الشاطئ وفي قعر المياه، وما تبقى منها هاجر إلى مسافة بعيدة، ما يضطرنا إلى الذهاب مئات الأمتار في مراكبنا غير المجهّزة لنصطاد السمك من مياه نظيفة".
يعرب عتريس عن "تخوفهم" على مستقبل أولادهم الدراسي أيضاً، "فنحن نحصّل رزقنا يومياً، والآن يجب أن نستعد لتأمين مصاريف المدارس. وبسبب تفاقم هذه المأساة نفذنا اعتصاماً في الثاني عشر من آب الجاري، رفضاً لاستمرار جريمة تلويث البحر والقضاء على الثروة السمكية فيه وبالتالي قطع أرزاقنا". حيث قطع الصيادون الطريق البحرية في محلة الجناح - السمرلاند بالاتجاهين واضعين مركب صيد وسط الطريق وفي داخله مياه ملوثة، وأقدموا على حرق شباكهم احتجاجاً على رمي مخلّفات معامل غسل الرمول في البحر، وهدّدوا بإحراق مراكبهم وأنفسهم في حال استمرّت الجهات المعنية في إهمال واجباتها وحماية البحر والثروة السمكية. كما كان من المُقرر أن يُشارك صيّادو ميناء الأوزاعي في الاعتصام، إلا أنهم عدلوا عن قرارهم، بسبب ضغوطات مورست عليهم.
أما واجهة التحرك المقبل، فهي الكوستا برافا احتجاجاً على أحد معامل غسل الرمول فيه.


الدورة
ولمرفأ الدورة حصته أيضاً من المعاناة، ولقد صرّح رئيس نقابة الصيادين في بيروت وضواحيها حنا شواح للنداء أن مشكلة الصيادين واحدة من مرفأ الدورة، والضبية إلى الجناح والدالية، مشيراً "أن هناك خطة ممنهجة لتهجير الصيادين. ولن نسمح بتنفيذها. لقد نفذنا اعتصاماً سلمياً في منطقة الدورة وسننفذ أيضأ تظاهرة بحرية مقابل مكب برج حمود احتجاجاً على إقامة المكب وردم البحر، فالطمر الذي يحصل بالمنطقة يقضي على مبايض ومرابض السلاحف والأسماك ويهدد هذه الثروة البحرية". وإذا نفذ هذ الطمر سيضر بلقمة عيش الصيادين ويقطع رزق 550 زورقاً في مرفأ الدورة.
وأكد وقوف الصيادين معاً ووحدتهم، "فالصيادون يعانون من مشاكل كثيرة، أبرزها مشكلة غسل الرمول في عكار وحلبا، وكذلك في منطقة الجناح والأوزاعي، الذي يؤذي الثروة السمكية. فصيادو الجناح اعتصموا منذ يومين احتجاجاً على مجزرة غسل الرمول والتي تتم لمصلحة الناس المدعومة والمتسلطة على أرزاق الناس".
كما تطرق شواح إلى مرفأ الدالية في الروشة، الذي كان من المفترض توسيعه وتأهيله، وعوضاً عن ذلك تم كسر الرصيف، والإدعاء بأنها أملاك خاصة.
وأشار شواح أنهم حالياً بانتظار تجاوب المسؤولين لتظاهرتهم السلمية، مؤكداً استمرار التحركات والإقدام على تصعيدها بحال المماطلة من قبل المعنيين، "ولو اضطررنا إلى حرق الدواليب واغلاق الطرقات، لأن الطمر مضر بلقمة عيشنا والقضاء على الثروة السمكية إنّما هو قضاء على أرزاقنا".

 المصدر: مجلة النداء