الثلاثاء، نيسان/أبريل 16، 2024

بين التلوث البيئي والتلوث الطائفي

لبنان
التلوث البيئي والتلوث الطائفي مشكلتان أساسيّتان في بلدنا. فمشكلة النفايات وتلوث البيئة ما زالت بين أولويات القضايا التي تحوز على الاهتمام والاستياء الشعبي. ولم يجرِ أي تقدم فعلي في معالجتها.

فما إن تخفّ أصوات الاحتجاج والتظاهر في الشارع، حتّى تعود إلى الارتفاع من جديد، في مناطق لبنانية عديدة. فالناس، لا يجدون أنّ ما تقوم به السلطات المسؤولة، من تحديد أماكن لمطامر أو ما يماثلها، هو حلّ حقيقي علمي ومقبول. ويرون أنّ استمرارَ مشكلة النفايات هذه، ومعها مشكلة الصرف الصحي، قد أدّى ويؤدّي إلى المزيد من تلوث المياه الجوفية، إضافة إلى تلوث الأنهار، مياه ريّ المزروعات، تلوث البحر، وتلوث الهواء. ويكشف كل ذلك، قصور وعقم معالجة الحكومات المتتالية، وضعف أو عدم اهتمامها بما تسبّبه هذه الملوثات من ضرر بصحة الناس. وكأنّ هذه السلطات لا تكفيها مشكلة عدم تأمينها الطبابة والاستشفاء لكافّة اللبنانيين ومرضاهم، فتسبب لهم أيضاً مع استمرار التلوث، الإصابة بأمراض يزداد تفشّيها في بلداتٍ ومناطق لبنانية كثيرة.
وينشأ، من مجمل هذا التلوث البيئي، تشويهٌ لطبيعة هذا البلد وجماله، التي كانت تجذب الزائرين من المنطقة والخارج، للسياحة والشفاء، والاستمتاع بالمناخ والطبيعة الخلابة.
إنّ استمرار هذه المشكلات وتفاقمها، هو أحد مظاهر عقم وتخلّف سياسات الطبقة السلطوية وحكوماتها المتعاقبة، التي تتمحور صراعاتها على تقاسم الحصص، في الصفقات ومجالات الهدر، فتعيق وتبطىء معالجة أي مشكلة، حتى مثل مشكلة النفايات التي تزكم روائحُها أنوفَهم.
وليس منفصلاً عن هذه الأمور، وجود نوع آخر من التلوث، لا يقلّ خطورة، هو التلوث الطائفي الذي يطال العقل والوعي، خصوصاً عندما تكون طبيعة النظام التحاصصي الطائفي، تنتج معاييرَ وصراعاتٍ وانقسامات طائفية، تبرز في المواقف حيال كل مسألة. وربطاً بذلك، أخذ يتسع التطييف ليطال حتى مشكلة النفايات. فكما يقال أنّ البعض في الشمال، يصنّفها بنفايات مارونية، ونفايات سنية. ولم تبقَ النظرة إلى أيّ قضية، بمعزلٍ عن المنظور الطائفي. ونجد على سبيل المثال، مجموعاتٍ من اللبنانيين، تقدّموا لوظائف، مهنية أو أمنية في القطاع العام، ونجحوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، وتمرّ شهور ووقت طويل، دون توظيفهم، بسبب عدم التوازن الطائفي عدديّاً، حتى لو كانت الدولة تحتاج إلى عملهم. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التعيينات في وظائف أعلى. وبين أهم المجالات التي تبرز فيها مساوئ التوازن الطائفي العددي، وتعقيداته، مسألة الفساد المستشري، ونمط التنفيعات، بينها استئجار مباني للوزارات ومؤسسات الدولة بمبالغ طائلة، وآخرها فضيحة شراء بناية في منطقة السوليدير، بمبلغ 75 مليون دولار (إلى شركة MTC) والبلد في ضائقة مالية واقتصادية تضعه على شفير الهاوية. والأمر نفسه بالنسبة لكشف ومعاقبة الفاسدين سارقي المال العام. فكلّ ما يتعلّق بعمل السلطة، يخضع لمعايير التوازن الطائفي. وتصل الأمور إلى تطييف الوعي في النظر إلى الآخر، ويصبح الطفل اللبناني الذي يولد إنساناً وككلّ كائن بشري، محسوباً على طائفةٍ ومذهبٍ معين، دون سؤاله، ودون أن يعرف ماذا يعني ذلك ولماذا.
وها هي حادثة قبرشمون، ما زالت بما تحمله من دلالات وقضايا في الحياة السياسية اللبنانية، رغم أن اللقاء الذي جرى في القصر الجمهوري، بحضور الرؤساء الثلاثة، ومشاركة وليد جنبلاط وطلال إرسلان، والذي وُصف بأنّه لقاءُ المصارحة والمصالحة وأدّى إلى تبريد الأجواء لكن بقي الجانب السياسي، الأساسي والأصلي لهذه الحادثة، والذي قد يتسبّب بغيرها وبمشكلات وأحداث بوجه عام. فطبيعة نظام التحاصص الطائفي وقانون الانتخاب الذي ينبثق منه، تدفع إلى جعل التنافس والتسابق بين الطامحين داخل كل طائفة، كما بين زعامات الطوائف وأحزابهم تجاه بعضهم، يقوم على إظهار كل زعيم أو طامح منهم، بأنه اكثر حرصاً من الآخر على حصة الطائفة ودورها، والاستئثار بزعامتها وموقعها في الدولة. فتكون النتيجة تعميم المناخ الطائفي في الحياة السياسية، وحصول حوادث طائفية، وتغييب التسابق في الانتخابات على البرامج والمهام المتعلقة بمعيشة الناس الاجتماعية وظروف عملهم وضمانات حياتهم ومستقبل أبنائهم، واستبداله بالعامل الطائفي لشدّ عصب جمهور الطائفة، واجتذاب تأييد زعيمها. ويهدف كلّ ذلك إلى طمس الصراع الاجتماعي وطابعه الطبقي والديمقراطي الحقيقي، وإلى تلويث وتشويه البصيرة قبل البصر.
وإذا كانت معاناة اللبنانيين صحيّاً، تقتضي إزالة التلوث البيئي بمختلف أشكاله، فإنّ معاناة الدولة والوطن والوضع اللناني العام، تستدعي إزالة الطائفية وملوّثاتها من النظام السياسي والتربوي والإعلامي، وتغيير سلطة المتمسّكين بها.