الخميس، كانون(۱)/ديسمبر 26، 2024

واشنطن ولعبة الوقت الضائع...

عربي دولي
ما أن وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حتى انقلب على كل شعاراته الإنتخابية بشأن العلاقة مع روسيا، وأرفق ذلك بتصعيد غير مسبوق مع إيران وكوريا الشمالية. هذا النهج التصعيدي الذي يندرج تحت شعار ترامب والحزب الجمهوري أميركا أولاً جاءت ترجمته بفرض مزيد من العقوبات على كل من موسكو وطهران وبيونغ يانغ. وهذه العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية يريد منها ترامب وإدارته تجاوز مرحلة الإنكفاء التي عنونت السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما خصوصاً في الشرق الأوسط.

فهل ينجح الرئيس الأميركي القادم من دهاليز اليمين المتطرف في قطف ثمار العقوبات؟ أم أن موازين القوى الدولية الحالية لا تسمح له بذلك؟ من المسلمات البديهية في علم السياسة التي هي فن الممكن أن يزن ترامب في ميزان الربح والخسارة ما أقدم عليه الكونغرس الأميركي وحظي بموافقته حتى ولو مع بعض التعديلات، هذا فضلاً عن مصالح حلفائه الأوربيين التي لم يأخذها بعين الاعتبار كما لم يأخذ بمصالح الشركات الأميركية التي ستتضرر حكما من التداعيات التجارية السلبية على مصالحها الحيوية. وفي السياق جاءت ردود الفعل الأوروبية عنيفة وغير مألوفة لواشنطن في حدتها، فالمفوضية الأوروبية لم تتورع عن التلويح بإجراءات عقابية بحق الشركات الأميركية إذا تضررت الشركات الأوروبية من العقوبات هذا بالتوازي مع دعوة وزير الخارجية الألمانية إلى الحوار مع روسيا المزودة للاتحاد بمادة الغاز الطبيعي الاستراتيجية للاقتصاد الأوروبي. أما فرنسا فقد ترجمت رفضها للعقوبات الأميركية بقرار إرسال وزير خارجيتها إلى طهران إدراكاً منها للأهمية الاقتصادية الكبرى للعلاقة مع إيران التي تحتاج لاستثمارات هائلة لإعادة تجديد قطاعها النفطي فضلاً عن قطاع الطيران وبناها التحتية بعد الحصار المزمن الذي تعرضت له على خلفية برنامجها النووي، إلى ما تقدم لم تتأخر موسكو التي أفلحت في استعادة دورها الدولي كإمبريالية صاعدة عن الرد فخفضت عديد البعثة الدبلوماسية الأميركية في موسكو وتوعدت بعقوبات على الشركات الأميركية، أما إيران فقد ردت على إجراءات واشنطن بالتمسك ببرنامج إطلاق الصواريخ البالستية، محذرة واشنطن بأنها ستعيد النظر بالاتفاق النووي إذا استمرت بنهجها العدوان . موقف طهران ينسحب على بيونغ يانغ التي عمدت إلى إجراء تجربتين ناجحتين للصواريخ البالستية العابرة للقارات مؤكدة على لسان رئيسها أن كل الأراضي الأميركية تحت مرمى صواريخها النووية التي ستؤدي إلى دمارها الشامل في غضون ربع ساعة. في ضوء ما تقدم يبدو واضحاً أن ترامب يلعب لعبة الوقت الضائع في محاولة للخروج من المأزق بعد أن سبق السيف العذل وبات من غير الممكن للولايات المتحدة إعادة إحياء القطبية الأميركية الواحدة في النظام العالمي الجديد بعد أن برزت قوى عالمية صاعدة اقتصادياً، فضلاً عن الحرب التجارية بين مراكز الاقتصاد العالمي المعولم ولا بأس في هذا المجال من الإشارة إلى الدور الأميركي الذي لا تنساه اليابان ومعها النمور الآسيويون في الإنهيار المالي الآسيوي، علماً أن الاتحاد الأوربي لا زال مثخناً بأزمة منطقة اليورو وبالتالي لا مصلحة له بمجاراة واشنطن في مغامراتها فكيف بروسيا التي نجحت إلى جانب إيران في تهميش الدور الأميركي في العالم العربي خصوصاً في سوريا والعراق وباتت منافسا لا يمكن تجاهله إذا أرادت واشنطن الإبقاء على نفوذها وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلق جورج بوش الإبن العنان له بعد احتلال أفغانستان والعراق. ما تقدم يشي بأن ترامب المنتشي بمكاسب قمة الخيانة في الرياض والتي تجاوزت الأربعمئة وستين مليار دولار من الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية فقط مع السعودية أخطأ الحساب في قراءته للتوازنات الدولية وللمصالح الاقتصادية في ظل اقتصاد رأسمالي معولم مأزوم، وفي ظل نمو النزعات اليمينية المتطرفة على مستوى العالم الغربي وهذا ما يعني أن شعار أميركا أولاً المحبب له سلاح ذو حدين فما ينسحب على أميركا ينسحب على أوروبا وكياناتها الوطنية فكما تراني يا جميل أراك.
إلى ما تقدم فإن ترامب في مغامراته الدولية يسعى للتملص من مأزقه الداخلي إن لجهة الكم الهائل من الاستقالات والإقالات في إدارته او لجهة تصاعد المطالب بإقالته على خلفية ما يتردد عن علاقة نجله بروسيا ودور موسكو في الانتخابات التي أوصلته إلى البيت الأبيض. ترامب إذاً أسير المحبسين مأزقه الداخلي ومغامراته الدولية غير المحسوبة وحسابات حقله لا تستقيم وحسابات بيدر التوازنات السياسية الأميركية والدولية.