الأربعاء، تشرين(۲)/نوفمبر 20، 2024

75 عاماً على الاستقلال: يكفي البقاء أسرى نظام سياسي مولّد للحروب والأزمات

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
تأتي الذكرى الـخامسة والسبعون لعيد الاستقلال في لبنان، في مرحلة تتصاعد فيها التهديدات العدوانية الأميركية والصهيونية عليه، مترافقة مع ضغوط خارجية سياسية واقتصادية لإخضاعه لمشروعها، ومعها تتفاقم أزمة نظامه السياسي – الطائفي من الداخل وسياساته الاقتصادية والاجتماعية، وفق آلياته القائمة على فرض علاقات الاستتباع والهيمنة والنهب، متجليةً باستمرار مشهد التعطيل والشلل لمؤسسات الدولة كافة؛ إذ لم يعد يكفي شعبنا المشاكل التي يعانيها، من فقر وفساد وتخلف وفقدان للعدالة الاجتماعية، والهجوم المستمر على حقوق المتقاعدين وسلسلة الرواتب، والضرائب، والمستأجرين، استجابة لشروط "سيدر"...،

حتى فاجأته بالأمس القريب، فيضانات المجارير التي أغرقت شوارع العاصمة، لتفوح منها رائحة الفساد ولإفساد، واحتجاز أكثر من نصف مليون مواطن في سياراتهم لساعات، وقد جاءت التبريرات وتقاذف التهم بين المعنيين بالأمر، كأبلغ دليل عن سلوك من يتحكم بمفاصل الدولة وإدارة المرافق العامة، وصفقاتهم المشتبه فيها، حيث يُبشرنا "أصحاب الدولة والمعالي" بانهيار اقتصادي وشيك، وكأن هذا الاكتشاف قد هبط فجأة ومن دون مقدمات؛ لقد نسوا أو يتناسون عمداً، بأن كل ما جرى ويجري هو نتاج سياستهم ومحاصصاتهم منذ الطائف وحتى اليوم، وعليه تُصبح إدانة سلوكهم وفضحه ومواجهته مسألة ملحّة لا تحتمل أي تأخير.
ولتُستكمل الصورة، تستمر أزمة تشكيل الحكومة، وسط الشروط والشروط المضادة، معطلة البلد؛ فلغة التخاطب السياسي المستخدمة اليوم، في منطق التفاوض الجاري، وتحديداً حول تركيبتها، هي أوضح مثال على ما ستؤول إليه الأمور لاحقاً. فمصطلح "سنّة المعارضة"، أو "سنّة 8 آذار"، أو "الحقائب الوازنة"، أو "من حصتنا"، أو "الزعيم الأقوى في طائفته" أو "الثنائية"... تعطي مؤشراً واضحاً على الحالة الخطرة التي أفرزها القانون الانتخابي الهجين، الذي عززت نتائجه المناخ الطائفي، وشرّعت لهذا المستوى من الخطاب السياسي ونوعيته؛ وإذا كانت الانتخابات قد أفرزت أكثريات ضمن المذاهب، فإنها، وفي الوقت ذاته، قد أفرزت "معارضات" من الطبيعة المذهبية نفسها، وفي الحصيلة، فلقد تمّ ضبط السلطة السياسية، بشقّيها الموالي والمعارض، تحت سقف المذاهب والطوائف، وتمّ حصر الحراك السياسي بين هاتين الضفتين، بحيث أن النظام السياسي يُشكّل معارضته بصورة عاكسة له ولحقيقته. واقع، ربما، يُؤشر إلى سعيٍ لإعادة تكوين السلطة في لبنان وتشكيلها، على أسس جديدة، تناقض المشهد السياسي الذي حكم لبنان منذ الطائف، المهدد بالسقوط النهائي، نتيجة الخلافات حول الحصص والأدوار لمكونات السلطة وأحزابها.
هذا التعقيد في المشهد السياسي الداخلي يأتي في أجواء عيد الاستقلال، حيث أن تلك المجموعة الحاكمة ستكون في طليعة المحتفلين به، مع العلم أنّ سلوكها، ومنذ الاستقلال وحتى اليوم، لا يمت لمعاني المناسبة بأي صلة؛ فإرادتهم السياسية غير مستقلة، بل هي مسلوبة ومرتهنة بولاءاتهم لرعاتهم الخارجيين، وسياساتهم الاقتصادية قائمة على منطق الاستتباع والاستجابة لشروط البنك الدولي وهيمنته، ولمؤتمرات الاستدانة والتدخل في القرار الاقتصادي والمالي للدولة من قبل الجهات المانحة، غير آبهين بحقوق الشعب اللبناني ومصالحه.
فإذا كان ثمة ما يدعونا للاحتفال بهذه المناسبة، فهو واجب تكريم قوافل الشهداء الذين سقطوا في كل محطات النضال، طوال الـ75 سنة، في مواجهة الانتداب والأحلاف العسكرية والاحتلال الصهيوني والدفاع عن وحدة لبنان وعروبته... وأن يكون في الضفة المقابلة لأهل السلطة، من خلال رفضهم ورفض سياساتهم، وطرح المسألة من زاوية ومنظور مختلفين؛ فالاستقلال الحقيقي للبنان لن يكون إلّا بالتخلص من هذه المجموعة الحاكمة والمتحكمة ونظامها السياسي، انطلاقاً من مشروع سياسي بديل، يهدف إلى بناء دولة وطنية علمانية وديمقراطية ومقاوِمة، قادرة على مواجهة الاعتداءات الخارجية والتحديات المحيطة بلبنان وبما يجري في المنطقة، وقادرة، في الوقت نفسه، على بناء اقتصاد وطني منتج يخلق فرص العمل، وليس دولة مزارع طائفية أو دولة فدراليات المذاهب. فلسنا محكومين بأن نبقى أسرى نظام سياسي واقتصادي مولّد للحروب والأزمات والمآسي.