السبت، تشرين(۲)/نوفمبر 23، 2024

نكبة بيروت ونظام الكوارث والمنظومة الفاسدة

لبنان
أمام هول الكارثة يجدر التساؤل، هل أنها انتقام من سيدة العواصم العربية، لأنها على الرغم من حصار الجيش الصهيوني وألوف القذائف اليومية عام 1982، لم ترفع الأعلام البيضاء؟ وانها استولدت جبهة مقاومة وطنية لبنانية، شقت طريق التحرير، وأجبرت الجيش الصهيوني على الانسحاب الذليل من بيروت خلال عشرة أيام؟..ليس غريباً أن يكون هذا التفجير الكارثي في مرفأ بيروت، صنع إسرائيل. فطبيعتها العنصرية ومطامعها التوسعية، متلازمة مع المجازر والعدوان والإجرام سواء تأكد ذلك في التصريح الأول لنتنياهو، وللرئيس دونالد ترامب، أم عادوا ونفوه.

كما ان إهمال السلطة اللبنانية بجميع مواقعها، في إدخال نيترات الأمونيوم إلى المرفأ، وإبقاء هذه المادة الشديدة الإنفجار طيلة سبع سنوات، هو جريمة موصوفة بحق بيروت ولبنان والشعب، لا يمكن إخفاؤها. فهذه السلطة ومن سبقها أيضاً، تعتمد إهمال قضايا الشعب والوطن.. من تلوث الليطاني والمياه، إلى تلوث الغذاء، وتلوث الهواء، خصوصاً في بيروت، إلى قضية الكهرباء، والنفايات، إلى الوضع المعيشي المتدهور، والوضع الصحي والتربوي، إلى إغراق البلاد بالديون والتلاعب بالدولار والليرة، وحجز المصارف أموال اللبنانيين وسرقة نسب معينة منهم، ونشر البطالة والإفقار والتبعية للخارج الخ.. ومع ذلك يتحايل كل طرف أو مسؤول للتنصل من المسؤولية، ورميها على غيره. وذريعة "ما خلونا" لا تنطلي على طفل صغير.. الم يتباروا في تصريحاتهم ضد الفساد ومكافحته؟ فمن هم وأين هم الفاسدون؟ أليس كافياً ما جرى لينفجر غضب الناس في كل البلاد، وبخاصة في شوارع بيروت الجريحة وساحاتها؟ ماذا ينتظرون من أهالي القتلى والجرحى، وعشرات ألوف المساكن والمتاجر والمكاتب المهدومة؟ أليس التحرك الشعبي الكبير وتعليق المشانق في ساحة الشهداء، تعبير عن ما يعتمل في نفوس الناس من غضب على الحكام؟ فالمسألة تخطت انعدام الثقة بهم، ووصلت إلى بدء المحاسبة في الشارع.
فكل وزير أو مسؤول منهم، بات يخشى ارتياد مطعم أو ساحة عامة أمام الناس. فينقضّون عليه ويطردونه.. ألا تظهر مخاوف السلطويين من الشعب، بإحاطة مؤسسات الدولة الأساسية، وقصورهم، بجدران سميكة من الحديد وألواح الباطون الضخمة؟ هذا علماً أن هذه المؤسسات هي من مال الشعب وللشعب، وليست ملكاً للسلطويين .. ألم يستخدموا القوى الأمنية التي عليها حفظ أمن الناس. والجيش الذي تتركز مهمته على حماية الوطن، للقمع المفرط ضد الشعب الغاضب، من أجل حماية الفاسدين والمهملين وناهبي المال العام، وليس لحماية الوطن؟
إنّ بلدنا اليوم أمام وضع مفصلي، تشتد فيه الصراعات. فالطبقة السلطوية تسعى لتجاوز تناقضاتها، وترميم وضعها والتواطؤ على ما يوحدها ويضمن مصالحها. والانتفاضة الشعبية المتعاظمة متواصلة، وهي في طريقها للتحوّل إلى ثورة.. والتدخلات الخارجية، خصوصاً قوى المخطط الأميركي الصهيوني وأتباعه، تواصل ضغطها وتآمرها لتحقيق أغراضها في منطقتنا، من صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، إلى قانون قيصر ضد سوريا، وصولاً إلى إثارة الفوضى وتفتيت بلدان المنطقة ومنها لبنان. ويترافق ذلك مع مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية بما يلائم إسرائيل. والضغط لتعديل دور "قوات اليونيفيل" بما يتيح لها التوغل في القرى الجنوبية والأملاك الخاصة، للتضييق على المقاومة، في حين يُترك للديش الصهيوني، التحرك المفتوح والمباشر على طول الحدود الجنوبية. ومعلوم ان إضعاف المقاومة من دون وجود دولة قادرة على ردع عربدة العدو الصهيوني، يناقض مصلحة لبنان الوطنية وحق شعبه.
أما بشأن النكبة ومسؤولية السلطات، فلا يمكن لأي حزب سلطوي، من الموالاة إلى المعارضة إلى حزب الله، التنصّل من المسؤلية التي تتحملها السلطة مجتمعة. وهم شركاء فيها. بدءاً من التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي مروراً بالفساد وشفط مال وعافية الدولة، وصولاً إلى الانفجار الزلزالي. وليس مقنعاً كلام المسؤولين، انهم يجهلون وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وهم الذين زرعوا أزلامهم في مواقع ودوائر المرفأ. والأزلام يتصلون بزعمائهم دائماً لتأدية فروض الولاء.
وها نحن اليوم نرى تراكض الزعامات السلطوية، لتشكيل حكومة بديلة للحكومة المستقيلة، من نفس الذهنية والمنظومة السلطوية، التي تتحمل مسؤولية كل ما حل بشعبنا من كوارث. وهؤلاء المسؤولون يجاهرون بانتظارهم رُسل الخارج وبخاصة دول الغرب الأميركي، حتى في تشكيل الحكومة، وباستعدادهم للتجاوب "الخضوع" لطلباتهم مقابل تجديد سلطتهم ونظامهم المأزوم. وقد اعتادوا التنازل والتبعية للخارج، وليس للإرادة الشعبية ومقتضيات السيادة الوطنية. لكن عودتهم بالدعم الخارجي، لن تطفىء نار الغضب الشعبي التي ستبقى مشتعلة، ضد تكرار التجارب الفاشلة، والمعالجة بالترقيع والمسكنات.. فلا حل حقيقي تحت سقف نظام التحاصص الطائفي المأزوم ومنظومته الفاسدة بل بتغيير فعلي، يبدأ بتشكيل حكومة من خارج هذه المنظومة السلطوية، وبصلاحيات استثنائية ومهامها الأساسية محاسبة المسؤولين الفاسدين والمهملين، واسترجاع المال المنهوب، وإقرار قانون انتخاب لا طائفي ونسبي وفي الدائرة الوطنية، تجري على أساسه انتخابات مبكرة، ومساعدة أسر الضحايا والاهتمام بالمصابين والسعي لإصلاح ما تهدّم.
إنّ تعاظم دور الانتفاضة والثورة الشعبية، هو بتوحيد قواها وبرنامجها وبقيادة مشتركة، لتصبح قادرة على الانتقال من إخافة الطبقة السلطوية ونزع الثقة بها، إلى إسقاطها، رغم شراستها ووقاحتها. فذلك هو السبيل لإنقاذ لبنان الشعب والوطن.

المصدر: مجلة النداء