الإثنين، كانون(۱)/ديسمبر 23، 2024

المؤتمر الثاني عشر وإرادة الشيوعيّين

لبنان
إن تحسين نمط مقاربة إجراءات عقد المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي اللبناني بات يجسّد في ظرفنا الراهن حاجة موضوعية ملحّة، لأكثر من سبب داخلي وخارجي. ففي الداخل، باتت التحوّلات الجارية تنذر، من حيث عمقها وشمولها، بتمزيق لبنان وتقويضه تحت وطأة التفاقم غير المسبوق في أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتكرّرة، التي يتحمّل مسؤوليتها أساساً تحالف القوى السياسية والطائفية المتنفّذة داخل السلطة، فضلاً عن مفاعيل استمرار الارتدادات السلبية على هذا البلد بسبب تفاعل أزمات المحيط التي لم تكتمل فصولها.

ومن جهة أخرى، يواصل العالم العربي السباحة على غير هُدىً في قلب العاصفة، إذ تعتمل فيه وتتعاظم تبعات مشروع "صفقة القرن"، التي يحاول التحالف الاميركي-الصهيوني-الرجعي عبر فرضها إعادة إنتاج وتركيب مجمل الفضاء الجيوسياسي لهذا الجزء من العالم، في مسعىً استباقيّ من جانبه، لمنع حصول تحوّل جذري في موازين القوى في غير مصلحته على المستوييْن العربي والاقليمي.
وقد أوصلت جذرية الهجمة الامبريالية والرجعية العديد من دول المنطقة، بما فيها لبنان، إلى حافّة الانفجار عبر تشديد كل أنواع العقوبات الاقتصادية والمالية ومحاولات العزل والحصار السياسي، فضلاً عن إطلاق التهديدات العسكرية وتحريك الأساطيل ونشر المزيد من القواعد والقوات المسلّحة في طول المنطقة وعرضها. وما من شكّ في أن مثل هذه الظروف الاستثنائية والمتفجّرة تستدعي من الحزب الشيوعي كما من فصائل اليسار الأخرى اعتماد مقاربات مؤتمرية من نوع جديد، قوامها: المزيد من الوضوح والشمول في التحليل، والمزيد من الدقة والحسم في طرح الأولويّات والأهداف، والمزيد من الربط بين تطوّرات الداخل والخارج، والمزيد من الجرأة في تقبّل التنوّع والاجتهاد، مع الحفاظ على منهج التفكير العلمي في التحليل.انطلاقاً من ذلك، تضمّنت آلية عقد المؤتمر الثاني عشر المحطات الآتية: مرتكزات التحضير، الموضوعات المطروحة، تشكيل اللجنة التحضيرية واللجان المتفرّعة عنها، وثائق وأوراق التحضير للمؤتمر وآلية النقاش لإعداد الوثائق.
أوّلاً، في مرتكزات التحضير للمؤتمر
لقد أقرّت اللجنة المركزية للحزب آلية عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر، مضمّنة فيها المرتكزات الأساسية وخارطة الأعمال التحضيرية ورزنامتها الزمنية، وصولاً إلى العمل بإرادة إنجاز عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب في شهر تشرين الأوّل لهذه العام. وراعت هذه الإجراءات حاجة الحزب إلى توسيع قاعدة المشاركة وإغناء النقاش وإفساح المجال أمام الرأي والرأي الآخر، مع توفير ضمانات تتيح إبراز التنوّع في الأفكار والاجتهادات على أساسٍ من الشفافية والصراحة، وترجمة حصيلة هذا التنوّع في متن الوثائق المؤتمرية، تحفيزاً وتسهيلاً للنقاش بين الشيوعيّين في المراحل الحاسمة من عملية إنجاز الأعمال التحضيرية.
وبالنسبة لمرتكزات التحضير، يشكّل المؤتمر الثاني عشر استحقاقاً هامّاً لبلورة وتطوير مشروع الحزب المستقبلي على المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية، ومحطّةً لتقييم خطّه السياسي المقرّ في المؤتمر الحادي عشر، وكذلك محطّة لتقييم التقريريْن السياسي والتنظيمي عن عمل الحزب وقيادته وهيئاته خلال السنوات الثلاث السابقة. والمؤتمر هو أيضاً مناسبة مؤاتية لتجسيد وتأكيد إرادة الحزب ورغبته في مشاركة كل الشيوعيّين في المؤتمر، وكذلك كل الوطنيين واليساريين والديمقراطيين، في نقاش الموضوعات الفكرية والسياسية للوثائق المؤتمرية.
ثانياً، حول عملية التحضير لعقد المؤتمر
يجري التحضير لمجلس عام يمهّد لعقد المؤتمر، لا كمحطة فقط لنقاش مشروعي التقريريْن التقييميّين السياسي والتنظيمي، بل أيضاً لإطلاق عملية التحضير للمؤتمر الثاني عشر عبر طرح تفاصيل التصوّر الملموس والمتكامل حول مراحل هذا التحضير ومندرجاته.
وبهذا التوصيف، فإن انعقاد المجلس العام من شأنه إدخال القاعدة الحزبية باكراً في أجواء المساهمة في التحضير للمؤتمر، لا سيّما أن التقريريْن التقييميّين يتضمّنان عدداً وافراً من الموضوعات ذات الطابع المؤتمري التي كانت موضع نقاش في الهيئات القيادية، وقد اتضح أنها تتطلّب المزيد من الجهد المركّز خلال كافة مراحل التحضير للمؤتمر كي تتمكّن من الوصول إلى خواتمها المرجوّة. ومن ضمن هذه الموضوعات، يمكن الإشارة إلى الآتي:
بلورة وحدة الحزب الفكرية وبرنامجه في التكتيك والاستراتيجية، واقع التغيّرات والتحوّلات المستجدة في بنية الطبقة العاملة، كمّاً ونوعاً، وارتداداتها على واقع الحركة النقابية؛ ظاهرة تسارع سقوط الشرائح الاجتماعية المتوسطة -بما فيها شرائح من "القوى المدنية"- كنتاج لسيطرة الليبرالية المعولمة، وضرورة (أو عدم ضرورة؟) انخراط الحزب من موقعه المبدئي في معركة اجتذاب فئات مختارة من هذه "الشرائح"؛ التنافس الشرس بين أطراف البرجوازية والطوائف والسفارات الأجنبية على محاولة اجتذاب وتوظيف ظاهرة "المجتمع المدني" لأغراض سياسية، وموقف الحزب من هذه الظاهرة؛ مدى الحاجة، أو عدم الحاجة، إلى مراجعة نمط خطابنا السائد الذي يكاد يساوي بين كافة أطراف السلطة، بالرغم من تمايز مواقفها تبعاً لحقول الصراع المتنوّعة؛ الانعكاسات التي ترتّبها هذه التغيّرات والتحوّلات على حقل التحالفات الطبقية والسياسية في البلد، والحاجة إلى تطوير وترسيخ مفهوم "الكتلة الشعبية" داخليّاً، ومفهوم المقاومة العربية الشاملة للتحرر الوطني والاجتماعي؛ موقف الحزب الشيوعي من الهجمة الامبريالية والصهيونية والرجعية التي تستهدف المنطقة والشعوب العربية، وكيفية مواءمته بين مهام التغيير ومهام التحرير؛ كيفية تجديد الحزب حيثيات التناقض الأساسي الناظم للصراع في المنطقة، وآفاق وحدود التقاطع في المصالح/ أو التحالف مع إيران وحزب الله و"محور المقاومة" عموماً؛ المرتكزات المبدئية لموقف الحزب من الأزمة السورية والنظام السوري؛...إلخ.
لقد تقرّر تشكيل اللجنة التحضيرية واللجان المتفرّعة عنها للمؤتمر الثاني عشر من أعضاء اللجنة المركزية الراغبين في المشاركة، على أن يتوزعوا -بحسب طلبهم وكلما أمكن بحسب الخبرات المتاحة لديهم- على ثلاث لجان تحضيرية فرعية معنية بصياغة الوثائق، وهي: لجنة القضايا الفكرية، لجنة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولجنة النظام الداخلي. ومن أجل توسيع دائرة المشاركة من داخل التنظيم الحزبي، تقرّر أن يُضافَ إلى كلّ من اللجان الثلاث رفاقٌ آخرين -من خارج اللجنة المركزية- من ذوي الخبرة والاختصاص والتجربة الذين ترى اللجنة المركزية في مشاركتهم حاجة وضرورة لإغناء عملية التحضير للمؤتمر... وتتمتّع كل لجنة تحضيرية فرعية بصلاحية عقد ورش عمل خاصة بها -حول موضوع أو أكثر يتصل بمجال عملها- بمشاركة رفاق من خارج التنظيم وأصدقاء واختصاصيين .
كما تقرّر كذلك تشكيل لجنة مشتركة من بين أعضاء اللجان التحضيرية، تتولّى استلام تقارير هذه اللجان، على أن تتضمّن هذه التقارير بوضوح النقاط التي جرى الاتفاق عليها إضافة إلى النقاط التي بقيت معلّقة، مع ذكر مختلف الآراء حول كل نقطة من النقاط المعلّقة. وتكون مهمة اللجنة المشتركة السهر على تأمين التناسق والانسجام المنهجي في الوجهة العامة لمحصّلة مسودات تقارير اللجان الفرعية.
ثالثا، وثائق وأوراق التحضير للمؤتمر
تتضمّن هذه الوثائق التقريريْن التقييميّين السياسي والتنظيمي، إضافة إلى إطار عام حول أسئلة أو تساؤلات متعلّقة بأبرز الموضوعات المؤتمرية الواردة فيهما، بما في ذلك الموضوعات التي تعتبر موضع نقاش . كما تتضمّن بالطبع مشاريعَ الوثائق الصادرة عن اللجنة المركزية -بما فيها المشروع الذي توصّلت إليه لجنة النظام الداخلي للحزب- والملاحظات والتوصيات التي قد تصدر إذا لزم الأمر عن اللجنة المشتركة. وتشمل الوثائق كذلك الأوراق الصادرة عن كلّ رفيق فرد أو مجموعة رفاق وفق أحكام النظام الداخلي.
رابعاً، آلية النقاش وإعداد الوثائق
حرصت اللجنة المركزية على تأمين آلية ديمقراطية في إعداد مشاريع الوثائق، بحيث لا تقتصر هذه الآلية فقط على تحفيز وتوسيع النقاش الجاري في اللجان التحضيرية الفرعية، بل تشمل أيضاً تعزيزَ مشاركة كل عضو من أعضاء الحزب، في طرح أفكاره وآرائه للّجان التحضيرية مباشرة -كما الهيئات الحزبية- من خلال مناقشته الإطار العام للأسئلة حول الموضوعات التي قد تتعدد الآراء حولها عبر الاجراءات الآتية:
- طلب تقديم مساهمات خطية حول هذه الموضوعات وغيرها أفراداً وهيئاتٍ، عبر الإعلام الحزبي (نافذة الكترونية على موقع الحزب الرسمي، نشرة حياة الحزب الداخلية، مجلة النداء،...).
- إحالة نسخة عن مساهمات الرفاق الخطية إلى اللجان التحضيرية الفرعية -كلّ ضمن نطاق اختصاصه (فكر، سياسة، اقتصاد، اجتماع، تنظيم،...) لاستخلاص أهم الأفكار والملاحظات وإدخالها في معرض إعداد الوثائق.
- ينبغي أن تتضمن التقارير الاجتهادات والآراء المتمايزة او المتباينة على نحو يسهل نقاشها والتصويت عليها في المؤتمر إن لزم الأمر.
- توفير المتطلّبات الضرورية لنشر كل الأوراق الأخرى التي يقدّمها رفيق أو أكثر، وفقاً للأصول.
إن الهدف الأساسي من كل ما تقدّم من إجراءات وآليات ناظمة لأعمال التحضير للمؤتمر، هو توفير البيئة المؤاتية كي يكون النقاش الحرّ والمتكافىء والحوار المفتوح والبنّاء والمحاججة الفكرية الصارمة بين الشيوعيين (وكذلك أصدقائهم)، في مستوى حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها الشعب اللبناني، كما تواجهها شعوبنا العربية، على المستوى الوطني من اجل التغيير الديمقراطي والتخلص من الأنظمة السياسية الطائفية والقمعية التي افقرتها، وعلى المستوى القومي ضد هذا النمط الإلغائي والإقصائي من الغزوات الامبريالية والصهيونية الساعية إلى التفلّت من أيّ ضوابط تقرّها المواثيق والأعراف الدولية وحقوق الشعوب -لا سيّما الشعب الفلسطيني- في تقرير مصيرها. ولا مجال للتردّد، فلا خيار أمام الشيوعيّين، وهم يستعدّون لعقد مؤتمرهم الثاني عشر، سوى رفع الصوت عالياً لخوض المجابهة ضدّ هذه الغزوات، مجموعي الشمل في كتلة متراصّة ومحصّنين بفكرٍ ثوري صائب وعزيمةٍ لا تلين وإرادةٍ لا تُفنى.