الشيوعي: ثروات لبنان هي للشعب اللبناني وليست للتفريط أو المساومة
وبعد انتهاء التفاوض على الشكل الذي انتهت إليه، فإن الحزب الشيوعي اللبناني يرى أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي والمفاوضات التي سبقتها، اعترتها ثغرات سياسية وسيادية وقانونية فادحة، وبالتالي لا بد من توضيح بعض النقاط، أهمها:
كان على لبنان أن يصرّ على أن تلعب أي دولة محايدة دور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والكيان الصهيوني، تبعاً لجميع المقاييس الوطنية والقومية والسياسية والإنسانية، بدلاً من أن يكون الوسيط هو الدولة الأولى الداعمة لإسرائيل، أي الولايات المتحدة الاميركية. إن هذا الأمر لا يجب أن يُعتبر شكلياً وإنما له تأثير على مضمون الاتفاق جراء الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة وسياساتها كدولة إمبريالية تنزع نحو العسكرة والحروب والعدوان.
إن الحزب الشيوعي يدرك بأن من يتحكم بنتيجة أية مفاوضات أو نزاع هي الظروف المادية وتوازن القوى، لكن في القضية الوطنية المتعلقة بسيادة لبنان والحفاظ على حدوده البرية والبحرية فلا مجال للتنازل أمام عدو مغتصب وطامع، لا يزال يحتل إلى الآن جزء من أراضي لبنان في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الغربي من بلدة الغجر.
إن الحزب الشيوعي يعتقد أنه كان بالإمكان، ضمن توازن القوى الحالي، إقرار الخط 29 وإرساله إلى الأمم المتحدة وربط النزاع على حقل كاريش وبدء المفاوضات من هذه النقطة تحديداً. هذا كان سيضمن للبنان القدر الأكبر من حقوقه مستغلاً الظروف الدولية، لأن تداعيات حرب أوكرانيا وأسواق النفط والغاز هي لمصلحة لبنان من حيث الاستفادة من الضغط الدولي على العدو. بمثل هكذا موقف نحفظ قانا وحقنا في كاريش وفق الخط 29 ومعهما تضحيات المقاومين الذين قدموا أرواحهم من أجل تحرير الأرض من رجس هذا الاحتلال.
يعتبر الحزب الشيوعي أن القبول أساساً بالوسيط عاموس هوكستين هو فعل تطبيع سياسي مدان، كما يدين طريقة "إخراج" الاتفاقية كأنها انتصار لأنها فعلياً، كما ذكرنا في السابق، هي ليست كذلك. في هذا السياق، الاتفاقية حول الحدود البحرية تضمن حصة للعدو من حقل قانا وليس "تعويضاً من شركة توتال من أرباحها" كما تدعي القوى الحاكمة، وهذا ما يحمل في طياته شكل من أشكال التطبيع الإقتصادي من خلال شركة "توتال"، إذ أن أرباحها التي ستحولها إلى الكيان الصهيوني لن تأتي من أرباحها العادية التشغيلية وإنما من ريع حقل قانا بعد احتساب حصة لبنان، أي أنها بالفعل تتضمن حصة الكيان الصهيوني.
لقد نصّت الاتفاقية صراحة على أن تحظى الشركات المنقبة بموافقة راعي الاتفاق، أي الولايات المتحدة الأميركية، ما قد يعطيها اليد الطولى في إدارة ملف الغاز على امتداد الشاطئ الشرقي للمتوسط، وهو ما يشكل امتيازاً للأميركيين وامتداداً لنفوذهم في المنطقة، بمباركة من السلطة اللبنانية، وهذا ما يدينه الحزب الشيوعي ويرفضه بشكل مطلق.
يعتبر الحزب الشيوعي اللبناني، أن استعمال المنظومة الحاكمة للأزمة الاقتصادية كمبرر لتقديم التنازلات التي حصلت من الجانب اللبناني ما هو إلّا تضليل سياسي كبير. إذ أن معضلة لبنان الاقتصادية بحاجة إلى إجراءات داخلية سريعة لحل الأزمة، التي تركتها القوى الحاكمة تراوح مكانها لأكثر من ثلاث سنوات، بينما عائدات النفط والغاز لا تزال بعيدة وخارج الإطار الزمني لحل الأزمة. كما أن استفادة لبنان اقتصادياً من أية عائدات محتملة مرهونة بتغيير سياسي واقتصادي كبيرين، ينهي النموذج الاقتصادي البائد ويؤسس لنموذج اقتصادي منتج وجديد، تقوم به القوى المتقدمة في المجتمع وليس القوى الطائفية التحاصصية التي تحكم حالياً، وإلّا فإن هذه القوى ستبدد الثروة النفطية في تحاصصها وصراعاتها ونموذجها الاستهلاكي الريعي.
يضم الحزب الشيوعي اللبناني صوته إلى جانب كل الأصوات الوطنية المطالبة بإعلان هذه الإتفاقية أمام الشعب اللبناني من أجل الإطلاع عليها ومناقشتها في المؤسسات الدستورية ومع الرأي العام، فهي تفتح مرحلة جديدة وخطيرة يفوح منها روائح التطبيع المرفوض والمدان والذي ندعو إلى مواجهته مع الوقوف ضد التفريط بحقوق لبنان على المستويات كافة.
بيروت في 15\10\2022
الحزب الشيوعي اللبناني