الخميس، نيسان/أبريل 25، 2024

المشاع، أملاك سائبة وتعديات

رأي
مع كل استحقاق يواجهه اللبنانيون يتكشف أكثر فأكثر مشهد الفساد الذي تمارسه مرجعيات الطبقة السياسية الحاكمة بأمرها والمتمادية باستئثارها  وهيمنتها بما يتعارض ومواد الدستور ونصوص القوانين المرعية الإجراء، إلى أن باتت بفعل ممارساتها وسوء أدائها تمثل أنموذجاً جلياً لسياسات الأمر الواقع والتي تحولت معها سلطة القانون الى مافيات تمرّست فنون الإرتكابات في سبيل نيل مبتغاها في تحاصص مؤسسات الدولة وجني المغانم ونهب المال العام...

 ظاهرى أخرى من مظاهر الفساد الذي يجتاح لبنان من أقصاه الى أقصاه تزامنت مع آليات إجراء المسح العقاري الجاري تنفيذه بناءً لقرار الوزارة المختصة بهذا الشأن والذي يتركز حالياً في قرى ومدن الجنوب التي كانت رهينة الإحتلال الإسرائيلي على مدى نصف قرن من الزمن.. فإذا بها وللأسف الشديد تجري في ظل مواكبة تامة من قبل مرجعيات الفساد وبحمى المتنفذين المتسترين خلف صلاحيات المجالس البلدية وأختام المخاتير وتوفر المناخات السياسية المؤاتية ما أتاح المجال واسعاً أمام هؤلاء في ارتكاب المخالفات وشتى أشكال التزوير والتعديات المرشحة للإستمرار والتفاعل نحو الأسوأ، ولا نبالغ إذا ما قلنا أنها قد بلغت درجة خطيرة جداً لم يشهد اللبنانيون مثيلاً لها حتى في ما مضى من حقبات مشؤومة من تاريخ لبنان كان يرزح خلالها تحت نير الإنتداب والإحتلال وعهود المتصرفية وحكم الباشوات ونفوذ المرابين والإقطاعيات...

 فلا غرابة إذا ما قارنا فعل التعدي بين سلطة إنتدابٍ غازٍ أو محتلٍ غاشم يسعى للتوسع والإستغلال والإستعباد عبر إحتلال الأرض وتهجير سكانها، وبين مافيات الأمر الواقع التي سادت بفعل الهيمنة والفجور والبلطجة فسعت من خلال ذلك الى تثبيت نفوذها وتعزيز مواردها وثرواتها على قاعدة المال والسلطة واستناداً لمنهجية متقنة للغاية اكتسبت معها الخبرة الفائقة في أساليب الإحتيال وكيفية مصادرة مساحات "المشاع" والتعديات على الممتلكات العامة.

 ثمة ملفات هي في صلب القضية المثارة أصبح من الضرورة القصوى مقاربتها وكشف المستور منها سيما أنها تجاوزت كل الحدود والأعراف ولامست خطورة حقيقية على مصير آلاف الكيلومترات من الأراضي "المشاع" التي تتم مصادرتها على نطاق واسع ويجري تحويل ملكيتها لأفراد نافذين وجهات سياسية معروفة من خلال الآلية المتكاملة عدةً وعدداً من المهندسين المسّاحين إلى البلديات إنتهاءً بوثائق العلم والخبر القائم على مبدأ وضع اليد الذي يشرع الملكية الخاصة إستناداً لأختام المخايتر وبعض الشهود. ليكتمل مع تلك التعديات مسلسل الفضائح في الملفات العقارية بدئاً من تشريع إستملاكات الشواطئ البحرية لصالح الشركات العقارية الخاصة والمتمولين الملحقين في لوائح الزبائنية السياسية الى التعديات الموثقة على مجاري الأنهر من قبل حيتان المرامل الى التراخيص المعطاة - بمخالفة للقوانين- لأصحاب المقالع والكسارات التي يرتكب مشغلوها أبشع أشكال الجرائم بحق الطبيعة والبيئة تدميراً للجبال وفتكاً بالثروة الحرشية الى استباحة المناطق الأثرية ونهب محتوياتها ....

 تساؤلات مشروعة هي برسم من يعنيهم الأمر كما هي في انتظار الأجوبة الصريحة والمسؤولة... نخص بها بالدرجة الأولى من رفع شعار قدسية الأرض وبذل لأجل تحريرها الغالي والنفيس وعليه تصبح الوعود الصادقة رهن الإمتحان في صدقيتها.

ألا يكفي من آلاف الملفات التي تغص بها مكاتب الدوائر العقارية حول الإعتراضات و الطعون وتزوير الملكيات وتغيير المساحات.

فكم من التقارير الموثقة التي عُرِضت عبر وسائل الاعلام ، وكم من المقالات التحذيرية التي نُشرت في سياق الملف العقاري ، وكم من المواقف الرسمية المعلنة وهي تؤكد حصول التعديات بالوثائق، وكم من الطعون والاعتراضات والدعاوى لدى دوائر السجلات العقارية ، وكم من القرى والمدن عوقبت بوقف عمليات المسح فيها نتيجة التزوير ، وكم من المساحات "المشاع" قد حُذفت عن الخرائط العقارية!

 تساؤلات رهن الإجابة تبقى برسم أهل الحكم ومن خلفهم من قضاة ومهندسي المساحة حتى آخر سمسار يصول ويجول دون حسيب أو رقيب.