الثلاثاء، نيسان/أبريل 23، 2024

كلمة عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق مروان الراعي في ذكرى أسبوع على وفاة المناضل المرحوم زياد مشورب

  ادارة الموقع
أخبار الحزب
الرفاق والأصدقاء الأعزاء، عائلة الفقيد المناضل المرحوم زياد مشورب،

أتقدّم منكم بإسمي وبإسم رفاقي الأمين عام والمكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، بأحرّ التعازي برحيل المناضل العزيز زياد مشورب، وأنقل لكم حالة الحزن والتضامن والمواساة التي عبّر عنها آلاف الشيوعيين واليساريين الذين عرفوا زياد ونضالاته وتضحياته الكبيرة.

لقد كان زياد إبن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي نفذت آلاف العمليات ضد الاحتلال الصهيوني في بيروت والجبل والإقليم والبقاع الغربي وشرق صيدا، وعلى امتداد أرض هذا الجنوب، هنا في بلدات النبطية وفي وديان وتلال صور وبنت جبيل ومرجعيون والعرقوب وصولاً إلى أعالي جبل الشيخ. وفي تاريخ هذه الجبهة بطولات وصولات وجولات، كانت لزياد حصته فيها. كيف لا وهو الذي انخرط منذ صغره في صفوفها، مشاركاً في العديد من عملياته ومهماته التدريبية والاستطلاعية وكذلك التنفيذية فأعتقل في انصار الى جانب والده المناضل التاريخي الكبير ابو زياد  و خرجا معا ليكملو النضال هكذا كان نهجهم و اصرارهم على المقاومة.

يعرف المقاومون بيننا مساهماته ومشاركاته، وإن كان زياد، كما كل المقاومين، لا يتبجحّون ولا يجاهرون بكل ما يعلمون.

لقد رحل زياد تزامناً مع حلول عيد المقاومة والتحرير الذي كان هو ورفاقه في جمول من صانعيه الأساسيين، مهما حاول البعض تزوير التاريخ. فمسار التحرير الذي أثمر في 25 أيّار 2000 كان قد بدأ زرعه الفعلي في 16 أيلول 1982، عندما وقع الأمين العام الأسبق لحزبنا الشهيد جورج حاوي، إلى جانب الرفيق محسن إبراهيم، بيان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، التي أمطرت العدو بالعمليات النوعية في بيروت اوّلاً، فكانت أوّلاً بيروت. من صيدلية بسترس إلى محطة أيوب وكورنيش المزرعة، وقبلها الويمبي وعين المريسة ومار الياس وبربور، وكل زاوية وشارع حيث وجد الاحتلال، تلاحقت الضربات فخرج العدو من بعدها صارخاً "يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار نحن منسحبون".

لا، لن نتنازل عن تاريخنا وتضحياتنا وإرثنا. لن نتنازل عن الدم والعرق والتعب الذي قدّمه الآلاف على طريق التحرير. إن تحرير لبنان من رجس الاحتلال الذي تكلّل بانسحابه من الشريط الحدودي في العام 2000 أتى بمساهمة نوعية طويلة على مدى عقود، كان فيها للشيوعيين واليساريين والتقدميين والوطنيين دورهم الوضّاء والفاعل على امتداد جغرافيا الوطن. من كل الوطن أتى المقاومون ولكلّ الوطن. من عكار والشمال وبتغرين والجبل، من بعلبك وعرسال والبقاع الأوسط ولبايا ومشغرة والقرعون وكامد اللوز، من بيروت وبرجا والإقليم وصيدا، من إبل السقي ومرجعيون والهبارية وحاصبيا، وصولاً إلى جرجوع وكفررمان والنبطية وأنصار وزوطر وعيترون وصريفا والزرارية وكل بلدة في صور والزهراني والنبطية وبنت جبيل.

لقد كرست مقاومة "جمول" التي انتمى إليها فقيدنا الرحل زياد مشورب الوحدة الوطنية بين اللبنانيين معمدةً بالدم والنضال، ولذلك انتصرت، ولذلك أثمر النضال تحريراً بعد عقود.

لكنّنا، ونحن نودّع أبطال المقاومة والحزب، الذين يرحلون يوماً بعد يوم، تبقى في قلبنا كما كانت في قلوبهم غصّة كبيرة. فالسؤال الذي يطرح بإلحاح أمامنا وأمام هؤلاء: هل من أجل أن تحكم الوطن عصابة من الفاسدين والتقسيميين رحل رفاقنا وشهداؤنا؟ هل حررنا الأرض كي نبني نظاماً مذهبياً عاجزاً بنيوياً عن تحقيق أي تقدّم أو تطوير أو تغيير في لبنان.

لقد أنجزت مهمة تحرير لبنان من الاحتلال على نحو شبه كامل، لكنّ لبنان اليوم مصادر ومسيطر عليه من نظام ومنظومة مهيمنة ومستغلّة ومستبدّة، دمّرت هيكل الدولة وبنيانها، وعطّلت عمل مؤسساتها، ومارست سياسات اقتصادية قامت على الديون وعلى الفوائد الجائرة التي استفاد منها سياسيون ومصرفيون ورأسماليون معروفون، حتى انهار الهيكل بكلّ ثقله على رؤوسنا جميعاً.

تكافلت كلّ قوى السلطة التي حكمت لبنان منذ العام 1990 حتى اليوم في إدارة هذا النظام، وها هي تحاول اليوم أن تجدّد شبابه وتعيد إنعاشه على الأسس التي أدت إلى انهياره نفسها! تسويات فوقية ومراهنات إقليمية ومعالجة لمشاكل الناس الاقتصادية عبر صناديق الإعاشة والحلول الترقيعية، فيما الناس قد خسروا في آن معاً: أجورهم التي فقدت قيمتها بالانهيار النقدي، وودائعهم التي صادرتها المصارف والطغمة الحاكمة، وشبكات التغطية الصحية التي انهارت كل صناديقها، وتقاعدهم الذي بات لا يسمن ولا يغني من جوع.

نعم، لقد خسر اللبنانيون كل مواردهم على كلّ الجبهات، دون أن يكون هناك محاسبة لأي مرتكب أو معالجة لأية أزمة! فهل الانهيار هو جريمة من دون مجرمين، أم أن المجرمون معروفون ومحميّون ومتحالفون للإفلات من العقاب؟ ليست الأزمات قدراً، بل هي نتاج من فعل الحكّام والمقرّرين والفاعلين في سياسات البلد، فهل من يحاسبهم؟

لقد انعكست تلك الأزمات الاقتصادية هجرةً، لا بل تهجيراً واسعاً للبنانيين إلى كل أصقاع الأرض، ومنهم كان الفقيد الراحل. هجرةٌ مؤلمة تفرق العائلات وتمزّقها، وتبعد أبناء الوطن عن الوطن، وتُفقد لبنان شبابه وشاباته وكادراته المهنية والأكاديمية والعمالية، فيغرق بالمزيد من التقهقر والتراجع.

إنّ وعدنا لزياد ولكل المقاومين الوطنيين، ولكل المناضلين الراحلين، ولكل الشيوعيين واليساريين والتقدميين والوطنيين، ولكل أبناء وطننا، أنّنا سنكمل هذا الطريق الذي خطّوه، وسنكون على الوعد وعلى التحدّي. سنناضل من أجل استكمال التحرير بالتغيير، ومن أجل بناء بديل وطني للتغيير، ومن أجل حلم بناء الدولة الوطنية العلمانية التي تؤمن العدالة والحقوق لكل مواطنيها، كي لا تذهب تضحيات المقاومين سدى في جيوب وحسابات الفاسدين والناهبين.

الرحمة لفقيدنا زياد مشورب ولكل الراحلين.