الثلاثاء، آذار/مارس 19، 2024

ورشة حوارية مشتركة بين الحزبين الشيوعيين الصيني واللبناني

أخبار الحزب
افتتحت الورشة الحوارية الثنائية بلقاء ثنائي مغلق بين الأمين العام للحزب الشيوع اللبناني حنا غريب ونائب وزير دائرة العلاقات الخارجية "تشو روي"، ثم استهلت الندوة على مدى يومين بمشاركة حوالي 35 رفيقاً من المكتب السياسي واللجنة المركزية ومكاتب القطاعات المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني (الشباب، العمال، التربية، الهندسة، الصحة، الاعلام)، إلى جانب مسؤولي دائرة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني برئاسة نائب المدير العام لدائرة غرب آسيا وشمال أفريقيا "يو وي".

تضمنت الندوة ورش عمل تفاعلية حول التثقيف الحزبي وإعداد الكادر والوضع السياسي في الصين وفي لبنان وتاريخ الحزبين بالإضافة إلى عمل الحزبين في أوساط العمل الجماهيري، حيث تحدث في هذه الندوات عن الحزب الشيوعي اللبناني كل من أعضاء المكتب السياسي غسان ديبة وحسن خليل وعمر الديب وفادي النبوت. وكانت للأمين العام للحزب حنا غريب كلمة في الافتتاح قال فيها:

"اسمحوا لنا أن نتوجّه بأصدق تحياتنا – باسم الحزب الشيوعي اللبناني - الى الرئيس شي جين بينغ والى قيادة الحزب الشيوعي الصيني وكوادره وعموم الشعب الصيني بمناسبة انعقاد ورشة الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي اللبناني. واسمحوا لنا ايضا في افتتاح اعمال الورشة الحوارية ان نعرب عن عميق تقديرنا للجهود التي قام بها الرفاق في قيادة لجنة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني من اجل تنظيم هذه الورشة الحوارية مع الرفاق في قيادة حزبنا.

ايها الرفاق الأعزاء،

 كم نشعر نحن اليوم بالحاجة الى الحوار في ما بيننا ، كشيوعيين ويساريين . حوار من شأنه ان يساهم في التوصّل الى قراءة جامعة - وإن متنوّعة - للنظرية والممارسة الماركسيتين في عالم متغيّر، في زمن تعاني بلداننا العربية من التبعية الاقتصادية والاجتماعية والتجزئة والاستبداد والافقار ومحاولات تجديد السيطرة الامبريالية والصهيونية عبر ترسيخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين ونشر القواعد العسكرية وإفتعال الحروب الأهلية والتوظيف في الأنظمة العربية الرجعية والقوى الأصولية. وتزداد الحاجة لهذا الحوار بالنسبة لحزبنا ولشعبنا، في زمن يعيش فيه اللبنانيون حربا مستمرة من اجل البقاء على قيد الحياة  في ظل الانهيار الشامل، نتيجة تبعية نظامه الراسمالي وطائفيته وفساد منظومته السياسية والمالية التي ارتكبت اكبر عملية نهب في التاريخ المعاصر. لقد تجمعّت كل المشاكل دفعة واحدة (الكورونا، الإقفال العام ، الانهيار الشامل ، التدخلات الأميركية والتهديدات الاسرائيلية) فازداد الفقر والبطالة والهجرة وغياب الضمانات الصحية والاجتماعية من دون أن تتولى السلطة توفير أيّ بدائل للفئات الفقيرة. اننا نعلّق أهمية كبرى على ما سينتج عن ورشتنا الحوارية من خلاصات نسعى الى الافادة منها عشية التحضير للمؤتمر الثاني عشر لحزبنا المقرر انعقاده أواخر هذا العام.

نحن نعلّق قدرا كبيرا من الآمال على تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والرئيس شين بينجينغ؟ وأن هذه الآمال لا ترتبط فقط باستمرار تمسّكنا بمعتقداتنا الماركسية وبمنهج التحليل المادي للتاريخ، ولا هي ترتبط فقط بمشاعر الحنين العميق الذي لا يزال يشدّنا الى عصر الثورات الاشتراكية والتقدمية التي تعاقبت على امتداد القرن العشرين. بل إن تلك الآمال تنبع - إضافة الى ذلك، وربّما قبل ذلك – من القناعة العميقة بأن النظام الرأسمالي الليبرالي الذي لا ينفكّ يصطدم بأزمات ترتدي الطابع الوجودي (أزمة عام 2008 التي تذكّرنا بأزمة عام 1929 الكيرى، وأزمة وباء الكورونا)، بات يثير حالة من الشكّ المطلق وعدم اليقين بالنسبة الى مستقبل تطوّر الدول والشعوب والبشرية جمعاء. وهذه القناعة تتعزّز بقوّة أكبر كلّما قارنّا ما تمخّض عنه المساران المتباينان اللذان حكما تطوّر العالم، خصوصا في العقود الثلاثة المنصرمة ، أي المسار الرأسمالي الليبرالي المعولم من جهة، والمسار الاشتراكي الصيني من جهة ثانية .

إن الحركة الشيوعية واليسارية العربية مطالبة – بالتعاون مع سائر القوى الديمقراطية في العالم بتجميع طاقاتها وقدراتها وتطوير أحزابها وبرامجها وأساليب عملها، كي تتمكّن بدورها من ملاقاة هذه التجربة الصينية الرائدة والتفاعل البنّاء مع مندرجاتها، والمساهمة الفعّالة في أممية اشتراكية من نوع جديد.  

ففي منطقتنا العربية تتزايد المؤشرات حول تراجع الدور الأميركي في المنطقة. الولايات المتحدة انسحبت من افغانستان  وهي في طور الانسحاب العسكري من العراق، وربما من سوريا. ومن الأهمية بمكان أن نتبادل التقييم والمعطيات بصورة مشتركة حول حصول أو عدم حصول هذا التراجع، وحول الأشكال التي يرتديها في الحقول المختلفة، السياسية منها والاقتصادية والاعلامية والثقافية والعسكرية. وفي حال الإقرار بوجود تراجع، فهل يكون هذا الأخير ناجما في الأساس:  عن تعزيز الاتجاه نحو عالم متعدّد الأقطاب، أو عن فشل السياسات الأميركية في المنطقة، أو عن التعديلات التي طرأت على أولويات السياسة الخارجية الأميركية المتّجهة أكثر فأكثر نحو الشرق والصين تحديدا وهو ما نرجّحه.

هذا ويواجه العالم العربي أزمات على غير صعيد سياسي وأمني واقتصادي. وهذه الأزمات ليست فقط وليدة الضغوطات والتآمر الخارجي فقط، بل هي أيضا وبالأساس وليدة سياسات الأنظمة العربية والقوى الطبقية والسياسية التي تتحكم في خيارات تلك الأنظمة التي فشلت فشلا ذريعا – وإن متفاوتا من بلد الى آخر - في إنجاز مهمات التحرّر الوطني والتنمية الاقتصادية والتقدّم الاجتماعي.

ان العناوين الأساسية التي تطبع الوضع العربي راهنا تعكس وجود ظاهرات بالغة الخطورة: انقسامات سياسية حادة بين الدول العربية وداخل كلّ منها، وحروب داخلية وأهلية تنذر بتفتيت وتقسيم الكيانات القائمة حيث تبرز مخاطر التفتيت على أشدّها في دول وازنة مثل العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن. وتغلب السمات الريعية على معظم اقتصادات دول المنطقة بدءا من دول الخليج، ويترافق ذلك خصوصا في الدول الكثيفة السكان والقليلة الموارد مع:عجوزات مالية قياسية وانتشار واسع للبطالة والفقر  والاقصاء وعدم المساواة  والافتقاد الصارخ الى الحدّ الأدنى من شبكات الحماية الاجتماعية، لا سيما أنظمة التأمينات العامة.

نحن نعتقد ان هذا الواقع المتردي يعود بالدرجة الأولى وفشل حركة التحرّر الوطني العربية بقياداتها القومية والبورجوازية الصغيرة بتحقيق الشعارات التي رفعتها للوصول الى السلطة . فهي  عجزت - بالرغم من كلّ ما كانت تملكه من موارد طبيعية وديموغرافية ومالية وبشرية – عن استرجاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مثلما عجزت ايضا عن بناء الدولة الوطنية العصرية وكسر قيود التبعية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتمحورة حول الذات. كل ذلك يستوجب من  اليسار ومن الحركة الشيوعية في المنطقة ان تتحمل مسؤولياتها التاريخية في التصدي الفاعل والقيام بتحقيق هذه المهمة.

ترى كيف يتم ملء الفراغ في المنطقة على هذه المستويات كافة؟ في زمن التحولات العميقة الجارية وتشتّت دول المنطقة ما بين ظاهرة الدول المسمّاة – في الأدبيات الدولية التي يجري ترويجها بصورة غير بريئة – "دولا رخوة" وظاهرة "الدول الاقليمية الكبرى" (مثل ايران، تركيا، السعودية، مصر..)، ما من بديل من وجهة نظرنا سوى العمل على استنهاض القوى اليسارية والشيوعية والديمقراطية والعلمانية، كلّ في بلده، وصولا الى إعادة إحياء حركة التحرّر العربية بقيادة طبقية تكون أكثر تعبيرا عن مصالح أوسع القوى الاجتماعية، انه المشروع - الضمانة الذي يجسّد عمليا مشروع الحزام والطريق في منطقتنا. نحن نقول ان المشروع الاميركي في المنطقة يجب ان يواجه بمشروع نقيض له من حيث الطبيعة . فاذا كان المشروع الاميركي هو تقسيم المنطقة طائفيا ومذهبيا فمواجهته تكون بمشروع بناء دول علمانية وديمقراطية في كل بلد عربي  وضمان حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واسترجاع كامل حقوقه المشروعة. فهل يرى الحزب الشيوعي الصيني مع اشتداد الهجمة على الصين وفي ظل تعدد وتشابك المشاريع الاقليمية ان في احياء مشروع احياء حركة التحرر الوطني العربية ضمانة وقوة اكبر لنجاح مشروع الحزام والطريق؟.

إننا ندرك أن هذه المهمة شائكة ومعقّدة وتتطلب الكثير من الجهود والتضحيات في المدى المتوسط والطويل. ونحن نشعر خصوصا بحاجة لبنان والدول العربية للاستفادة من تنفيذ مشروع طريق الحرير كي نتمكّن من بناء الاقتصاد المنتج ومن بناء منظومة علاقات اقتصادية خارجية أكثر توازنا تساعدنا على تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وامتلاك التكنولوجيا وتطويعها في خدمة عملية التراكم الداخلي وكسر أحادية السيطرة الأميركية والغربية.

في الختام نأمل لورشة الحوار بما تضمنته من عناوين للندوات في التثقيف والسياسة والعمل الجماهيري ان تضيء على هذه المسائل المطروحة، وكلنا ثقة ان هذه الورشة قد جاءت تعبيرا راسخا عن ارادة مشتركة لدى قيادة الحزب الشيوعي الصيني وقيادة الحزب الشيوعي اللبناني بتعزيز وتوسيع علاقاتنا المشتركة في المجالات كافة."