الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

عن جهاد...

  صفحة الحزب الشيوعي اللبناني- منظمة صيدا
أخبار الحزب
وإن تتلفظ بكلمة "جهاد" لا يمكنك إلا أن تتذكر ذلك القائد النبيل جهاد الحجيري كيف لا وقد ترافق والجهاد عنوانًا وممارسة طوال حياته. يصعب علينا رفيق جهاد اليوم أن نوفيك حقك ببضعة أسطر وكلمات فحياتك، ومسيرتك تستحق بحق الكثير ليكتب عنها وتدون في سجلات الخالدين.


بعد اجتياح 1978، وبعد وصول جيش الاحتلال الى جنوبي الليطاني، استدعانا القائد الشهيد جورج حاوي إلى لقاء ضيق أنا ومجموعة من الرفاق، كلفنا فيه بإعداد وتشكيل خلايا للعمل خلف خطوط العدو، وقع الخيار على جهاد ليكون مسؤولًا أساسيًا في القوة الميدانية التي عملت على تدريب وتأهيل الرفاق من نخبة المقاتلين في القوة العسكرية المركزية. أقيم لهم يومها مركز مستقل بعيد عن خط العمل اللوجيستي اليومي للقوى العسكرية، الموقع الذي أصبح يعرف لاحقًا باسم موقع "الحجيري". استطاعت هذه المجموعة التي أشرف عليها جهاد أن تعمل في عمق العدو، بمهارة ميدانية غير مسبوقة.
كما كان قد أشرف الرفيق جهاد قبل اجتياح 1982، على تدريب وتأهيل كوادر وقوات الكتيبة المركزية للحركة الوطنية في العزية في صور. كما مساهماته في تأهيل والعمل مع القوة التي كانت تنتشر ميدانيًّا في قلعة الشقيف أرنون، وسهل الحمرا. التي سقط لنا فيها ثلاثة شهداء، فكان جهاد الحجيري بمثابة حارس الشقيف التي صمدت بوجه الاحتلال في 1982 .
أذكر يوم طلب منا الحزب تعزيز منطقة البقاع ببعض الكوادر الميدانية، لتأهيل وتدريب الرفاق نتيجة بعض النقص الحاصل في منطقة البقاع الغربي ووقع الخيار على جهاد، وأذكر يوم جلست معه لأبلغه بالقرار –رغم عدم قناعتي- إلا أننا كنا ننفذ هذه القرارات، تردد جهاد كثيرًا، كيف لا؟ وهو الذي ترك بلدته عرسال شاباً يافعًا، لأول مرة نحو الجنوب وذاب في عشقه وبقي وعاش فيه، كيف لا؟ وهو الذي حفظ الجنوب صخرة صخرة، ولكنه بالنهاية نفذ القرار، فلم يكن من عادته أن يرفض أي أمر أو أي عملية أو مهمة. ذهب الى البقاع وأسهم في تطوير العمل المقاوم في البقاع الغربي وتدريب الكوادر الميدانية هنالك قبل أن يعود إلى الجنوب ليستكمل مهامه النضالية في صفوف المقاومة. استكمل عمله مع الرفيق القائد حسن اسماعيل بتأهيل وتجهيز المجموعة القتالية التي خاضت المعارك في محور جزين-كفرفالوس واستطاعت بعملية نوعية بأسر عميل من جيش لحد.
كان الرفيق جهاد يتمتع ببعد أمني غير مسبوق حيث كان قادرًا على استباق أي خرق وتهيئة معالجته بأسرع وقت، وكذلك قدرته على كتمان الأسرار والعمل بالخفاء، مما أكسبه ثقة كبيرة من قبل الحزب. مما خوله لاحقًا أن يكون حامل أسرار العلاقات بين المقاومة الفلسطينية وأن يكون مشرفا ومساهمًا كبيرًا على تجهيز القوات المشتركة. وكذلك تمتع بثقة الفصائل التي عملت معنا تحت إطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية مثل التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديمقراطي الشعبي وغيرهم وكان جهاد المشرف على هذه العلاقة.
جهاد لم يكن قائدً وحسب، كان أبًا وأمًّا وأخًا لكل الرفاق المقاومين، لا أستطيع التذكر بأنه تأفف يومًا، أو أن أحدًا من المقاومين كان ينقصه أي شيئ حول جهاد، لم يحتاجوا حتى أن يغسلوا ثيابهم. رغم وجهه العسكري الصريح الصارم، الذي تظنه بأنه كان لا يضحك، كان وجهه الآخر بشوشًا ومرحًا وحنونًا. أذكر بأننا كنا عندما نشرح المهام والعمليات للرفاق المقاومين نستمع نفس الطلب من المقاومين بأن يكون جهاد هو المشرف والمدرب. لم يعصى أمرٌ على جهاد فمن التجهيز والتدريب والقتال ودور الأب والأم لكل المقاتلين والاهتمام في حالتهم الاجتماعية والشخصية، كان نموذجًا عن القائد المثال.
وبمناسبة هذا اليوم الذي يلتقي بذكرى رحيل جهاد تحية الى الأم التي أنجبت جهاد، وعائلته، وإلى العائلة الأكبر التي نما وترعرع فيها هناك في دير سريان خلف خطوط العدو، وتحية الى رفيقة دربه هيام، وإلى العزيزة مريم التي أحبها واحتضنها مثلما أحب واحتضن كل أبنائه المقاومين. ألف تحية إلى جهاد وإلى ذكرى كل الشهداء.