الخميس، آذار/مارس 28، 2024

موسم الدّموع

  حسين مروة
فلسطين

لا أقول: دموع التماسيح.. فإنَّ دموعَها من نبع ذاتِها، لا تقصدُ بها مكراً ولا خداعاً.. لا تريد بها بكاءً ولا تباكياً، ولكنْ هي في معنى وجودها..
أما الذين رأيتُهم أول أمس يبكون فلسطين، حين أطلّتْ ذكرى الخامس عشر من أيار، وهم لا يُحسّون هذه الذكرى إلاّ موسماً من مواسم الدّموع.. أما هؤلاء، فمِنْ أين تنبعُ دموعهم؟
أهيَ من ذواتهم تنبع، وفي دخائل ذواتهم شيءٌ غير البكاء، وغير الذي يكابِدُها أبناءُ هذه المحنة؟


إنَّ لفلسطينَ قضية.. وإنَّ لهذه القضيةِ قصة، وللقصةِ "أبطالٌ" يعرفهم أولئك الباكون بسيماهم، ويُعرفون بأعيانهم، كما يعرفون أنفسَهم وأكثر..!
لقد بكى العربُ فلسطينَ المُضاعة، يوم كان البكاءُ وحدُهُ سلاحَ العرب.. ثم انجلى الأمر، وطلعت الشمسُ على "أبطال" القصة واحداً واحداً، فإذا نحن وإيّاهم على موعدٍ منتظَر، وإذا هناك معركةٌ بيننا وبينهم متراميةُ الأطراف، متعدّدةُ الجهات، سلاحُها العزمُ المصمَّمُ على كسب الحرية والاستقلال لجميع أوطان العرب، وهي لن تنتهيَ بهذا الظَفَر الحاسم، حتى تشتبكَ أيدينا جميعاً، وتحتبكَ صفوفُنا سدّاً كبيراً هائلاً يقف دونه أولئك " الأبطال" على رؤوسهم خاسئين...
ويومذاك ستنجلي المعركةُ عن "أبطالَ جُدَد"، أبطالَ حقيقيين محرّرين، عرفوا المحنةَ - محنةَ فلسطين - بكاءً، ولا سفحوا الدّمعَ من أعينهم رياءً، بل سفحوا الدّمَ والعرقَ جهاداً ونضالاً، ثابتيْن في قلب المعركة حتى نهاية المعركة، حتى النصر الأكبر.
إنّ لفلسطينَ قضية، ورأسُ قضيتها الاستعمارُ العالمي بالذات.. وإنّ لفلسطينَ قصة، وأبطال" قصتها عمالقةُ الاحتكار العالمي في بلدان "العمالقة " المستعمرين...
فمن كان يُحسُّ الكارثةَ حقاً مغتصَباً، وأرضاً مسلوبة، وحريةً منهوبة، ومليوناً من البشر مشرّدين في الأرض ولا أرضَ لهم، فليعطني يده تشتبك بيَدي، ثم لتشتبكْ يدانا معاً، من هنا وهنا، بهذه الزنود الملايين في الساحة الكبرى، نكافحُ عدوَّنا جميعاً، عدوَّ فلسطين، وعدوَّ التحرر العربي كلِّه، صفّاً واحداً في معركةٍ واحدة... وإلاّ فليدخلْ "موسم الدموع" في زحمةِ الباكين المرائين.. فهناك مكانُهُ، والله لا يحب الماكرين...!!
* مقالة للشهيد حسين مروة، نُشرتْ في جريدة "الأخبار" ـ زاوية "من لحم ودم "
بتاريخ 17 أيار 1959، (بعد أحد عشر عاماً من نكبة فلسطين، العام 1948).