فلسطينيون في الخليج.. احتلال في الغُربة
الشابة الفلسطينية ليلى (اسم مستعار) أكّدت أنّ وجودها خارج بلدها وإقامتها في الإمارات أجبراها على السكوت وعدم التعبير صراحةً عن رأيها في هرولة العرب لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، خوفًا على حياتها ومستقبلها، فهي تطمح بعملٍ وحياة، حتى لو مؤقتًا داخل الإمارات.
تقول ليلى (23 عامًا)، لـ بوابة الهدف: "حزينةٌ لهذا السقوط العربي وتهافت الحكومات للسلام مع (إسرائيل) وكأنهم كانوا في حروبٍ معها سابقًا. هذا الحزن ينبع من كوني أؤمن بالقومية والوحدة العربية. لكنّني لم أستغرب توقيع هذه الاتفاقيات، التي كانت متوقعة، فما يحدث سرًا لابدّ أن يخرج للعلن يومًا ما".
"حرية التعبير عن الرأي في الإمارات تكاد تكون معدومة، بالذات في القضايا التي للحكومة يدٌ فيها" كما أوضحت ليلى، وزادت "لم أرَ من الشعب الإماراتي حملة ضد اتفاق التطبيع أو مع حقوق الفلسطينيين مثلما حصل في البحرين !".
رغم ذلك، تؤكد الشابة العشرينيّة أن هذا لا يعني اتفاق الشعب الإماراتي مع حكومته، لكنه مغلوبٌ على أمره مثل الكثير من الشعوب العربية الأخرى.
"أعرف وأسمع من كثيرين هنا، رافضين لهذه المسخرة التي تحدث على السوشال ميديا، من أغانٍ باللهجة الإماراتية واللغة العبرية، وترحيبٍ وتبجيل بالإسرائيليين، واحتفالٍ بالقرار. صدقًا، على أرض الواقع لم أرَ هذا الترحيب أبدًا، ما يُدلّل أننا أمام ذباب الكتروني غير حقيقيّ، ولا يمثل الشعب الإماراتي"، تضيف ليلى.
وتعتبر الشابة الفلسطينية المقيمة في الإمارات أن سنة 2020 كانت قاسية جدًا بكل ما حملته من أحداث على كل الشعوب والدول، خاصة العربية، مُضيفة "شعرت بأن هذه نكبة جديدة حين نرى علم الاحتلال الملطخ بدمائنا يرفرف في الدول العربية الشقيقة مع إنكار لحقنا في مقاومته".
وتؤكد أنها تفكر بخطة بديلة على المدى البعيد؛ الإقامة في بلد سوى الإمارات، لكنّ هذه المرة "لن تكون دولة عربية".
أمّا صائب (اسم مستعار)، يعيش في سلطنة عُمان، المنفتحة على التطبيع، قال لـ بوابة الهدف: إن فكرة عدم وجود مكان للفلسطينيين في الخليج أصبحت مطروحة بشكل أكبر، وسط تحضيره- رفقة عدد من المحيطين به- لمغادرة البلد.
يقول صائب (35 عامًا): أعيش رفقة عائلتي في عُمان، في ظل وضع اقتصادي غير مستقر ووسط تكاليف معيشية مرتفعة، غير قادرٍ عن التعبير عن رأيي. كل هذا يذكّرني بالاحتلال الذي طردني من وطني وضيّق عليّ العيش في غزة.
يستذكر صائب حين كان في غزة "لطالما راودني القلق من شحّ الفرص وسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية في ظل الحصار، لكنّني الآن أعيش شعورًا مختلفًا وبشكل أسوأ، مع عدم القدرة حتى على انتقاد الوضع العام، ولا التطبيع".
سلطنة عمان كانت قد رحّبت بمبادرة البحرين للتطبيع مع كيان الاحتلال، في إطار ما وصفته بحقها السيادي، والإعلان الثلاثي المشترك بشأن العلاقات مع "تل أبيب". معبرة عن أملها بأن يكون هذا "رافدًا لتحقيق السلام".
ويُحظَر في السّلطَنة الحديثُ عن السياسة وانتقاد قرارات الحكومة العُمانية في مختلف المجالات، للمواطن والمقيم على حد سواء، وحال إعلان التطبيع بشكل رسمي سيُمنع انتقاد هذا أيضًا. قال صائب "المواطن العُماني قد يتعرض للسجن والقمع إذا عارض سياسات الدولة، أمّا المقيم سيتعرض لأكثر من هذا، ثم يتم ترحيله وطرده من البلاد".
ويرى صائب أنّ قرارات التطبيع العربي مع "إسرائيل" ليست خطأ الدول المُطبعة وحدها، إنما "هذا ما جنته أيدينا؛ نستغيث بالعرب للدفاع عن قضيّتنا، ونحن أضعناها بالمفاوضات واتفاق أوسلو!". معربًا عن أمله بأن "يدفعنا ذلك إلى العمل لتصحيح الأخطاء، والبداية من جديد مع تصويب البوصلة للطريق الصحيح".
لم يختلف وضع أحمد (اسم مستعار)، الذي يسكن السعودية، كثيرًا عن سابقيْه، فهو مجبرٌ على الصمت أيضًا، رغم صدور بعض التصريحات الرسمية الرافضة للتطبيع والداعمة للقضية الفلسطينية.
"الظروف لم تختلف علينا، نحن (الفلسطينيون) نعاني في السعودية منذ مدة، وليس منذ التطبيع الإماراتي البحريني، أو التقارب السعودي الإسرائيلي الذي بات جليًا في السنوات الأخيرة"، يُضيف أحمد لـ بوابة الهدف.
ويُشير إلى أن أوضاع الوافدين بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص تزداد سوءًا سنة بعد الأخرى، والتكاليف ترتفع سواء المعيشية أو رسوم الإقامات ورُخَص العمل وغيرها.
ويوضح "كل هذا يحدث ونحن نعيش في دولة تقول إنها تدعم القضية الفلسطينية بكل ما لديها، كيف سيكون وضعنا إذا أقدمت المملكة على التطبيع؟".
وفي وقت سابق، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقريرٍ لها، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حث الإمارات والبحرين على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وكان يضع الأساس المنطقي لاتفاقٍ من شأنه أن يقلب السياسات الإقليمية تجاه خصم طويل الأمد.
وأوضحت الصحيفة أنه بجانب الامتيازات السياسية التي سيحصل عليها ابن سلمان من واشنطن إلا أن هناك دافعًا آخر يحركه، وهو تشكيل غطاء للسعودية في حال توقيعها اتفاقًا تطبيعيًا من خلال عقد حلفائه من الخليج اتفاقات سلام مع “إسرائيل” سابقًا.
هذه الأوضاع يؤكدها الكاتب والإعلامي الإماراتي، عضو الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع، أحمد الشيبة النعيمي، الذي أكد لـ بوابة الهدف، أن سقف الحرية يختلف من مكان إلى آخر، إذ أن هامشها في الإمارات "يصل إلى نسبة الصفر ودرجة التجمد، لا يوجد أي حرية".
ويضيف النعيمي أن "سقف الحرية في الإمارات ينزل إلى الأقدام، والناس تحاول الزحف لكن السقف المنخفض يمنعها، الوضع في الإمارات سيء إلى أبعد الحدود، أمّا الكويت مثلًا هناك مساحة عالية جدًا من الحرية وبإمكانك التعبير عما في وجدانك، في حين أن البحرين هي الوسط، حيث تستطيع التعبير عن رأيك بمحدودية معينة".
ويُشير إلى أن هذا التفاوت "يعتمد على مستوى ومنسوب الاستبدادية الموجود في الدولة، والإمارات والسعودية تعتبر من أعلى مناسيب الاستبداد في المنطقة وهما تمارسان أشد أنواع القمع، إذ أن تغريدة واحدة تودي بأي شخص في المعتقل لعشرات السنوات وتغرمه الملايين".
ويحذر من مصير خطير لعموم الشعوب العربية، وبالذات الشعب الفلسطيني، قائلًا "إذا استمر مُضي قطار التطبيع فهو سيدوس على كل من له حق، لأن مسألة التطبيع قائمة على أن يكون المجرم في أفضل حالته، وكل مظلوم وصاحب حق سوف يٌداس عليه حتى لا يرفع كلمته أو يتكلم".
ويشدد على أن الشعوب أمام تحدٍ، إما أن "تنهض نهضة واحدة أمام هذا السيل الجارف، أو سوف يكون مصيرها سيء جدًا، وأتوقع أن دول التطبيع قد تغري الفلسطينيين بمسألة التوطين، وهذا يعني انتهاء قضية اللاجئين وحق العودة".
كما يحذر النعيمي "نحن أمام معركة كبيرة حول الوعي، وتغييبه من أدوات الحكومة وكأنها تنشر نوعًا من المخدرات في عقول الناس حول قضاياها الرئيسية وانتمائها للأمة العربية، هذه الحكومات تريد أن تخدر وعي الشعوب وتذهب به بعيدًا عن بوصلته الرئيسية وانتمائه لإنتاج مسوخ من البشر لا نعرفهم ولا يعرفوننا ولا ينتمون لقضايانا".
ويقول "هذه المعركة تحتاج أن نستخدم كل وسائل الإعلام والتوجيه والتوعية وكل ما يمكن أن نبدعه ونبتكره على مواقع التواصل، ويجب على كل أصحاب الوعي أن يقوموا بدورهم، وهم الذين يحظون باحترام الشعوب أكثر من حكام وزعماء الدول المُطبعة".
تم استخدام أسماء مستعارة خشية تعرض ضيوف التقرير للملاحقة من قبل سلطات البلدان التي يقيمون فيها.
*خاص بوابة الهدف
*صحافي ومُدوّن من فلسطين - مُقيم في غزّة