مقابلة مع مانيو بينيدا، عضو في البرلمان الأوروبي، مسؤول العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي الإسباني
لقد نبهّت خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته عقب لقاءك بالأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني من خطورة ما حملته زيارة ماكرون الى لبنان. هل لك أن توضّح هذا الامر أكثر؟
أعتقد أنّ زيارة ماكرون تحمل بعدين أساسيين. البعد الاوّل هو بعد داخلي مرتبط بحسابات ماكرون الشخصية بعد سلسلة من الإخفاقات الداخلية التي ميزّت فترة حكمه، وهو بالتالي يحتاج لان يحقّق للفرنسيين انجازاً ما لكي يظهر بمظهر المؤثر في المسرح السياسي. هذه الاعتبارات تقودنا الى القول إن حلم ماكرون هو أن يصبح " نابليون صغير " لانّ أمثاله لا يزالوا مقتنعين بفكرة الهيمنة والسيطرة وهؤلاء لم يقتنعوا بعد أن فرنسا لم تعد قوةّ استعمارية كما كانت عليه سابقاً. والبعد الأخر يتمثّل في حقيقة أن فرنسا لا تقوم بهذه المهمة السياسية لنفسها في الداخل اللبناني، بل هي تمثّل مصالح القوى الدولية المتقاطعة حول لبنان كالاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية والدولة الإسرائيلية والخ. لهذه القوى الدولية مصالح في عدم تحوّل الحراك الجماهيري الواسع الذي شهده لبنان بعد ١٧ تشرين الاوّل، الى ما تصبو اليه لناحية تعزيز الديمقراطية والقطع ما نظام الفساد والى ما هناك من مطالب. وما تعمل عليه القوى الدولية هو في عملية ترميم هذا النظام أي استبدال وجوه بوجوه أخرى من دون احداث تغيير جذري في بنية النظام. حتى أن بعض القوى تستغلً هذه التحركات لإضعاف عوامل مؤثرة أخرى كالمقاومة. انّ دوافع تدخل القوى الغربية يكمن أيضاً في الثروة الغازية المحتمل وجودها وما يحكى الآن عن أنابيب يجري تركيبها الا أن هذه الامور برأيي ثانوية. صحيح أنّ لبنان بلد صغير ولا يوجد فيه العديد من الموارد الطبيعية، الاّ أن لهذا البلد دور جيو-سياسي مهمّ ولذلك هو دوماً محط أنظار القوى الدولية بهدف السيطرة عليه.
برأيك، كيف لمكن للمطالب السياسية والاقتصادية التي رفعها المنتفضون أن تتحقّق؟
في بادئ الامر، من المهمّ جداً ألا تتحوّل هذه المظاهرات الى ما تريده قوى السلطة منها وبالتالي حرفها عن مسارها. برأيي، يجري اقناع اللبنانيين وخاصةً بعد انفجار المرفأ أنّ الحلّ الوحيد الممكن والمنقذ الاوّل هو سعد الحريري أو من يمثلّه في النظام. لذلك، من المفيد جداً برأيي أن يتم تقديم للمواطنين مشروعاً يستطيعون التمسّك به وأعتقد هذا ما تعمل عليه حالياً القوى والمنظمات التقدميّة. ينبغي على هذه القوى مثلاً أن تقدّم برنامجاً من عشر نقاط قابلة للتحقيق وهذا ما سيدفع عامة الشعب بالاقتناع بالمشروع الذي تحمله الحركات الاجتماعية العديدة. على ما يبدو، فإنّ الامور راهناً تبدو وكأنها لا زالت متأثرة بتداعيات الانفجار وما خلفّه وهذا ما يعيق رؤيتنا للعديد من الامور الأخرى. هذا البلد يرزح تحت عبئ دين عام كبير صنعه النظام السياسي الفاسد ورموزه الفاسدة أيضاً والشعب اللبناني مضطرّ لان يواجه النتائج السلبية لهذا الدين. لقد طرح في الآونة الأخيرة من قبل قوى السلطة وبعض القوى الدولية الأخرى أنّ الحلّ هو بالذهاب الى صندوق النقد الدوليّ، وهذا ما سيزيد برأيي من فاتورة الدين بسبب خدمة الدين العالية، وسيكون له انعكاسات خطيرة على أكثر من صعيد. كلنا يعرف أنه عندما تقوم الدولة بالاستدانة من صندوق النقد الدولي، فهناك رزمة شروط قاسية تتعلّق بخفض التقديمات الاجتماعية وهذا ما سيجعل معاناة اللبنانيين أكثر خطورةً. ولكن عندما تمتلك مشروعاً بديلاً، فإنّ المواطنين مضطرين لان يناصروا أو يرفضوا هذا المشروع، وبالتالي يحدث فرزاً شعبياً هو مطلوب الان. إذا كنت جاهزاً وتمتلك هذا المشروع، عندها تحوز على ثقة الناس لأنك ستكون صوتها. ولكن في الوقت نفسه، من الممكن لبعض المصالح الشخصية والانانية أن تطغى على مسار العمل المشترك لإنضاج هذا المشروع، وعندها يصبح أي ائتلاف معرّض للفشل في المقام الاوّل.
يواصل الجيش الإسرائيلي مصادرة الأراضي واعتقال الشعب الفلسطيني وبناء المستوطنات وهو سيشرع قريباً بضمّ الضفة الغربية. هل تعتبر هذا الامر جزءاً من صفقة القرن؟ وما هو موقفك تجاه هذه الخطة؟
دعني أوّضح هذا الامر بشكل معكوس. في الأساس، لا يمكن إطلاق صفة " الصفقة " على هذا المقترح لانّ الصفقة عادةً تتمّ بين طرفين فيما وفي هذه الحالة هناك طرف واحد مقرّر. تاريخياً، حكومات الشمال الاميركي كانت دوماً منحازة للنظام الصهيوني. هذه القوى ولأنها تمتلك حقّ النقض " الفيتو " في مجلس الامن الدولي، منعت أي تسوية للقضية الفلسطينية على شكل يخالف رغبات تلّ أبيب. لذلك، فإنّ من يسكن البيض الأبيض هو دوماً مناصراً للموقف الإسرائيلي وهذا ليس بجديد أبداً. ولكن ما هو جديد اليوم أنّ (رئيس الولايات المتحدّة الاميركية) يكاد يكون الأكثر عنفاً وعنجهيةً وعنصرية من أقرانه السابقين وهو يحمل مواقف سياسية راديكالية أكثر من تلك التي يحملها نتيناهو. والان وفي معرض حديثنا عن صفقة القرن، فإنّ كل من نتيناهو أو بني غانتس وبمعزل عمن سيصبح رئيساً للحكومة، فإنّ مجرد الحديث عن هذا الامر يعدّ نجاحاً علماً أن نتيناهو يواجه تهم قضائية تتعلق بملفات فساد عديدة. ويجب علينا التنبّه أنه هناك عمليات ضمّ متواصلة للضفة الغربية تجري ومن دون الإفصاح عنها بكل رسميّ. ولكن ما هو جديد في هذا الإطار الدور العلني المعيب الذي تلعبه بعض الدول الموناركية في المنطقة. أعني بشكل أساسي خطوة تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتي أقدمت عليها دولة الإمارات ويحكى أن دولاً أخرى ستنضمّ اليها أيضاً كالبحرين وسلطنة عمان. ان هذا الامر يجب ادانته ونحن نعوّل على شعوب هذه الدول أن ترفض هكذا أفعال.
برأيك ما هي العناصر الأساسية لأي تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ كيف يمكن أن يضمن الفلسطينيون حقوقهم؟
دعني أقول لك الحقيقة. لا أعتقد أنه بالإمكان اليوم الوصول الى تسوية عادلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأشدّد هنا على عبارة " عادلة ". انّ الوصول الى هكذا تسوية لا يمكن أن تحدث إذا ما تغيرّ دور المجتمع الدولي تغيراً راديكالياً. يستحضرني في هذا المجال هذا المثل. انّ عامل لدى شركة " الماكدونلادر " الكبيرة لا يستطيع لوحده مناقشة ظروف عمله ضمن هذه المؤسسة لانّ الشركة تعتبر احدى أكبر سلسلة المطاعم الموجودة في العالم. وإذا نقلنا هذا التشبيه الى واقع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإنّ غياب المساواة في الاحجام التي تفاوض هي المشكلة بعينها. لا يمكننا التحدّث عن مفاوضات على أسس غير متوازنة. عندما تمتلك الدولة الإسرائيلية الترسانة العسكرية الأقوى في المنطقة وليها دعم دولي غير محدود من قبل القوى الدولية المؤثرة امّا بشكل مباشر كذلك الدعم الذي تقدمّه الولايات المتحدة الاميركية أو ذلك الدعم المستتر الذي يقدمّه الاتحاد الاوروبي. لذلك، فأنّ الطريقة الوحيدة لفرض أي مسار تفاوضي عادل يتمثّل بإحداث تغيير جذري في دور ووظيفة المجتمع الدولي والذي بالمناسبة عليه أن يفرض عقوبات على إسرائيل وبالتالي عزلها عن العالم. وإذا كنت تسألني عن رأيي حول هذا الموضوع، فإنّ قيام دولة علمانية وديمقراطية واحدة مشتركة على امتداد أرض فلسطين التاريخية، تضمن جميع الحقوق للقاطنين فيها، هو الحل الوحيد الممكن على أن تضمن هذه الدولة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين اليها. في الوقت الراهن، أعتقد أنّه الحلّ الوحيد الممكن إنجازه في ضوء الظروف المحيطة.
أمككنا القول إنه وخلال انتشار وباء كورونا في العالم بأسره، غلبّت الولايات المتحدّة الأمريكية وسائر الدول الرأسمالية الأرباح على الأرواح حتى أن بعض قادة الدول الغربية طالب علناً بتطبيق " مناعة القطيع ". هل تعتقد أنّ أميركا والغرب عموماً فشل في التعامل مع هذا الوباء؟
معيار الفشل هنا يتحدّد في كيفية مقاربة الامر. إذا كنّا سنقارب الامر من زاوية وضع الصحّة في سلّم أولويات السياسية العالمية، فأنّه حكماً فشلت. والمثال الأكبر لهدا الفشل هو المقاربة التي اعتمدها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عندما طالب تطبيق مبدأ " مناعة القطيع " الى اللحظة التي أصيب فيها بالوباء، وهذا الامر أثّر على مصداقيه كرئيس والجدال الان يتركّز فيما إذا كان سيستمرّ في منصبه. ولكن لدينا أمثلة ناجحة أخرى في الاتجاه المعاكس وخاصة الدول التي تتحكّم باقتصادها بشكل فعّال والمثال الساطع طبعاً هو أداء كوبا والصين. أمّا الدول التي غلبّت الاقتصاد على الصحة والسياسة، فرأينا بأمّ العين تطبيق ما سمي ب " مناعة القطيع" والتي لم يكتب لها النجاح. في حالة الولايات المتحدّة الاميركية، فأنّ ربع الإصابات العالمية يتركّز فيها وهي تتصدّد القائمة في الدول التي أصيب شعبها بالكورونا. وفي حالة البرازيل، والتي بالمناسبة فإنّ حكومتها، متحالف مع إدارة ترامب، والمثال الثالث الذي يمكن ايراده هو الهند بوصفها أيضاً ضمن هذا التحالف. لذلك أمكننا القول والتوكيد بأن هذه السياسات لم تلق نجاحاً على الاطلاق.
في الوقت الحالي، تشنّ الولايات المتحدّة الاميركية حرباً تجارية ضدّ الصين، تمنعها من حيازة وتطوير تقنية الجيل الخامس، وتتهمها بنشر وباء الكورونا. كيف تعلّق على هذا الامر؟ وما هو مستقبل العلاقات الاميركية- الصينية؟
ثمة آراء تقول بأنّ بات لدينا امبرياليات عديدة، وبشكل محدّد أكثر هناك امبريالية أميركية وأخرى صينية. نحن لا نشاطر هذا الموقف. نعتقد أنّ هناك امبريالية واحدة تهيمن على العالم وهي تمتلك قواعد عسكرية في أماكن عديدة من العالم، وهي تحاول السيطرة على اقتصادات الدول، وتقوم بمعاقبة كل مجموعة أو دولة لا تذعن لقراراتها. الصين تمتلك نموذجاً آخر، هي الطريقة الصينية، أو ما يعرف بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وتقوم الصين بتطوير سياسات تجعلها بمقام القوّة الاقتصادية الاولى في العالم وفي الوقت عينه فأنّ النظام الاقتصادي المعمول به داخلياً استطاع أن ينتشل عدد كبير جداً من المواطنين من رقعة الفقر. الدلائل والامثلة الحسّية تشير الى أنّ الصين تربح هذه المعركة وهي تكسب اهتماماً وتأثيراً دولياً كبيراً. وهي بذلك تتمايز عن الولايات المتحدة في أنها لا توسّع هذا النفوذ بواسطة القصف أو ارسال الجنود والأليات العسكرية الى دول المنطقة، بل يمارسون هذا الدور من خلال إيجاد قواسم مشتركة مع الدول بهدف إقامة تفاهمات معينّة. انّ موضوع التكنولوجيا، كما أسلفت في سؤالك، يندرج ضمن إطار هذه المعركة أيضاً. هناك عناصر أخرى أيضاً تدخل في عداد هذا المعركة، كالمحاولات لقطع طريق الحرير الجديد التي تطمح الى تنفيذه الصين بالتعاون مع دول عديدة. اليوم تقف دول أوروبية عديدة كالبرتغال وإيطاليا واليونان وحتّى ألمانيا وصلت الى تفاهمات مع الصين بشأن مبادرة " الحزام والطريق “، ولكنها تتعرض لضغوطات بسبب اقدامها على التعاون مع الدولة الصينية. هذا الواقع يشبه عندما يمارس تلميذ مدرسي تنمّراً شديداً على بقية التلامذة، فيقوم تلامذة أخرون وخوفاً من أن يتعرضوا أيضاً للتنمر بمساعدة " المتنمر الأساسي". لذلك على الحكومات أن تدرك أن بات لزاما عليها تغيير أداؤها. على سبيل المثال، وعندما تواجه الحكومات الاوروبية ضغوطاً من قبل الإدارة الاميركية (سبق لإسبانيا أن عانت من رفع الولايات المتحدة التعرفة على السلع التي تصنعها وتصدرها الى أميركا)، عليها أن تقف لتواجه هذا السلوك بدلاً من السير باتجاهات مختلفة. إنّ مسار المجابهة سيخلق نظاماً دولياً مختلفاً قائم على تعدّد الأقطاب، ومرتكز على الديمقراطية واحترام القانون الدولي، وحقوق الانسان. وفي حال لم تستطع الحكومات فعل ذلك، ينبغي على شعوب هذه الدول ممارسة الضغط الشعبي للسير بهذا الاتجاه. نحن لا نتحدث البتّة عن تحقيق الاشتراكية في الوقت الحالي. كلّ ما نطمح اليه آلان تحقيق السلام وإرساء حقوق الانسان، وربمّا هذا الامر بخد ذاته هو مطلب ثوري.
عانت إيطاليا بشكل مزمن من تداعيات وباء كورونا. كان من المفترض أن يساعد هذا البلد دول الاتحاد الاوروبي ولكن رأينا أنّ كوبا والصين مدّت يدّ العون اليها. كيف تقارب هذا الامر؟ ما هي نقاط الخلاف الأساسية اليوم بين دول الاتحاد الاوروبي؟
دعني بدايةً أن أوضح لك أنّ الاتحاد الاوروبي ليس منظمة دولية تمثّل شعوب الدول المنضوية فيه. هو ليس اتحاداً شعبياً بمعنى أدقّ. انّ حزبنا على سبيل المثال عارض الاتحاد الاوروبي لأنه يعتقد أنّ هذا الاتحاد يمثّل مصالح الرأسماليين وبالتالي هو مساحة لكي تمضي الرأسمالية قدماً في سياساتها. الاتحاد الاوروبي ما هو الاّ إطار يرسم وينفّذ مصالح الرأسماليون وليس مصالح الشعب. خلال الازمة الاقتصادية العالمية عام ٢٠٠٨، عارض الاتحاد الاوروبي وبشدّة سلسلة من الاجراءات التقشفية التي طبقت في عدد من دول الجنوب الاوروبي. هذه الاجراءات كان لديها نتائج سلبية جداً على الطبقة العاملة وبالاخصّ تلمسنا نتائجها السيئة في اليونان والتي تحوّلت الى مختبر لتمرير هذه السياسات. هذه السياسات كانت قد وضعت من قبل المستشارة الاميركية أنجيلا ميركل، ولكنها الان وتحت وطأة وباء كورونا، تطرح سياسات مغايرة. ليس بالضرورة أن تكون هذه السياسات نقيضة تماماً لما طرحته في السابق، ولكن هناك فرقاً واضحاً. الان تطرح إجراءات من شأنها أن توفر حلول سريعة للوباء. هذا ليس كافٍ بطبيعة الحال ولكن يجري تحشيد الموارد العامة على الاقلّ. ثمة دول أخرى على ما يبدو لعبت هذا الدور وهي ليست محصورة بألمانيا. هناك هولندا والنمسا والدنمارك والسويد وفنلندا. تلك الدول لم ترغب في مساعدة الدول الأكثر تضرراً. قامت ميركل بالدفع بالاتجاه المعاكس ولم يتأتّى ذلك عن خوفها على مصالح الشعب ولكن اليوم دور ومستقبل الاتحاد الاوروبي بات مطروحاً على بساط البحث. وبموازاة هذا الامر، رأينا كيف تغيرّت نظرة العديد من القادة الاوروبيين. في ذروة الازمة، الصين دعمتنا أكثر من حلفائنا المفترضين. لقد أرسلت كوبا أيضاً أطباءها للتطوّع. ربما ساعدها حجمها الصغير بوصفها جزيرة لمساعدة الدول الأخرى. لكوبا مكانة كبيرة في قلوب الشعوب الاوروبية حيث شعرت كوبا بتعاطف كبير مع آلام الشعوب الاوروبية. ولكن هذه الانطباعات سرعان ما تغيرّت وتحولت وجهتها صوب الصين، حيث بدأت الحملات الشعبوية ضدّ الصين متهمة إياها بالبروباغندا والاستفادة من هذا الامر خدمة لأجندتها السياسية. انّ حالة التضامن والتعاون بين دول الاتحاد الاوروبي تبيّن انه فشل في إيجاد الأطر المناسبة له. علينا بتذكير أنفسنا أيضاً بحقيقة أنّ الولايات المتحدّة الأمريكية هي الحليف الاول لنا خارج إطار الاتحاد الاوروبي، ولكن لم يفكّر أحد بطلب المساعدة منهم لأننا نعرف أنها لن تقدّم عذا العون ولا اعتقد أن أحداً يتوهم بإمكانية مساعدة الولايات المتحدّة لنا أو لأي دولة أخرى. لذلك طلبت الدول الاوروبية المساعدة من الصين وكوبا فيما رأينا كيف أن الدول المنضوية في " الناتو " كانت ترسل القذائف والجيوش الى أوروبا، وقدمّت أداءً مخزياً فيما خصّ سرقة الموارد من طريق بعض الدول. على سبيل المثال لا الحصر، فأنّ الطرف الاميركي حاول سرقة اللقاح الذي طورته ألمانيا، أو قيام الأخيرة بتخزين الأقنعة الواقية والتي كانت من المفترض أن تصل الى اسبانيا وإيطاليا. ونحن نشاهد هذه الامور، كانت دول مثل كوبا والصين ترسل لنا ما نحتاجه من مستلزمات طبية ودعم تقني. لذلك طالبنا الاتحاد الاوروبي بأخذ العبر اللازمة جرّاء ما حدث وتطوير وتقوية سياسات التحالف في المرحلة التي ننتهي منها من مواجهة الكورونا.
تشهد الدول الاوروبية مؤخراً نمو لظاهرة اليمين الشعبوي المتطرف (النازيون الجدد، الفاشيون الجدد، ومجموعات معادية للأجانب والمغتربين). في أي إطار تضع هذه التيّارات؟ وما هو حدود تأثير هذه التيارات على الواقع السياسي الاوروبي؟
عندما يوجد أنظمة تدعّي الديمقراطية ولمنها لا تقدّم حلولاً ناجعة لشعوبها، فإنّ هذا ما حدث. نحن نعيش في عالم مليء بالعاطلين عن العمل. حتى أولئك الذين يعملون، فانهم ليسوا بمقدورهم تأمين أبسط مقومات الحياة البسيطة. هناك مشاكل هائلة تتعلق بعدم الاستقرار وانعدام الأفاق المستقبلية. وفي هذه الحالة، هناك الكثير من القوى التي تحاول تشتيت الانتباه، دعنا نقول عن ذلك، عن هذه المشاكل، ومن يقع اللوم حقًا على هذه المشاكل والإشارة إلى الآخرين. على سبيل المثال المهاجرين، حيث يجري تقديمهم ليس كأخوة هم أيضًا في وضع الاستغلال وحتى أسوأ منا، ولكن كعدو، مثل أولئك الذين يأتون لسرقة وظائفنا. نعتقد أن أفضل حلّ ضد اليمين المتطرف هو العدالة الاجتماعية، بمعنى أنه بقدر ما تستطيع الحكومات ضمان حقوق ورفاهية الطبقة العاملة، فإن هذه الآراء والمواقف العنصرية لن تجد لها طريقاً. أما حول الشقّ الثاني من سؤالك، في الواقع، فإن أغلب هذه المجموعات لديها تأثير ونفوذ أكثر بكثير من نجاحاتها الانتخابية، وهذا بسبب أنّ عدد كبير من القوى والمجموعات والتي ليس بالضرورة أن تنتمي الى اليمين المتشدّد، تتبنى طروحات هذه القوى. يمكنني أن أعطي العديد من الأمثلة على التصويت على قضايا مهمة في البرلمان الأوروبي. على سبيل المثال، الاشتراكيون الديمقراطيون أو حتى الخضر أحيانًا، يصوتون جنبًا إلى جنب مع المحافظين أو حتى اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي. لذلك حتى لو لم يكن لديهم أغلبية، فإنهم يحصلون على موقع هيمنة داخل الاتحاد الأوروبي، لأن مجموعات أخرى تتماهى معهم في الرؤية السياسية.