الثلاثاء، تشرين(۲)/نوفمبر 19، 2024

“قانون شرق المتوسط” في الكونغرس: الطاقة والأمن… والتصدي لروسيا

عربي دولي
    عضوا مجلس الشيوخ الأميركي ماركو روبيو وروبرت ميننديز، اسمان أشهر من نار على علم، على امتداد القارة الأميركية اللاتينية، من كوبا إلى فنزويلا وصولاً إلى الأرجنتين وتشيلي. باسمهما إقترنت القوانين والقرارات العدائية التي قُدّمت إلى مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين لفرض العقوبات وتطويع وترهيب دول القارة الجنوبية، وتأمين استمرارية السطوة الأميركية السياسية والاقتصادية عليها، في مواجهة حكومات اليسار وحلفائها التي تحاول منذ عقود تحقيق السيادة الوطنية لدولها بعيداً عن الاستغلال والنهب الأميركي الشمالي... قُل إسميهما في هافانا، لتسمع صيحات الاستيعاذ والاستهجان ضد صقور الإدارة الأميركية الذين يستمرّون في حقدهم وعقابهم وإفقارهم لكوبا.

الآن جاء دور شرق المتوسط ليدخل على أجندة السيناتورين اللذين يتحدران من أصول لاتينية. روبيو الكوبي الأصل، عن الحزب الجمهوري، وميننديز، الكوبي الأصل أيضاً عن الحزب الديمقراطي، تشاركا العام الماضي في صياغة مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ ومجلس النواب تحت عنوان “قانون الشراكة في الأمن والطاقة في شرق المتوسط للعام 2019”.
وإذا كان همُّ الرجلين الشاغل في القارة الأميركية هو تقويض الأنظمة المناوئة وإبقاء الأمور تحت السيطرة، فما يعنيهما في منقطتنا، كما غالبية الكونغرس، هي مسائل الطاقة والأمن ومكافحة الدور الروسي، وقد بدا ذلك جلياً في القانون المذكور.
جاء في حيثيات القانون أن الكونغرس يرى أن أمن حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في شرق المتوسط يشكّل معياراً حاسماً لأمن أوروبا والولايات المتحدة. تم تبرير ذلك بالقول إنّ اليونان هي عضو في حلف شمال الأطلسي (“الناتو”)، وإن “إسرائيل” حليف ثابت، لا بل أهم الحلفاء من خارج حلف “الناتو”، وشريك استراتيجي رئيسي، في حين أن قبرص تحولت إلى شريك مهم لأميركا بعدما وقعت معها اتفاقية تعاون أمني ثنائي في العام 2018.
وفي هذا الإطار تنظّم اليونان وقبرص و"إسرائيل" محادثات وقمماً ثلاثية لتعزيز تعاونها حول الطاقة والأمن. وتتفق الدول الثلاث مع الولايات المتحدة على معارضة أي تحرك في منطقة شرق المتوسط من شأنه أن يخالف القانون الدولي، كما يقولون، فيما تعمل الدول الأربعة معاً على مواجهة كل “التأثيرات الخارجية الخبيثة” في شرق المتوسط، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بحسب الأميركيين.
ويرد في حيثيات القانون أن اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي أمام الشواطئ المصرية والقبرصية وأمكنة أخرى في شرق المتوسط سوف يعزّز من الأهميّة الاستراتيجية للمنطقة، ويلفت إلى أنّ نيّة تركيا شراء منظومات “أس 400” الروسية سيؤدي إلى فرض عقوبات عليها، لذلك من مصلحة الولايات المتحدة الأمنية والوطنية أن تعمل على تعزيز التعاون الأمني وفي مجال الطاقة بين هؤلاء الحلفاء.
ويشير القانون إلى أن الغاز الطبيعي المكتشف في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى مكتسبات اقتصادية جيدة لدول المنطقة، كما لأوروبا، وسيساعد في تنويع مصادر الطاقة الأوروبية بعيداً عن اعتمادها الكبير على روسيا.
ومن هذه الناحية، يمكن لخطوط أنابيب الغاز من شرق المتوسط أن تؤمن بديلاً لدول القارة الأوروبية.
وتؤكد الولايات المتحدة في هذا الإطار على أهمية برامج التعاون الصناعي والعلمي المشتركة مع “إسرائيل”، وتسعى لتأمين الأموال لاستمرارها، كما ترحب بقرار الحكومة اليونانية زيادة ميزانيتها العسكرية لتبلغ 2% من الناتج المحلي تلبيةً للمعايير التي أقرّتها قمة “الناتو” في ويلز في العام 2014.
ويشير القانون حرفياً إلى وجوب حماية عمليات التنقيب عن النفط في شرق المتوسط من مخاطر المجموعات الإرهابية والمتطرفة بما فيها “حزب الله” بحسب زعمها، وكل المجموعات الأخرى.
ويبرز في حيثيات القانون الاهتمام الأميركي الكبير بقبرص، إذ يؤكد أن استكشاف الطاقة في المنطقة القبرصية الخاصّة يعزّز المصالح الأميركية عبر تأمين بدائل لحلفاء أميركا عن الغاز الروسي، ويشدد على أن عمليات الاستكشاف تلك لا يجب أن تتعرّض للإعاقة من قبل أية دولة أخرى، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى تركيا التي تحاول أن تتنازع السيادة على المياه الإقليمية القبرصية، وتطالب بحصّة لها في هذا الجزء من المتوسط، بما يضعها في حالة مواجهة مع الرغبة الأميركية في تسريع عملية استكشاف الغاز القبرصي من دون معوقات.
وفي هذا السياق، يقول مشروع القانون إنّ الولايات المتّحدة ساعدت قبرص في صياغة استراتيجية الأمن القومي التي وضعتها أخيراً، كما يقول إن الولايات المتحدة تؤمّن التدريب اللازم للمسؤولين القبارصة في مجالات مكافحة الإرهاب والتخلص من المتفجرات وإدارة مخازن الأسلحة وفي الأمن السيبراني، حيث تلعب قبرص دوراً هاماً في مجال مكافحة تهريب الأسلحة في المنطقة، كما تساهم الجزيرة من خلال الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب والتطرف العنفي.
ويلتقط القانون اللحظة التاريخية المتمثّلة في قيادة اليمين في الجزيرة القبرصية، والذي عاد إلى السلطة منذ بضعة أعوام، بعد فترة تولّى فيها حزب العمال القبرصي “أكيل” – وهو الامتداد التاريخي للحزب الشيوعي القبرصي – رئاسة الجمهورية والغالبية النيابية.
كما تستفيد الولايات المتحدة من مجاراة الحكومات اليونانية بقيادة حزب “سيريزا” الاشتراكي الديمقراطي لمصالحها، ومن ثمّ عودة اليمين أيضاً إلى حكم اليونان، وانغماسه بالكامل في مشاريع الولايات المتحدة في منطقة المتوسط.
كذلك، يستفيد المشرعون الأميركيون من احتدام الصراع التركي مع قبرص واليونان، لضمان الولاء التام من قبل هاتين الدولتين في مقابل بعض القيود والعقوبات على تركيا.
وفي محاولة لاستمالة قبرص بالكامل نحو الاستراتيجية الأميركية لشرق المتوسط، يقول القانون إنه على الرغم من التعاون المضطرد مع أميركا اقتصادياً وأمنياً، ما زالت الجزيرة تخضع لقرار أميركي بمنع بيع المعدات العسكرية لها منذ العام 1987.
وفي الوقت عينه تتواجد في شمال الجزيرة قوات تركية يقارب عددها 40 ألف جندي مع أسلحة أميركية، وهذا ما دفع قبرص إلى البحث عن مصادر أخرى للتسلح من دول أخرى، من بينها دول تشكل تحدياً للولايات المتحدة في العالم، وعلى رأسها روسيا، لذلك فإنه يتضمّن رفعاً لحظر بيع الأسلحة الأميركية إليها.
ويشير القانون في مواده الإجرائية إلى أنّ الولايات المتحدة ستستكمل سياسات التعاون مع هذه الدول، وستعمل على دعم بناء أنابيب الغاز عبر البحر الأدرياتيكي إلى أوروبا لتقويض الأحادية الروسية، وستعزز وجودها في قاعدة “سودا” العسكرية في اليونان، وترفع الحظر عن تصدير السلاح إلى قبرص، وتعزز برامج التدريب والتعاون مع قبرص واليونان، بجانب دعم جهود التنسيق الأمني والمخابراتي والبحري والسيبراني بين قبرص واليونان و"إسرائيل" للحد من النفوذ والتدخل الروسي في شرق المتوسط.
وكذلك ستعمل على دعم القطاع المصرفي القبرصي لمكافحة عمليات تبييض الأموال، وستطلب من دول المنطقة أن ترفض تقديم الخدمات للسفن الروسية التي تشارك في دعم النظام السوري، ومكافحة التدخل الروسي في المنطقة، وحثّ دول المنطقة على رفض العتاد العسكري الروسي واستبداله بالتجهيزات التي تؤمنها دول “الناتو” وحلفائه.
بعد كل هذه الحيثيات التي أكّدت على السياسات الأميركية في هذه البقعة من العالم، تضمن القانون مواداً كثيرة يمكن تلخيص أهمّ مضامينها بما يلي:
1. التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط:
يمكن لوزير الخارجية ووزير الطاقة الأميركيين أن ينظّما حواراً واتفاقات وتخطيط بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وقبرص واليونان. ويقدم الوزيران المذكوران تقارير سنوية للجان المعنية في الكونغرس حول تطوّر التعاون، مع الخطوات التي تمّ اتخاذها لتنفيذ الاتفاقيات وحول المشاريع ذات الصلة. كما يقومان بتأسيس مركز للطاقة في شرق المتوسط داخل الولايات المتحدة لتعزيز المعرفة والخبرات والتعاون بين القطاع العام والخاص ومؤسسات التعليم العالي في مجال الطاقة والتكنولوجيا والهندسة والمياه وفي تحليل التطورات الجيوسياسية والمخاطر المحتملة التي قد تشكّلها شركات الطاقة الأجنبية التي تستثمر في هذه المشاريع.
2. رفع قرار منع نقل وبيع السلاح إلى جمهورية قبرص:
 
يقول القانون إن بيع أو نقل السلاح بشكل مباشر إلى قبرص سيعزز أمن الولايات المتحدة القومي ومصالحها في أوروبا لتخفيف الاعتماد القبرصي  على مصادر سلاح من دول منافسة لأميركا، كما أن استمرار جهود الأمم المتحدة لحلّ القضية القبرصية، وانضمام قبرص إلى الشراكة مع “الناتو” تعزز مصالح الولايات المتحدة أيضاً. لذلك اقرّ الكونغرس تعديل المواد القانونية ذات الصلة التي تمنع تصدير السلاح إلى قبرص.
3. التعاون الإقليمي مع قبرص واليونان:
تخصيص مبلغ بقيمة مليوني دولار لكل من قبرص واليونان بهدف تدريب الكادر العسكري وتعزيز فهم سياسات الولايات المتحدة ودعم آليات التعاون المشترك.، وتقديم مساعدة عسكرية إضافية بقيمة ثلاثة ملايين دولار إلى اليونان بهدف مساعدتها على تنفيذ قرار “الناتو” القاضي بتخصيص 20% من الميزانية العسكرية للبحث والتطوير.
4. وقف بيع طائرات “أف 35” إلى تركيا:
يمنع القانون تخصيص أي رصيد لنقل أو تسهيل نقل أي طائرة “أف 35” إلى تركيا، ويمنع نقل حقوق الملكية الفكرية أو التقنية حولها أو أية قطع غيار لها. ويعطى استثناء من هذا القانون للرئيس الأميركي في حال أوقفت تركيا عملية شراء منظومات “أس 400”.
5. الموقف من شراء تركيا لصواريخ “أس 400”:
 
 إن قيام تركيا بشراء منظومات الصواريخ الروسية سيشكل خرقاً للقوانين السابقة منذ العام 2017 حول مواجهة النفوذ الروسي، ويهدد وحدة تحالف “الناتو”، ويؤثر سلباً على عمليات الولايات المتحدة في المنطقة، وسيترك تداعيات على التعاون الأميركي التركي، ويهدد سلامة المنظومات الدفاعية الأميركية العاملة في المنطقة، ولذلك يعطى الرئيس حق تطبيق عقوبات على أي فرد أو كيان بما يخص عدم تنفيذ قانون الحد من النفوذ الروسي.
6. استراتيجية الولايات المتحدة حول الطاقة في شرق المتوسط:
على وزراء الخارجية والطاقة والدفاع تقديم تقرير حول استراتيجية الأمن والطاقة في شرق المتوسط والتعاون مع “إسرائيل” وقبرص واليونان خلال 90 يوماً من إقرار القانون. يجب أن يشمل التقرير توصيفاً لدور الولايات المتحدى في منتدى الغاز في شرق المتوسط، وتقييماً لكيفية توصيل الغاز الطبيعي المكتشف إلى أوروبا، وتقييماً لجهود حماية استكشاف الطاقة في المنطقة، ولإمكانية قبرص استضافة مركز لأزمات الطاقة لتطوير الأبحاث حول المخاطر والأزمات ذات الصلة، وتصوراً حول موعد وصول الغاز والبلدان التي سيصلها.
7. حول الدور الروسي “الخبيث” في شرق المتوسط:
خلال 90 يوماً يقدم وزير الخارجية تقريراً إلى الكونغرس حول الدور الروسي الخبيث في كل من قبرص واليونان و"إسرائيل"، بدءاً من مطلع العام 2017. يجب أن يتضمن التقرير تقييماً للأهداف السياسية والأمنية ومشاريع الطاقة الروسية في شرق المتوسط، ولائحة بوسائل الإعلام المملوكة من قبل روسيا في هذه الدول مع تقدير لنسب المشاهدة لديها، وتقديراً لمدى تأثير روسيا على نتائج الانتخابات في هذه الدول من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات السيبرانية، وتقييماً لجهود روسيا في محاولة ثني بطرك الأرثوذكس برثلماوس عن منح الاستقلالية للكنيسة الأوكرانية.
8. تدخل الدول الأخرى في المنقطة الاقتصادية القبرصية والمجال الجوي اليوناني:
يقدم الوزراء المعنيون تقريراً إلى الكونغرس خلال 90 يوماً حول حوادث التدخل في المنطقة القبرصية الاقتصادية الخالصة للتأثير على عمليات استكشاف الطاقة، وحوادث انتهاك المجال الجوي اليوناني، ويجب أن يشمل التقرير لائحة بكل الخروقات منذ مطلع العام 2017، من قبل الدول الجارة لهما.
من الواضح أن ما يعني الولايات المتحدة من هذا القانون هو ضمان استثمار مشاريع الغاز القبرصي لتنويع مصادر أوروبا من الغاز بعيداً عن روسيا، بالإضافة إلى حضور الشركات الأميركية في مجالات الأبحاث والتنقيب، كما يهمّها أيضاً التعاون الأمني بين اليونان وقبرص مع “إسرائيل”، خاصة لجهة مكافحة تهريب السلاح عبر المتوسط.
وأخيراً تبقى النقطة الأبرز هي محاولة التضييق على الدور الروسي، ليس فقط في مجال حرية عمل وملاحة السفن الروسية وفي عمل شركات الطاقة الروسية، بل في مراقبة وملاحقة عمل وسائل الإعلام الروسية في دول المنطقة كي لا يكون لها وصول وتأثير في الرأي العام، وهذا بحد ذاته مؤشر بارز حول أهمية الحرب الإعلامية والمعلوماتية من وجهة نظر أصحاب القرار السياسي في الولايات المتحدة. وإذا كانت الصين الشعبية هي مصدر القلق الأميركي الأكبر سياسياً واقتصادياً حول العالم، فإنّ قلقها الرئيسي والمستقبلي في منطقة شرق المتوسط، هو تحديداً الدور الروسي في المجالات العسكرية والسياسية والإعلامية كما في مجال الطاقة وإمداداتها.