السبت، تشرين(۲)/نوفمبر 23، 2024

صفعة اليسار الموجعة في الأرجنتين

عربي دولي
تعيش الأرجنتين حالة من عدم الاستقرار بانتظار نتيجة الجولة الانتخابية الحاسمة في السّابع والعشرين من أكتوبر المقبل، في ظلّ سعيٍ حثيث للرئيس الحالي ماوريسيو ماكري للفوز بولاية ثانية بعد الهزيمة التي تلقاها في الجولة التمهيدية للرّئاسة التي جرت في الحادي عشر من الشهر الجاري.

الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تنذر بإفلاس ثاني أكبر دول أميركا اللاتينية، كانت السّبب الرئيسي في الانقلاب الذي أحدثه الرأي العام ضد رجل المال والأعمال الذي تبوّأ الرئاسة الأرجنتينية عام 2015 بعد وعود إصلاحية بالقضاء على التّضخم باعتباره "أبسط شيء، ووجوده (التضخم) يؤشّر على فشل من يحكمون" حسب تصريحات ماكري.

سقطت الأرجنتين في لعبة الصندوق الدولي حين حاولت تفادي انهيارها الاقتصادي فغرقت في القروض وكان آخرها قرض بقيمة 51 مليار يورو حصلت عليه عام 2018، مقابل رضوخها لشروط البنك التقشفيّة.

الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي عرفتها الأرجنتين تاريخيّاً كانت نتاج حلول ترقيعيّة لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة رفع الإنتاجية التي من شأنها فكّ تبعيتها للخارج ولشروط الليبرالية الجديدة، وتأرجحِ سياساتها الاقتصادية بين الليبرالية والحمائية البيرونية.

النتيجة باختصار، اهتزاز ثقة المستثمرين بسبب تراجع قيمة الـ بيزو أمام الدولار وفقدان ثقة المواطن بعملته ما دفعه، تجنّباً لخسارة قيمة مدّخراته، إلى تحويل أمواله إلى الدولار حتى لا تتكرر مأساة ملايين الناس ممّن قضت التعديلات المالية عام 2002 على قيمة مدخراتهم.. ما أدخل البلاد في حلقة مفرغة ولّدت ركوداً ومزيداً من التضخم عجز ماكري عن القضاء عليه ما اضطره للاعتراف بصعوبة ذلك.

التّضخم السنوي أدّى إلى ارتفاع في الأسعار وصلت نسبته إلى 50%، وقد تأثر القطاع الصناعي على نطاق واسع، ونتج عن ذلك تسريح العديد من الموظفين وبالتالي زيادة نسبة العاطلين عن العمل. الأمر الذي ينبئ بإفقار ثلث الأرجنتينيين وفقًا للإحصاءات المعترف بها في الجامعة الكاثوليكية الأرجنتينية(UCA( .

لم يُعِر ماكري انتباهاً لصوت الشارع النّاقم على سياساته المالية التي أرهقت كاهل المواطنين وزادت الفقراء فقراً، حيث شهدت البلاد خمسة إضرابات كان آخرها في شهر أيار(مايو) المنصرم أدّى إلى شلل البلاد. وحين أعلن مرشّح اليسار ألبرتو فرنانديز ترشحه للرئاسة، سخر منه مستندًا إلى دعم واشنطن والبرازيل وغيرها من الدول المعادية لليسار.

الانتخابات التّمهيديّة حسمت الجدال، وأظهرت على الأرض القوّة المتعاظمة لليسار، إذ حصد ألبرتو فرنانديز/ كريستينا كيرشنر 47.01 من أصوات الناخبين مقابل 32.77% لماكري.. ما شكّل ضربة موجعة استدعت استنفار الدول الداعمة للرئيس الحالي وإعلان التعبئة العامة لمواجهة عودة اليسار إلى الحكم، فقد شهد اليوم التالي للانتخابات التمهيديّة انتكاسة اقتصادية كبيرة، عقابًا للمواطنين على تصويتهم لليسار، وأسْموه بالاثنين الأسود، إذ دبّ الذّعر في نفوس المواطنين الذين أقبلوا على شراء وتخزين السّلع الغذائية وشراء الدولار الذي وصل إلى أعلى نسبة في الارتفاع مقابل الدولار (67 بيزو).

لتهدئة الشارع، عمدت الحكومة إلى اتخاذ تدابير احترازية تمثّلت بإقرار تخفيضات ضريبيّة ورفع الحد الأدنى للأجور وتجميد سعر البنزين وجملة من الإصلاحات لرفع القدرة الشّرائية لدى المواطنين. إصلاحات ماكري المتأخرة دفعت بصحيفة أرجنتينيّة يساريّة إلى دمج صورة المناضل التاريخي اليساري تشي غيفارا مع وجه ماكري للدلالة على استماتة الأخير لكسب الأصوات في الجولة المقبلة. (La Pagina 12(

 

من هو ألبرتو فرنانديز المرشح الأوفر حظًا لرئاسة الأرجنتين؟

دخل فرنانديز عالم السياسة أثناء دراسته للمحاماة، فبعد انضمامه إلى فرع الشّباب في الحزب الوطني الدستوري، انتسب إلى حزب العدالة (الحزب الذي ينتمي له الرئيس السّابق خوان دومينغو بيرون).


ترأس المحامي البارز ألبيرتو فرنانديز (60 عاماً) الحكومة الأرجنتينية في عهد نستور كيرشنر ثمّ في عهد زوجته كريستينا وهي أطول فترة شغلها رئيس حكومة في البلاد.
تفرّغ لتدريس القانون الجنائي منذ ثلاثة أعوام بعد أن ابتعد عام 2014 عن عالم السياسة، إلى أن اقنعته الرّئيسة السابقة كريستيا كيرشنر بالعودة والترشّح للرئاسة إلى جانبها، بصفتها مرشّحة لنيابة الرّئاسة.

في مدّة وجيزة، انقلب مصير الرّجل ليتصدّر اسمه الصّحف المحليّة والعالميّة تمهيداً لعودته إلى السياسة من بابها العريض، إذ يكفي أن يحصل على 45% من الأصوات في الانتخابات المقبلة في 27 تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل لإعلانه رئيسًا للبلاد.

يتميّز ألبرتو فرنانديز بكونه شخصيّة معتدلة، يحترمه الشعب والنّخب الحقوقيّة في البلد، وقد أعلن في حملته الانتخابية العدولَ عن السياسات اليسارية القديمة والتوفيق بين سياسة كيرشنر وحركة الوسط، وذلك عبر زيادة الإنتاجية والتعامل مع مشكلة الديون من دون تخفيض متطلبات العدالة الاجتماعية.

اعترف ماوريسو ماكري بالهزيمة، لكنّه برّأ نفسه من أسبابها ملقياً باللّوم على المعارضة التي وصفها بأنها فاقدة للمصداقيّة، ومحذّراً من الفوضى التي ستدخلها البلاد في حال عودة اليسار إلى الحكم. وقد عبّر الرئيس البرازيلي اليميني المتطرّف جايير بولسونارو عن مغبّة "التصويت الغبي"، واصفاً الأرجنتينيين بالحمقى، ومحذّراً من انعكاس ما سيحصل في الأرجنتين على وضع اليسار في البرازيل.