فنزويلا أمام مواجهة الضغوط الأميركية ومعالجة المشكلات الداخلية
أمّا السبب الأساسي لانخفاض الضجيج حاليّاً، فيعود لفشل المحاولات الانقلابية ضدّ الرئيس نيكولاس مادورو وخطط اغتياله، ولانكشاف ضعف القوى والأدوات الداخلية التي تستخدمها أميركا لتنفيذ أهدافها. أمّا سياسة واشنطن المعادية لفنزويلا، فلم تتوقّف. وهي تستمر في التحريض على الفوضى، ودعم المعارضين للسلطة البوليفارية، ومنهم خوان غوايدو الذي نصّب نفسه رئيساً للدولة. إنّ حربها الاقتصادية على الشعب الفنزويلي مستمرةٌ، وتترافق مع العقوبات الأميركية التي تطال الحقوق المالية للدولة، وأموال شخصيّات قيادية وعائلاتهم. ومن ضمن الوسائل والأشكال الأخرى ضدّ فنزويلا، الحملة الإعلامية واتّهام فنزويلا بالتعاون مع حزب الله "الارهابي". وبمعزل عن هذا التجنّي وروحية العداء التي تنضح من توصيف حزب الله بالإرهابي، ترمي هذه التهمة إلى تبرير عداء وتآمر الولايات المتحدة ضد فنزويلا، وكذريعة للتحريض على وطن سيمون بموليفار، أوروبيّاً وفي المدى الأميركي اللاتيني. وما جاء في بعض وسائل الإعلام، منذ مدّة وجيزة، بأنّ الولايات المتحدة على استعداد لإلغاء جميع تدابيرها السياسية والاقتصادية المعادية لجمهورية كوبا، مقابل أنْ تتخلّى كوبا عن مساندتها لفنزويلا، إنّما ينمُّ عن جهل المبادىء والأهداف الثورية والأخلاقية التي تحملها الثورة الكوبية. فكلّ هذه الحملات والوسائل، هي تأكيدٌ إضافي بأن واشنطن لم تغيّر مخطّطها العدائي ضدّ فنزويلا وشعوب أميركا اللاتينية. فمصالح احتكاراتها الرأسمالية، وطمعها في نهب ثروات الشعوب، وخصوصاً فنزويلا الغنية جداً بالثروة النفطية والمعادن الثمينة، هو العامل الأساسي، قبلاً واليوم، في تحديد سياسات الولايات المتحدة وممارساتها العدائية للشعوب.
لكنّ الفشل في إسقاط مادورو والنهج البوليفاري، لا يعني أنّ الوضع الداخلي الفنزويلي مريحٌ وطبيعيّ. فالشعب يعاني من جرّاء الحرب الاقتصادية الأميركية، ضائقة معيشية جدية، ونقصاً في وجود بضائع وأدوية طبية ومواد غذائية لا تنتجها فنزويلا، أو هي أقلّ من سدّ حاجات المجتمع. ويستدعي استيرادها توافر العملة الصعبة، التي تقلّصَ وجودها، بعد مصادرة الولايات المتحدة عشرات مليارات الدولارات، من أثمان النفط الفنزويلي، بالإضافة إلى تأثير عامل المضاربات والتضخم وتراجع قيمة البوليفر (العملة الفنزويلية) على الوضع المعيشي للناس.
إن المشكلة الأساسية هنا، هي في كون الاقتصاد الفنزويلي وحيد الجانب. فحوالي 90% من الدخل الفينزويلي هو من البترول. وهذا الوضع الموروث تاريخيّاً، من مرحلة ما قبل رئاسة هوغو تشافيز، واستمراره بعدها، ناجمٌ عن التبعية السياسية والاقتصادية الطويلة، لسيطرة مصالح الرأسمال الاحتكاري الأميركي، التي تعيق وتمنع النمو الاقتصادي الطبيعي المتعدّد القطاعات، سواء في فنزويلا أم في غيرها من البلدان النامية. وهذا التشوّه الاقتصادي، يتيح للدول الرأسمالية المتطوّرة ، أن تمارس ضغوطاً اقتصادية وسياسية كبيرة، لجعل البلد يرضخ لهيمنتها. هذا بالإضافة إلى عناصر أخرى، مثل ضعف استخدام تكنولوجيا حديثة، وتأثير الفساد الموجود تاريخيّاً، الذي يصبح استمراره في ظروف الحرب الاقتصادية، والضائقة المعيشية أكثر سلبيةً وضرراً. ومن المعروف أنّ تغيير وتنويع البنية الاقتصادية للدولة، يستدعي دراسةَ واقع البلد وثرواته وحاجات شعبه ويتطلّب فترةً زمنية. خصوصاً وأنّ هذه العملية لا تجري في ظروف طبيعية بل في ظل الضغوط الخارجية الكبيرة. ومع أنّ سياسة تشافيز التي يواصلها الرئيس مادورو، قد أنفقت قسماً من الدخل الوطني، لتحسين وضع وسكن ملايين الفقراء وتوفير الضمانات الصحية والتعليمية لهم، إلّا أنّها لم تركّز على تنويع القطاعات الاقتصادية. وفي هذا المجال فقد أعلن الرئيس مادورو في احتفال تسلُّمِه الرئاسة لولاية جديدة، في كانون الثاني 2019، وكنت بين حضور هذا الاحتفال، أنّ فنزويلا استقدمت خبراء من روسيا والصين لدراسة الوضع الاقتصادي، بغية معالجة المشكلات القائمة المرتبطة به. كما وعد بتصحيح الأخطاء والتقصير ومكافحة الفساد. ولا شكّ أنّ تحقيقَ هذا الاتجاه، وجمعَ ومشاركةَ جميع القوى الشعبية التحررية والثورية، هو السبيل لتعزيز صمود فنزويلا وإفشال المخططات الامبريالية.
إن خفوت ضجيج التهديدات الأميركية ضدّ فنزويلا، يترافق الآن مع قبول الحوار بين ممثلّي السلطة الفنزويلية والمعارضين لها، بمن فيهم مجموعة غوايدو. علماً أنّ هذا الحوار الذي يجري في جزيرة بربادوس، وفي السويد، كان قد رفض جون بولتون مسؤول شؤون الأمن القومي الأميركي إجراءَه قبلاً، عندما أجاب على مبادرة مادورو، بأنّ وقت الحوار قد مضى. بينما يؤكّد إجراؤه، أنّ صمود فنزويلا وشعبها، ومساندة روسيا والصين لها في وجه التهديدات الأميركية، هو الذي أدّى إلى التراجع العلني لهذه التهديدات، من دون اعتبار أنّ مطامع الولايات المتحدة في الهيمنة ونهب الثروات قد انتهت.