الشيوعي: لمعالجة مسألة النزوح السوري بعيداً عن التحريض الطائفي والمزايدات السياسية
أولاً، بصرف النظر عن أزمة نظام الطائف والتوجّه إلى الفدرلة، فقد جاءت الحملة حول اللاجئين السوريين مترافقة مع تصاعد الخطاب الطائفي، وارتفاع منسوب الدعوات العلنية والمبطّنة للفدرلة والحكم الذاتي والأمن المحلي وغيرها. وهذا يعكس أزمة نظام الطائف، الذي لم يتمكن من ترسيخ نظام سياسي – إداري مستدام، على الأقل منذ خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005. وهذان الأمران هما وجهان لعملة واحدة. كما أن التمترس الطائفي والتخويف من الآخر واستعدائه، كوّن خطاباً يمينياً شعبوياً للأحزاب الطائفية، وهو بذلك يشكّل النهاية المنطقية للسياسة المبنية على الطائفية والتي كرسها، بل عمقها – إن لم يكن بالنصوص وإنما بالممارسة – نظام الطائف. وفي هذا الإطار، يستنكر الحزب ترك السلطة المركزية أمر تنظيم النزوح السوري للبلديات والمجتمعات المحلية، مما يحمّلها أعباء ومسؤوليات غير قادرة، في أكثر الأحيان، على تحملها، ما يزيد من التوترات المحلية وعدم وضوح وتخبط السياسات اتجاه هذه المسألة.
ثانياً، يرى الحزب بأن هذه الحملة، الممهنجة والمستمرة منذ عدة سنوات، هي إحدى أدوات التحالف "الطائفي – الرأسمالي" في صرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية ومسؤولية هذا التحالف عنها، بالإضافة إلى عجز الحكومات المتتالية، منذ 2019 على معالجتها. وبالتالي فإن استسهال تحميل هذا العامل الخارجي مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية واهتراء البنى التحتية وتراجع الخدمات العامة من صحة وتعليم... يأتي ليرفع المسؤولية المباشرة للأحزاب الحاكمة عن هذه الأزمات العميقة التي نتجت عن السياسات المتبعة منذ عام 1992، وأيضاً إجهاض هذا التحالف لأية محاولة إصلاحية للخروج منها.
ثالثاً، اعتمدت البرجوازية اللبنانية، بغرض زيادة أرباحها، على سياسة عدم تنظيم سوق العمل، كما عدم تطبيق قانون العمل اللبناني، فغيبت تأمين العدالة بين القوى العاملة اللبنانية والأجنبية، بما فيها السورية، فأدى ذلك إلى إعطاء الأفضلية لتشغيل اليد العاملة السورية الرخيصة، المترافقة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بعد عام 2019، وزيادة شعور اللبنانيين والطبقة العاملة اللبنانية بالظلم نتيجة المنافسة على الموارد مع النازحين السوريين، وبخاصة في المناطق المكتظة بهم، مكوناً أرضية ملائمة للخطاب اليميني الشعبوي للقوى البرجوازية المتسببة بالمشكلة. إلّا أن نظرة أكثر علمية للتأثير الاقتصادي للجوء السوري يبيّن تأثيراته السلبية لجهة أعبائه، ولا سيما في منافسة العمالة اللبنانية والضغط على الأجور والبنى التحتية والخدمات العامة...، بالرغم من تخفيف حدّتها من خلال إنفاق اللاجئين، المتأتي من المساعدات الدولية والطلب على السلع والخدمات المحلية، وتأثير العمالة السورية التي لا زالت أساسية في قطاعات البناء والزراعة، والمستمرة منذ عشرات السينين. كما أن المسؤولية عن إفقار المجتمعات في الأطراف هي مزمنة، بخاصة في الشمال وعكار وبعلبك الهرمل، وهي تقع على عاتق الدولة اللبنانية، التي لم تحرك ساكناً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي يرفض الحزب وضع الفقراء والعمال اللبنانيين والسوريين والأجانب ضد بعضهم البعض مهما كانت جنسيتهم، خدمة لمصالح القوى الطائفية الشعبوية المسؤولة عن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منه اللبنانيون. هذا بالإضافة إلى أن هذه السلطة مسؤولة أيضاً عن تهجير الكفاءات والعمالة الماهرة اللبنانية إلى الخارج، محوّلة أزمة النزوح إلى أزمة مزدوجة تضرب سوق العمل اللبناني، ما يستوجب وقف هذا النزيف المستمر للموارد البشرية اللبنانية والعمل على عودتها إلى لبنان والمساهمة في النهوض بأوضاعه.
رابعاً، مع التأكيد بأن حجم النزوح السوري قد وضع لبنان في وضع يصعب تحمله، إلّا أن الحزب يحمّل الحكومات المتتالية والمتعاقبة مسؤولية ذلك، وهي التي رفضت مراقبة الحدود وتنظيم أوضاع اللاجئين منذ البداية، واستخدمته ورقة في صراعاتها السياسية الداخلية والإقليمية، ما أدى إلى التهديد بالتغيير الديمغرافي للبنان، إذا استمر اللجوء لمدة طويلة أو ترسخ. إن إنهاء هذا الواقع يستوجب سياسة جديدة تتطلب العمل، انطلاقاً من رفض انزلاق الأمور إلى العنف وكره الآخر والاستعلاء العنصري، لما سيتركه من أثر سيء على الوضع الأمني والاجتماعي للبنانيين والنازحين على حدّ سواء، وعلى العلاقات بين الشعبين على المدى الطويل التي تحكمها العلاقات المصيرية والتاريخية المشتركة والعميقة. هذا في وقت يتطلب من الشعوب العربية الاتحاد من أجل محاربة مشروع الإبادة الصهيوني ومواجهته في غزة وخطر توسّع الحرب الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية واخضاع المنطقة العربية.
خامساً، مع تجديد إدانتنا للعقوبات الأميركية والغربية على سوريا – لا سيما منها قانون قيصر، والتي تطال مفاعيله السلبية أيضاً لبنان – فإننا نطالب برفع هذه العقوبات جميعها، مسجّلين رفضنا لمواقف بعض الموفدين الأوروبيين والسياسات الأوروبية، التي تحاول التنصل من تحمل المسؤولية في تطبيق القوانين الدولية في التعاطي مع قضية عودة النازحين إلى سوريا، وتعمل وفق مشاريعها ومصالحها، فإننا في الوقت نفسه، نرفض استخدام الحكومة اللبنانية لقضية النزوح السوري كورقة ابتزاز سياسية ومالية رخيصة ضد الدول الأوروبية والأمم المتحدة. في الوقت الذي يرى فيه الحزب، بأن لبنان يجب أن يلعب دوراً محورياً في منطقة البحر المتوسط في إرساء أسس السلم والتعاون والتنمية المشتركة وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة وحقوق النازحين، ويدعو إلى تعاون الأحزاب التقدمية ومنظمات المجتمع المدني في حوض المتوسط، وهو كان استضاف في هذا المجال مؤتمر الأحزاب اليسارية في المتوسط في بيروت في عام 2019.
سادساً، إن الحزب قد دعا مراراً في برامجه المؤتمرية، وخصوصاً في برامجه الانتخابية في 2018 و 2022 لمعالجة هادئة لهذه الأزمة، قوامها الأساسي العمل على تأمين عودتهم الآمنة إلى بلدهم، بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة السورية. وهذه المعالجة الهادئة، التي أساسها التعاون اللبناني والاقليمي والدولي والمقاربة الواقعية والتي تبدأ، أولاً بمعرفة الأرقام الحقيقية للنازحين السوريين فعلاً والتي يسود تقديراتها الكثير من عدم اليقين، والتي لم يرها الحزب في التوصيات الصادرة مؤخراً عن المجلس النيابي، على الرغم من معارضة بعض النواب خلال الجلسة، والتي تعكس حال الانقسام السياسي والعجز عن تشكيل صوت موّحد ومؤثر اتجاه هذه القضية. وهو ما بان في ورقة الحكومة اللبنانية إلى مؤتمر بروكسل، حيث بدت متماهية أكثر مع المواقف الشعبوية تحت عباءة حماية "الهوية الوطنية" أو تجميع مخيمات النزوح. في هذا السياق، وعلى الرغم من ملاحظات الحزب على ورقة الحكومة، إلّا أن إصدارها يمكن أن يشكل منطلقاً للنقاش الوطني للخروج بموقف موّحد، ينطلق من كون معالجة مسألة النازحين السوريين مسؤولية مشتركة لبنانية سورية ودولية بهذه النسبة أو تلك. ولا بدّ لقوى التغيير الديمقراطي، خارج المجلس النيابي وداخله، من تحمل المسؤولية في تظهير موقف معارض مختلف عمّا يحصل، بعيداً عن التحريض والمزايدات السياسية، حيال هذه الأزمة التي أخذت وتأخذ أبعاداً خطيرة، من الضروري، تجنبها بكل السبل والوسائل الديمقراطية.
بيروت في 12/6/2024
المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني