كمال حمدان: الإفقار يجتاح اللبنانيين
وفي هذا الصدد كشف تقرير للبنك الدولي عن توسع هائل في حزام الفقر في لبنان، ليضم فئات جديدة تبلغ نحو 2.3 مليون نسمة من المقيمين، ويتوزعون بين 1.5 مليون لبناني و780 ألفاً من النازحين السوريين، وذلك بعد رصد ارتفاع نسب الفقر عند اللبنانيين خلال العام الحالي بواقع 28 نقطة، مقابل 13 نقطة مئويّة في العام 2020، وارتفاع النسبة عينها بمقدار 52 نقطة مئوية بين النازحين في العام الحالي، مقابل 39 نقطة في العام السابق.
ومن دون الاطلاع على الفرضيات والحسابات التفصيلية للبنك الدولي، يصعب بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان إبداء رأي فيما استخلصه التقرير المذكور، لجهة تفاقم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك ذهب التقرير بعيدًا في تناول وجهة تطور الأحوال المعيشية مركزًا على الفقر بأشكاله المختلفة: النقدي و المدقع والمتعدد الأبعاد.
ويحسم التقرير انه في خلال سنتين ازداد الفقر في لبنان بما يوازي المئة في المئة، ويذهب في بعض التقديرات الى ان ٨٠٪ باتوا معنيين بالخط الأعلى للفقر. وهنا يتحفظ حمدان على دقة الأرقام طالما لم يتم إجراء مسح أحصائي للعيّنة لمعرفة الأوضاع المعيشية للأُسر، وإنما يستند البنك الدولي عادةً الى نماذج وتقاطعات واسقاطات كل منها مرتبط بفرضيات، ومن دون مناقشة هذه الفرضيات والنماذج لا يمكن حسم النتائج؛ فمثلاً هناك ملايين الدولارات تأتي إلى جيوب الناس من الخارج لا نعرف اذا يجري أخذهم بعين الاعتبار كون جزء كبير منها يستخدم في تمويل استهلاك الأُسر، وبالتالي له انعكاس على وضعية هذه الأُسر تجاه الفقر.
كل هذه الأمور يقول حمدان، لا نستطيع التثبت منها عندما نطّلع على أرقام البنك الدولي، وبالرغم من ذلك فإن التوصيف العام يعكس الوجهة الفعلية لتطور أحوال المعيشة بلبنان.
وفيما كشف التقرير ايضًا عن أن الأزمات المتلاحقة التي ألّمت بلبنان مضافاً إليها وباء كورونا قد أثّرت على الأُسر، أكان على الصعيد المالي، أو عبر الخلل الذي أصاب القطاعات الصحية والتعليمية، مبيّناً أنه "في ظل المروحة من الأزمات التي تعصف بالبلاد، فإن يدي الحكومة اللبنانية مقيدتان لجهة تقديم مساعدات اجتماعية للمواطنين وللمقيمين على حد سواء".
إن الأصح، كان على البنك الدولي، يقول حمدان، بدل التركيز على مفهوم الفقر بأشكاله المختلفة، أن يذهب أبعد من ذلك ويشير الى الإفقار الجاري، إذ لن، ولا يجب، أن ننسى أن الحكومات المتعاقبة لم يُتاح لها، أو لم تُرد، أو مُنعت من العمل، وهي منذ سنتين لا تزال تمارس سياسة تسهيل السقوط الحر من دون أي تدخل فعلي برغم الجعجعة الكبيرة، ولا يوجد ملف أساسي له علاقة بمصالح الناس تم حسمه في خلال سنتين؛ فأقطابها لغاية اليوم يتراشقون بأرقام مختلفة حول فجوة الخسائر الاقتصادية الحاصلة، ولم يُسن قانون للرقابة على التحويلات إلا بعد أن عمدت الطغمة السياسية وتكتلات قيادة الطغمة المالية والمصرفية، الى تحويل معظم ودائعها وموجوداتها بالدولار الى الخارج خلال السنتين الماضيتين، ولم يحسم، يضيف حمدان، أي شيء بالتحقيق الجنائي حيث لا يزال الى اليوم مصرف لبنان يتردد في توفير المعطيات اللازمة. كذلك فإن البطاقة التمويلية هي الأخرى لا زالت تتنقل منذ سنة ونصف في أقبية دوائر وزارات الدولة.
كما ولفت التقرير إلى أنه في حين قامت هيئات مانحة بزيادة مساعداتها للاجئين، فإنّها بقيت دون نسبة تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار؛ ما خفض أيضاً من القيمة الحقيقية لهذه المساعدات، علماً بأن أعداداً كبيرة من الفقراء في لبنان يعملون في السوق غير الشرعية مع لجوء تلك المؤسسات إلى إلغاء وظائف وتعليق العمل خلال فترات الأزمات مع فشل التشريعات الحكوميّة بتقديم الحماية في هذه الحالات.
وهنا يؤكد حمدان أنه في ظل هذا المستوى من التضخم والانهيار بالقدرة الشرائية تُرك الناس يتدبرون أمورهم بلا أي حماية تذكر، وهو سلوك لا يقبله عقل ولا أي منطق، في ظل إستنكاف الدولة منذ سنتين عن دعم سياسات الأمان ومرتكزات الحماية الاجتماعية كلها حيث أنها لم تحسم فيها أي ملف يذكر، وارتكبت الطغمة السياسية خطأ كبيرًا برفع الدعم بنسبة كبيرة باستثناء جزء قليل من أدوية السرطان والركون في كل شيء أخر الى سعر صرف الدولار في السوق الحرة.
وفيما يشدد تقرير البنك الدولي على أن الإصلاحات الجذرية هي أساسية في طريق التعافي وعلى أن برامج الحماية الاجتماعية تساعد كثيراً في التخفيف من وطأة الأزمات المتعددة، يختم حمدان بالتأكيد على أن المشكلة الكبيرة هي في غياب مشروع يجمع الفئات التي تتساقط من كل الطوائف والمناطق، وتحويلهم الى رقم صعب يعكس موازين قوى ويفرض نفسه كشريك أساسي على طاولة المفاوضات التي لها علاقة بأي حل مستقبلي للأزمة الاقتصادية وقبلها السياسية المتمثلة بانهيار اتفاق الطائف بل النظام الطائفي بعد مئة سنة على ولادته.