ليكن أوّل أيّار صرخة شعبية مدوّية!
ويواجه بلدنا أزمات متفاقمة اقتصادية واجتماعية، وعجزاً مستمراً ومتنامياً في مالية الدولة. ومديونية تجاوزت 100 مليار دولار. والغريب أن الطبقة السياسية السلطوية، التي تسببت سياساتها الاقتصادية والاجتماعية بالوصول إلى خطر التدهور والانهيار، وإلى إفقار أكثرية شعبنا، وأتاحت لقلّة ضئيلة من حيتان المال، من المصارف إلى أصحاب الثروات والشركات العقارية، تكديس الأرباح، كما أتاحت تفشّي الفساد، والتهرب الضريبي، وهدر المال العام، واستخدام كل وسائل الغش والاحتيال للحصول على الربح السريع والأقصى. هذه الطبقة السلطوية نفسها تزعم اليوم أنها ستعالج الحالة المأزقية، مع أنها فاقدة ثقة معظم الناس بها، وحتى الذين كانوا يأملون بإصلاح جدي وتغيير في العهد الحالي الآتي رئيسه من خارج الطبقة السياسية التقليدية، بدأت ثقتهم بالتراجع. فالكل يشعر بالاستياء. والضائقة المعيشية هي كابوس على صدر شعبنا، وبخاصة العمّال وذوي الدخل المحدود. ويزداد عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتوقف عن العمل. وتتسع البطالة، على الأخص وسط الشباب الذين لا يجدون فرص عمل ومستقبلاً لهم في لبنان.
والمعالجة التي تنوي الطبقة السلطوية القيام بها، هي تحميل عمّال لبنان وفقرائه وفئاته الشعبية وزر غرق البلد في مستنقع الأزمات والعجز الذي هي المسؤولة عنه والمتسببة به، لتجعل أكثرية شعبنا ضحيةً مرتين، الأولى في استغلالها وإفقارها المتتالي منذ التسعينيّات على الأقل، وهدر المال العام واستنزاف مالية الدولة وإنهاكها. والثانية بإنقاص الأجور والتقديمات الأساسية للعاملين في القطاع العام، والاحتيال على الشعب، لفرض ضرائب ورسوم جديدة عليه، والسير بالخصخصة التي تبيح المزيد من استغلال الناس، وفرض تسعيرات عالية على الخدمات، وإضعاف الدولة ودورها.
ويجاهر أصحاب السلطة بأنهم أمام اتخاذ تدابير موجعة، لكن فعلياً موجعة للشعب وليس لهم. يهددون الناس بالأعظم، أي بانهيار الليرة والاقتصاد وبالنتائج الكارثية على الناس والبلاد. كي يفرضوا على الشعب الرضوخ لما ينوون الإقدام عليه. وفي ظنهم أن بوسعهم استخدام سلاح الطائفية ونفوذ أمراء الطوائف كالمعتاد لإضعاف رد الفعل الشعبي وتمرير تدابيرهم الموجعة. لكن حساباتهم هذه المرة ليست دقيقة (وفقاً لاستخداماتهم اللغوية)، فالمسألة تختلف عن سابقاتها. إذ أن التحركات قبلاً كانت من أجل مطالب معينة مثل زيادة الأجور وغيرها،... إلخ. بينما هي اليوم لسلب واقتطاع جزء من أجور وتقديمات انتُزعت في نضالات طويلة في الشارع. وهي بالكاد تكفي في ظل تكاليف المعيشة، التي هي الأغلى في المنطقة، وبين الأغلى في العالم. لذلك لن يرضخ الناس لعملية السلب هذه. ومن الطبيعي أن يطالبوا السلطة بأخذ المال من الذين كدسوا مئات الملايين والمليارات، وباستعادة أموال الفاسدين إلى خزينة الدولة وإقفال مزاريب الهدر والتهرب الضريبي والصفقات.
أما الأساسي في المعالجة، كي لا تستمر الأزمات والنزيف في المال العام، وكي لا يتكرر خطر الانهيار، هو في تغيير حقيقي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية. وقد آن الأوان لاعتماد نهج إنمائي للقطاعات الاقتصادية المنتجة، بدلاً من الاقتصاد الريعي وأزماته، وتبني نظام ضرائبي تصاعدي على الأرباح والمداخيل، وإلغاء الضرائب غير المباشرة على الشعب. فبدون اعتماد هذا الأساس التغييري، واستكماله بالوصول إلى تغيير ديمقراطي شامل يستبدل الدولة الطائفية الفاشلة عبر إقامة دولة ديمقراطية حديثة على أساس المواطنية، دولة العدالة الاجتماعية التي توحد اللبنانيين وتوفّر ضرورات حماية لبنان جوّاً وبرّاً، وحماية ثروته البترولية والغازية في بحر لبنان، ومنع الكيان الصهيوني من استباحة أجوائه. بدون ذلك ستتفاقم الأزمات، وستتزايد نقمة الشعب على الطبقة السلطوية ونظامها المحكوم بالفشل. فالفقر والعوز هو خارق للأديان والطوائف والمناطق ويسبّب ما نشهده من انتفاضاتٍ شعبية في بلدانٍ عربية.
إن عيد أول أيار هو مناسبة لإبراز صرخة شعبية مدوية، في بيروت ومناطق أخرى، دفاعاً عن حقوق عمالنا وشعبنا ومطالبةً بالتغيير الديمقراطي.