كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب في افتتاح اجتماع مجموعة عمل اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية
الرفيقات والرفاق في أحزاب مجموعة العمل للقاء العالمي الرابع والعشرين للأحزاب الشيوعية والعمالية
اسمحوا لنا بداية ان نرحّب بكم أجمل ترحيب. والترحيب موصول بشكر وتحية. الشكر لحضوركم وتحمّلكم مشقة المجيء، أما التحية فهي لشهداء أحزابكم وشعوبكم الذين قدّموا حياتهم في مختلف المعارك من أجل تحقيق الهدف الأسمى لسعادة البشرية الذي لا يعلو عليه أي هدف وهو تحقيق الاشتراكية.
على هذه الدرب الطويلة والشاقة بنجاحاتها واخفاقاتها مشينا جميعا وسنستمر، بإرادة صلبة وقناعة راسخة لا تتزعزع مهما اشتدت الصعوبات وعظمت التضحيات.
الرفيقات والرفاق
مواقفكم ، تضامنكم ، دعمكم وتضحياتكم تشهد لتاريخكم من أجل كسر قيود استغلال الطبقة العاملة واضطهاد الشعوب وافقارها ونهب ثرواتها. أوفياء كنتم لهذا التاريخ في لقاء أزمير، يومذاك أعلنتم موقفكم الواضح والصريح ، فكان قراركم في عقد اللقاء العالمي الرابع والعشرين للأحزاب الشيوعية العالمية والعمالية في لبنان دعما للشعب الفلسطيني ومقاومته ولوقف العدوان الصهيوني عليه وعلى لبنان، بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس حزبنا في الرابع والعشرين من تشرين الأول القادم.
أحد لا يمكنه الا ان يقدّر عاليا كل ما فعلتموه في بلدانكم من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني. كنتم المبادرين في نقل الصورة الحقيقية عن الجرائم والمذابح التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أطفال غزة ونسائها وشيوخها ومن تدمير لكل مقومات الحياة فيها، فساهمتم في فضح طبيعة هذا الكيان العنصري الاستيطاني ومحاكمته فيما يرتكبه من محاولة اقتلاع شعب فلسطين من ارضه بالقتل والتجويع والتهجير.
لقد استطاع هذا الشعب بدماء شهدائه ومقاومته من ادخال العدو الصهيوني في مأزق وجودي ككيان استيطاني مغتصب لأرض فلسطين عبر فقدانه القدرة على القيام بوظيفته الاستعمارية في المنطقة التي كانت في أساس هذا الوجود باعتباره القاعدة العسكرية المتقدمة للامبريالية .فكم هو عظيم واستثنائي هذا التصدّي البطولي، وهذه المواجهة المستمرة حتى الآن للمقاومة الفلسطينية، التي دفعت بالأصيل الأميركي للمجيء بأساطيله مع حلفائه لأنقاذ الوكيل حفاظا على مصالحه.
ولعل ما يفسّر هذا الانكشاف السياسي على هذا النحو الخطير هو بلوغ أزمة الرأسمالية ذروة تفاقمها، بعد ان فقدت القوى الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية إمكانية التحكم بتناقضات نظامها، فلم تعد قادرة على فرض سياساتها على العالم كما في السابق. وهو ما يعكسه سقوط الشعارات الكاذبة لها في "الدفاع عن حقوق الإنسان" وحول "حريّة الرأى والتظاهر" وادعاءاتها في "احترام سيادة الدول" فضلا عن الحروب المتنقلة في غير مكان من العالم، ومعها ما تفرضه من ضغوط وعقوبات وحصار سياسي اقتصادي ومالي ضد كل من يهدّد سياساتها في نهب ثروات الشعوب وإخضاعها وذلك في محاولة منها لمعالجة أزمة رأسماليتها.
بفضل دماء شهداء شعب فلسطين ومن اجل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلّة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وعودة جميع اللاجئين، وبفضل تحركاتكم مع شعوبكم وحركاتها وقواها الحية ادانة لهذا العدوان الصهيوني الاميركي أصبحت قضية فلسطين القضية الأممية الأولى في العالم عبر ما فعلتم بالضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية في التظاهرات والاعتصامات في ساحات العواصم والجامعات وفي الشوارع والساحات وامام سفارات الكيان الصهيوني واينما كنتم وفي كل مكان.
وها انتم تؤكدون من خلال انعقاد اجتماعكم هذا على ثباتكم في هذا الموقف، رغم كل مناخ التصعيد العسكري العدواني الآخذ في التوسّع على رفح والضفة الغربية والقدس والجنوب اللبناني.
ايتها الرفيقات والرفاق
الى لبنان أتيتم، حيث المعركة مفتوحة على أرضه طوال خمسة وسبعين عاما، فأهلا وسهلا بكم تطلقون منه نداء فلسطين الى شعوب العالم قاطبة بالدعوة للمزيد من الدعم والتضامن مع كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته وادعم لبنان ومقاوميه وهو الذي حرّر أرضه بالمقاومة من دون قيد أو شرط .
لقد احتل حزبنا دورا طليعيّا ومتقدما في مسيرة المقاومة والتحرير منذ اربعينيات القرن الماضي في تأسيس الحرس الشعبي وقوات الأنصار مع الأحزاب الشيوعية العربية وفي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وهو اليوم حاضر بما لديه من إمكانيات للدفاع عن وطنه وشعبه ضد أي عدوان واحتلال صهيوني وتحت راية هذه الجبهة. هي جبهة للتحرير والتغيير، تحرير الأرض من الاحتلال وتحرير الانسان من الهيمنة الامبريالية ومن رأسماليتها المحلية التابعة لها. هي جبهة من اجل التحرر الوطني والاجتماعي لشعبنا اللبناني.
ان تعزيز النضال الأممي في مواجهة الرأسمالية والأمبريالية للانتقال الى الاشتراكية في ظل البنية الاجتماعية لمجتمعاتنا العربية ومثيلاتها، يتجسّد في النضال من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، من حيث هو نضال من أجل تغيير بنية علاقات الإنتاج الرأسمالية التبعية. انه صراع طبقي في الجوهر ضد البرجوازية التبعية المحلية وضد البرجوازية الإمبريالية في آن معا. ومهمتنا الأساسية في هذا الصراع هي اثبات هذا الفهم بإستحالة تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلادنا ضمن رأسمالية تابعة للأمبريالية تجسّد القاعدة المادية لسيطرتها.
خلاصة الأمر ليس كل مقاومة، حركة تحرّر وطني واجتماعي بالضرورة ، لكن كل حركة تحرر وطني واجتماعي هي حكما حركة نضال للتغيير في مختلف المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وبشتى اساليب النضال وصولا الى أرقى اشكاله في المقاومة المسلحة وفق ما تقتضيه الظروف. والخلاف بين الأثنين لا يمنع التقاطع بينهما في مواجهة الأحتلال والعدوان الصهيوني، وهو ما نحن عليه الآن في هذه المواجهة.
ان هذه المواجهة طويلة ومفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر، فرغم كل هذا الصمود الملحمي للشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر وحتى تاريخه، ورغم كل هذا الدعم والاسناد واشكال التضامن السياسي والشعبي والعسكري على المستوى الدولي والإقليمي ، لم يتوقف العدوان . إنه التحدّي الذي يدعونا جميعا للعمل معا لتعديل ميزان القوى. ويكتسب اجتماعنا اليوم أهميته القصوى في الإجابة على السؤال الكبير: ما العمل ؟ نعم ما العمل وكيف نتحرك؟ ان تصعيد حملة الدعم والتضامن لفرض وقف إطلاق النار الدائم وتلبية مطالب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ، ووقف العدوان على لبنان وجنوبه خطوة مطلوبة وملحة، لكنها تحتاج الى أكثر من ذلك، مع تصاعد العدوان ، تحتاج الى مسار سياسي تتكامل فيه وتتوحّد أدوار أحزابنا الشيوعية ومسؤولياتها لتصب في اطاره وتوظف فيه كل اشكال الدعم والتضامن.
انه مسار الأفق المفتوح على بناء حركة تحرّر وطني واجتماعي من نوع جديد، تستولد من رحم مقاومة عربية شاملة تتوحّد فيها كل الطاقات حول أولويتين متلازمتين: أولوية اعتبار القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية بما يستوجب مقاومة العدوان والاحتلال الصهيوني والأجنبي ، وأولوية مواجهة نظم التبعية والتطبيع والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي التي شكّلت تاريخياً المرتكز الداخلي والشريك الفعلي للعدوان الامبريالي على فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان ...
وحيث ان أزمتنا في لبنان مرتبطة مع ما يجري في المنطقة ، فمنذ ان زرع هذا الكيان الصهيوني في فلسطين، ولبنان يتعرّض لاعتداءاته ومجازره ذلك انه كيان استيطاني توسعي، مهمته ليس احتلال فلسطين وتهجير أبنائها فحسب، بل السيطرة على لبنان وعلى المنطقة العربية وفق خريطة الشرق الأوسط الجديد التي رفعها نتنياهو في مقر الأمم المتحدة . انها أزمة معمّمة: لبنان اليوم في قلب المواجهة: عدوان أميركي – صهيوني من الخارج يجعل من القرى الحدودية أرضا محروقة، ومتسببا بسقوط مئات الشهداء والجرحى من الأهالي والمقاومين ، وبنزوح أكثر من مئة الف من سكانها، وهذا العدد مرشح للارتفاع اذا ما حصل تصاعد العدوان ، ومن جهة أخرى ، سلطة سياسية في الداخل، أوصلت لبنان الى الانهيار الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي . سلطة ليست مستقيلة عن القيام بواجباتها في الدفاع عن سيادة لبنان وعن تسليح جيشها فحسب، بل تستمر بفرض الضرائب غير المباشرة على العمال والاجراء والموظفين وفي الاستمرار بنهب المال العام والودائع الصغيرة وتعويضات الصناديق الضامنة ومعاشات التقاعد والقوة الشرائية للرواتب والأجور للعمال والموظفين وفي تهجير شباب لبنان الى الخارج. فلا عجب ان لا نجد حلولا للمشاكل التي يعاني منها شعبنا في ظل هذا النظام السياسي الطائفي وسلطته الفاسدة لا في الموقف من الكيان الصهيوني واحتلاله ، ولا في الموقف من حل مشكلة النازحين السوريين، ولا في معالجة الأزمة السياسية والأقتصادية الاجتماعية المستفحلة . والخروج من هذا النفق لا يكون بتسوية جديدة يعملون عليها مع اوصيائهم في الخارج وهي لطالما انهارت صيغها الطائفية كافة في مختلف المحطات، بل بمشروع سياسي للتغيير يتجسد في بناء دولة وطنية ديمقراطية مقاومة لا دولة طائفية مذهبية رأسمالية تابعة تبرر للعدو الصهيوني قيام دولته العنصرية المتصهينة.