كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب في يوم الشهيد الشيوعي 21 حزيران 2024
هو 21 حزيران، يوم "الشهيد الشيوعي" وذكرى استشهاد الرفيق جورج حاوي، يوم شهداء الحزب الذين سقطوا طوال مئة عام من النضال والكفاح على تنوع أشكاله وأساليبه ومختلف مجالاته، الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. شهداء أتوا من كل الوطن ولكل الوطن. ضحّوا بحياتهم من اجل وطن حر وشعب سعيد. سقطوا من اجل هذه القضية لا من اجل حصة زعيم أو أمير اعتاد ولا زال على احياء نظامه الطائفي على حساب دماء الشعب اللبناني الذي افقره وهجّره وأوصل معه لبنان الى هذا الخراب والانهيار .
وتحلّ الذكرى هذا العام فيما تحتدم حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني المقاوم البطل في غزة، كما في كل فلسطين، ومعها تتصاعد الاعتداءات اليومية والتهديدات بتوسيع نطاق العدوان وتصعيده على لبنان وجنوبه بشكل خاص. التي ينقلها الينا الموفد الرئاسي الأميركي "الإسرائيلي" هوكشتين.
ان احتفالاتنا اللبنانية والعربية والدولية في يوم الشهيد الشيوعي التي تبدأ اليوم في ذكرى استشهاد الرفيق جورج حاوي هي مناسبة نتوجه فيها بالدعوة الى كل اللبنانيين والى شعوبنا العربية وشعوب العالم قاطبة من اجل تصعيد تحركها والضغط على حكوماتها لتقف مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ومع لبنان وأهلنا الصامدين والنازحين والمقاومين جميعا، في مواجهة التصعيد الصهيوني الأميركي وتهديداته بتوسيع العدوان.
ايتها الرفيقات والرفاق: مئة عام من النضال والكفاح أسس فيها حزبكم ثقافة المقاومة الوطنية وبنى مداميكها الأولى الشيوعيون الأوائل بقيادة الرفيق الشهيد فرج الله الحلو ضد الانتداب الفرنسي ومن اجل الاستقلال وضد الأحلاف الاستعمارية، وأنظمة الاستبداد ومقاومة العدو الصهيوني مع تأسيس الحرس الشعبي وقوات الأنصار، ومن ثم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب ولبنان عامة والتاريخ شاهد على العصر .
سباقا كان حزبكم الشيوعي بقيادة الرفيق الشهيد جورج حاوي في إطلاق نداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية إلى جانب رفيقه الراحل محسن إبراهيم. وكان الشيوعيون طليعة المقاومة الوطنية والشعبية في معركة التحرير انطلاقا من بيروت مرورا بالجبل والإقليم والجنوب والبقاع الغربي وصولاً حتى قرى الشريط المحتلّ.
فمن هذه الساحة وهذه الذكرى، نوجّه أسمى التحيات اليوم لكل شهداء حزبنا وشهداء فلسطين وكل المقاومين على درب التحرر الوطني والذين سقطوا في كل ميادين النضال مجسّدين بدمائهم تاريخ حزبهم ونضال شعبهم ضد الهيمنة الإمبريالية والصهيونية، وضد الاستغلال الطبقي الذي تمارسه المنظومة السلطوية التابعة ونظامها الطائفي المرتهن إلى الخارج.
وعلى عهدنا ووفائنا لدمائهم كان موقف حزبنا والنداء الذي أطلقته اللجنة المركزية للحزب بالدعوة للانخراط في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية استعداداً للمواجهة ومقاومة أي تقدّم صهيوني، لندافع بذلك عن شعبنا وأرضنا، في هذه المعركة المفصلية في تاريخ منطقتنا.
دماء غزيرة قدمت من اجل التحرير لا من اجل ان تحكم هذه السلطة السياسية الفاسدة المسؤولة عن الانهيار ، المتمسكة بنظامها الطائفي الجامع والموحد لاصحاب "نظرية قوة لبنان في ضعفه " مع أصحاب نظرية " شركائنا في الوطن ". فمن غير المسموح ان تذهب دماء الشهداء هدرا وتكرار ما حصل، بل ينبغي توظيف هذه الدماء الذكية في خدمة تغيير هذا النظام الطائفي وتحرير ما تبقى من ارض محتلة ومعها جثامين الشهداء المقاومين لدى العدو الصهيوني، والإفراج عن المناضل جورج إبراهيم عبدالله، فلا يبقى قرار الحكومة اللبنانية ، حبرا على ورق والعبرة في التنفيذ، داعين الى استكمال التحركات الشعبية والسياسية من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية والفرنسية، ولرفع الصوت ضد القرار الأميركي الذي يمنع الإفراج عن الأسير جورج عبد الله، بعيداً عن محاولات الاتجار السياسي بهذه القضية من قبل الذين أهملوها وميّعوها لسنوات طوال.
لقد ربطت المنظومة السياسية الحاكمة مصالحها الطبقية ببقاء نظامها السياسي وكيان لبنان فأوصلته الى الانهيار الشامل حتى بات مهدداً بمصيره ووجوده. وأصبح كل طرف من هذه المنظومة: قوى سياسية، وأصحاب المصارف ، ومصرف لبنان ومافيا الاحتكارات والعقارات ، يحاول كل منهم التهرّب من مسؤوليته والقائها على الآخر في مناورة مكشوفة للتهرّب من دفع الثمن ووضع يدهم جميعا على أملاك الدولة وتدفيع الشعب اللبناني تبعات فشلهم ونهبهم، بعد أن نجحوا في كبح الانتفاضة الشعبية وقمعها كل على طريقته.
فبدل التنازل لشعبهم وانتفاضته لبناء دولة وطنية ديمقراطية، دولة الاقتصاد المنتج: يذهبون للتفاوض مع صندوق النقد الدولي ودوله "المانحة"، ويلبون طلبات الموفدين الدوليين وعلى رأسهم الإسرائيلي الأميركي هوكشتاين الذي يريد أن يحقق للعدو في السياسية ما فشل عن تحقيقه في الميدان. لقد فرّطت المنظومة الحاكمة بحدود لبنان البحرية وبثروته النفطية ووضعتها تحت رحمة الشركات المتعددة الجنسيات مثل توتال، وتحت الوصاية السياسية الأميركية الفرنسية، فنهب العدو غازنا وبقي لبنان منتظراً. وفيما يحتدم الميدان وتزداد التهديدات، وفيما يعجز العدو عن فرض سيطرته العسكرية سواء في غزة أو في لبنان، يأتي الموفدون الغربيون بهدف تحقيق الترسيم البري وتطبيق القرار 1701، وتلاقيهم في منتصف الطريق قوىً حاكمة، تفرّط بقوّة لبنان وسيادته وأرضه وحدوده وكرامته فلا تطالب بالتمسك بخط الهدنة ولا بالأنسحاب الكامل للاحتلال الصهيوني من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر ولا بتطبيق القرار 194 القاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ولا بتحمل ما يسمونه مجتمع دولي بتحمل المسؤولية في عودة اللاجئين السوريين عودة كريمة الى سوريا
لن يمرّ مشروع تصفية القضية الفلسطينية بفعل قوة المقاومة في غزة والضفة الغربية ، وسوف يهزم العدوان الصهيوني. فها هي شعوب العالم وقواه الوطنية تقف إلى جانب فلسطين بكل أشكال الدعم، في التظاهرات الشعبية وقوى اليسار والتقدم في أوروبا وأميركا، وعلى رأسها جامعاتها الكبرى، وصولاً إلى الاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية وبالمسار القانوني والدعاوى وفي دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، كذلك حركة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، وحركات التضامن السياسي والإعلامي ودور في هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية تحلّ ذكرى استشهاد القائد جورج حاوي هذا العام، وعلينا أن نكون فيها على مستوى التحدي. إن تخليد أسماء قادتنا الراحلين يكون باستكمال النضال من أجل تحقيق الأهداف التي استشهدوا من أجلها، ولذلك يصحّ اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، شعار حزبنا: من أجل الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة، ربطاً للنضال من أجل التحرير والنضال من أجل التغيير في مشروع واحد لا يمكن إسقاط أي من جناحيه.
على هذه القاعدة ووفقاً لهذا المشروع، يحيي حزبنا الذكرى المئوية لتأسيسه كي تكون محطة نستذكر فيها ماضينا ونقيّم حاضرنا لنبني مستقبلنا. مئوية حزبنا نحييها هذا العام تحت شعار "للوطن، للتحرر، للاشتراكية"،
ولنحيي معاً ذكرى الشهيد فرج الله الحلو نهار الأحد 30 حزيران في حصرايل بمشاركة عربية ودولية، ولنشارك معاً في الفعاليات الفكرية والسياسية والفنية التي سننظمها خلال هذا العام إحياءً لمئة عام من النضال.
عشتم وعاش يوم الشهيد الشيوعي، والمجد والخلود للشهيد جورج حاوي وكل شهداء حزبنا ومقاومينا الأبطال.