مداخلة الامين العام للحزب الشيوعي الاردني الرفيق سعود قبيلات ومداخلة الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب خلال الندوة التي اقيمت في بيروت بعنوان "القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي"
الامين العام للحزب الشيوعي الاردني الرفيق سعود قبيلات:
"برنامج الحزب الشُّيوعيّ الأُردنيّ الجديد والقضيَّة الفلسطينيَّة..
سعود قبيلات
يمثِّلُ برنامجُ الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ ونظامُه الأساسيّ الجديدان، اللذان أُقِرَّا في مؤتمر الحزب الثَّامن التَّوحيديّ، مراجعةً عميقةً على أكثرِ مِنْ صعيد..
أوَّلاً: في الشَّأن الأردنيّ؛ حيث تمَّ – لأوَّل مرَّة – توصيف السُّلطة القائمة في البلاد بأنَّها سُلطة حُكم فرديّ مطلق (أوتوقراطيَّة) وسُلطة وظيفيَّة تابعة.
وبناء عليه، فالمطلوب هو إجراء تحوُّل ديمقراطيّ عميق، عنوانه «بناء الدَّولة على أساسٍ وطنيٍّ وديمقراطيّ»..
وطنيّ في مقابل التَّبعيَّة، وديمقراطيّ في مقابل السُّلطة الفرديَّة المطلقة وكذلك بمعنىً اجتماعيٍّ اقتصاديّ يشتمل على إعادة توزيع الدَّخل والثَّروة لصالح الأغلبيَّة الشَّعبيَّة الكادحة.
ويحدِّد البرنامج بوضوح ما هو البديل الدِّيمقراطيّ المنشود وما هي الآليَّات والأُسس اللازمة لتحقيقه.
ثانياً: اشتمل برنامج الحزب، لأوَّل مرَّة، على توصيف المرحلة الَّتي تعيشها بلادُنا بأنَّها مرحلة «التَّحرُّر الوطنيّ».
بل إنَّ «التَّحرُّرَ الوطنيَّ» هو العنوان الرَّئيس لهذا البرنامج، وتندرج تحت هذا العنوان العناوين الأخرى كُلُّها.
تجدرُ الإشارةُ، هنا، إلى أنَّه انتشر في العقود الأخيرةِ الحديثُ عن الحُرِّيَّةِ والدِّيمقراطيَّةِ مِنْ دون أنْ تقترنا بالتَّحرُّرِ الوطنيِّ. وقد انجرف مع هذا التَّيَّارِ بعضُ اليسارِ (وحتَّى بعض الشُّيوعيين)، في بلدانِ أطرافِ النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ. وهذا وهمٌ ليبراليٌّ محض، وهو لا يُنتجُ حُرِّيَّةً ولا ديمقراطيَّةَ حقيقيَّةً؛ حيث تكون الحُرِّيَّةُ والدِّيمقراطيَّةُ، في هذه الحالةِ، مشروطتين بحالة التَّبعيَّةِ، أي أنَّ سقفَهما هو تحقيقُ مصالحِ الشَّركاتِ متعدِّدةِ (ومتعدِّيةِ) الجنسيَّةِ على حسابِ مصالحِ الشَّعب والبلاد.
ثالثاً: بخصوص القضيَّة الفلسطينيَّة، وهي موضوعنا الرَّئيس هنا، يستند برنامج الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ الجديد إلى إعادة تعريف هذه القضيَّة، على نحوٍ صحيح، بأنَّها، مِنْ جهة، قضيَّة استعمار استيطانيّ إحلاليّ عنصريّ توسُّعيّ إجراميّ؛ وبأنَّها، مِنْ جهةٍ أخرى، قضيَّة شعب أُحتُلَّتْ بلاده، وشُرِّد منها، وصُودِرَتْ أرضُه وممتلكاتُه منه عنوة وأُعطيَتْ لغيره، وفُرِّقَ شملُه وشُتِّتَ في أصقاع الأرض المختلفة، وأُهدِرَتْ حقوقُه الوطنيَّة والإنسانيَّة؛ ومَنْ بقي منه على أرضِ آبائه وأجدادِه، يُعامَل معاملةَ الكرامِ على مأدبة اللئام؛ أمَّا مَنْ يُقاومُ، فيُعتَقلُ، ويُعذَّبُ أفظعَ أنواع التَّعذيب، ويوضعُ في السُّجونِ عشرات السِّنين.. هذا إذا لم يُعدَم في الشَّارعِ مباشرةً ومِنْ دون محاكمةٍ، ويُهدَمُ بيتُه ليُصبِح ذووه بلا مأوى..
وقد يبدو تعريفُ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ على هذا النَّحوِ بسيطاً جدَّاً ولا جديدَ فيه؛ لكن الحقيقة هي أنَّ هذا التَّعريفَ، بكلِّ بساطتِه ووضوحِه، طُمِسَ طويلاً تحت غُبارِ الكلامِ عن أوهام الحلول الاستسلاميَّةِ، وخصوصاً أوهام الدَّولة الفلسطينيَّة.
وأكَّد برنامجنا بأنَّ القفز عن عذابات الفلسطينيين وحقوقِهم المهدورةِ، إلى الكلام عن الحلول الاستسلاميَّةِ، يمثِّلُ تجاهلاً فظَّاً لعُمق المأساة الفلسطينيَّةِ، كما أنَّه لن يُنتج حلَّاً عادلاً، بل ولن يُنتج حلَّاً واقعيَّاً ممكنَ التَّطبيق.
القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ، بالنِّسبةِ للشَّعب الأردنيِّ، قضيَّةٌ أردنيَّةٌ. «وموقفنا بشأنها لا يدخلُ في باب التَّضامنِ فقط مع الشَّعب الفلسطينيّ الشَّقيق، وإنَّما هو في صُلب المهمَّات الوطنيَّة الأردنيَّة؛ إذ أنَّ الطَّبيعةَ الوظيفيَّةَ للنِّظامِ في الأردن تقوم على دورِه بخصوص القضيَّة الفلسطينيَّة. ولضمان استمرارِه في أداءِ وظيفتِه هذه، تطلَّب الأمرُ دائماً تعطيلَ التَّنمية الوطنيَّة، وإضعافَ الدَّولة (وتفكيكَها الآن)، وتغييبَ الدِّيمقراطيَّة والمؤسَّسات، وفرضَ الحُكم الأوتوقراطيّ على البلاد..
وعندما نناضلُ ضدّ وظيفيَّةِ النِّظامِ، وضدَّ الأوتوقراطيَّة، ومِنْ أجل التَّحرُّر الوطنيّ، والتَّحوُّلِ الدِّيمقراطيّ، والتَّنميةِ الوطنيَّة المستقلَّة، وإعادةِ توزيع الدَّخلِ والثَّروةِ لصالح الجماهير الشَّعبيَّة المسحوقة.. الخ، فإنَّ هذا النِّضالَ يكون في صُلْب القضيَّة الفلسطينيَّة وأحدَ مفاصل النِّضال الأساسيَّة مِنْ أجلها..» (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ – ص 94).
ويؤكِّد برنامجُ حزبِنا على العمل مِنْ أجل «إحباط كُلِّ مشاريعِ تصفيةِ القضيَّة الفلسطينيَّة، بعناوينها المختلفة؛ مثل: «صفقة القرن» وتَفرُّعاتِها، والتَّجنيس، والتَّوطين (التَّوطين في الأردن أو في أيّ مكانٍ آخر من العالم)، والوطن البديل...» (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ ص 84).
وفي هذا السِّياق نفسِه، يؤكِّد برنامجُ حزبُنا أنَّ «نضال الشَّعبين الأردنيّ والفلسطينيّ، في مواجهة أطماع الكيان الصّهيونيّ في الأردن وفلسطين ومساعيه لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة على حساب الشَّعبين الشَّقيقين ووطنيهما، إنَّما هو نضالٌ واحدٌ بمهمَّتين متكاملتين» (وثائق المؤتمر –– البرنامج السِّياسيّ – ص 84).
وبناء عليه، فإنَّنا، إذ نتكلَّم، في برنامجنا الجديد وفي نظامنا الأساسيّ الجديد، عن التزامِنا بالعمل مِنْ أجل تمتين أواصر العلاقة الكفاحيَّة بين الشَّعبين الشَّقيقين (الأردنيّ والفلسطينيّ)، فإنَّما نفعلُ ذلك لنؤكِّدَ على النِّضال المشترك «مِنْ أجلِ تحريرِ فلسطين، وعودةِ الشَّعب الفلسطينيّ إلى وطنِه، وحصولِه على حقِّه في تقريرِ المصير على ترابِه الوطنيّ، وتعويضِه عن التَّشريدِ والشَّتات القسريِّ وكلِّ الخساراتِ والعذاباتِ والآلامِ الَّتي سبَّبها له استزراعُ الكيانُ الصّهيونيُّ عنوةً على أرضه» (النِّظام الأساسيّ، وثائق المؤتمر – ص 29).
حقُّ الشَّعب الفلسطينيّ في العودةِ والتَّعويضِ، وهو في طليعةِ حقوقِه وأبسطُ حقوقِه، منصوصٌ عليه في قرار الأمم المتَّحدة رقم 194؛ في حين أنَّ حقَّ تقريرِ المصيرِ للشُّعوبِ كُلِّها (وبالتَّأكيد، الشَّعب الفلسطينيّ مِنْ ضمنها) منصوصٌ عليه في العهد الدَّوليّ للحقوق السِّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ.
وبديهيّ أنَّه إذا لم تقترن العودةُ بحقِّ تقريرِ المصير، فإنَّ العائدين سيكونون مجرَّدَ سُكَّانٍ منقوصي الحقوق وليسوا مواطنين حقيقيين.
القرار رقم 194 صدر – كما هو معروف – في العام 1948؛ أي أنَّه يتحدَّث عن عودة اللاجئين إلى الأراضي الَّتي اُحتُلَّتْ في العام 1948؛ لذلك، يتحدَّث برنامجُ حزبِنا عن حقّ الشَّعب الفلسطينيّ «في تقريرِ مصيرِه على أرضه التَّاريخيَّةِ كُلِّها» (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ ص 84).
يجدر التَّذكيرُ، هنا، بأنَّ البعضَ، حين يتحدَّثُ عن الشَّرعيَّةِ الدَّوليَّة، في ما يخصُّ القضيَّةَ الفلسطينيَّةَ، فإنَّه يَقْصُرُ حديثَه على القرار 242 ويتجاهلُ القرارَ 194 كما يتجاهلُ العهدَ الدَّوليَّ للحقوق السِّياسيَّة والاجتماعيَّة. وهذا مع أنَّ 242 لا يتكلَّمُ عن القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، بل عن أراضٍ لدولٍ عربيَّةٍ احتلَّها العدوُّ الصّهيونيُّ في العام 1967.
ويشيرُ برنامجُ حزبِنا إلى فشلِ «جميع الحلول الاستسلاميَّة المشبوهة للصِّراع العربيّ الصّهيونيّ.. مثل كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، وما يُسمَّى حلّ الدَّولتين، في إنهاء هذا الصِّراع»، مؤكِّداً أنَّ «مثل هذه الحلول لن ينجح في تقديم أيّ حلّ» (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ ص 94، ص 95).
«فهذه الحلولُ المزعومةُ (كما يوضِّحُ البرنامجُ)، بالإضافة إلى كونِها استسلاميَّة وغير عادلة، هي أيضاً غير واقعيَّة، أي أنَّها غير قابلة للتَّحقُّق، بل إنَّها ليست حلولاً أصلاً..» (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ ص 95).
ويرى البرنامج أنَّه «في مواجهة مشاريع الاستسلام والتَّطبيع، يسعى الشُّيوعيُّون الأردنيُّون، مع كلّ القوى العربيَّة الحيَّة، إلى تعزيزِ دورِ محور المقاومة وترسيخِ قيمِ المقاومة».
المقاومةُ هي البديلُ الحقيقيُّ والنَّاجعُ لكلّ الحلول الاستسلاميَّة في برنامج الحزب الشُّيوعي الأردنيّ الجديد..
والبرنامجُ يرفضُ، ضمناً أحياناً، وصراحةً أحياناً أخرى، ما تعرَّضتْ له القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ مِنْ نظراتٍ مشوَّهةٍ ومواقفَ منحرفةٍ..
وفي هذا السِّياق، فنحن نرفض التَّسليمَ بنتائج المساعي المحمومة لتحويل القضيَّة الفلسطينيَّة، عبر رُكام الأوهام الَّذي كدَّسه الرِّهان على الحلول الاستسلاميَّة، مِنْ قضيَّة استعمار استيطانيّ إحلالي عنصريّ توسُّعي، وقضيَّة شعب أُحتُلَّت أرضه، وأُقتُلع منها عنوة، وشُتِّت شمله وشُرِّد إلى مختلف بقاع الأرض، إلى قضيَّةِ نزاعٍ حدوديٍّ؛ حيث يُصبحُ الكيانُ الصّهيونيُّ، بالنَّتيجةِ، كياناً شرعيَّاً، في رأيِ بعضِ العربِ والفلسطينيين، ولا توجدُ مشكلةٌ معه سوى أنَّه يرى أنَّ حدودَه الجغرافيَّةَ أكبرُ ممَّا هي برأي هؤلاءِ العربِ والفلسطينيين!
والسُّؤالُ هنا هو: بماذا يسوِّغُ هؤلاءُ تسليمَهم المجانيَّ – ضمناً على الأقلّ – بـ «شرعيَّةِ» وجودِ هذا الكيان؟
هل يسوِّغونه بمنطق الحقِّ أم بمنطق الأمرِ الواقع؟
الاستعمار الاستيطانيّ الإحلاليّ العنصريّ لا يملك أيَّ حقٍّ في الوجود. ومِنْ هذه النَّاحية، فليس في جُعبة الكيان الصّهيونيّ لتبريرِ وجودِه سوى الأسطورة التُّوراتيَّة الَّتي تتحدَّث عمَّا تُسمِّيه «أرضَ الميعاد».. الأرض الَّتي وعد بها الإله شعبَه المختار!
ووفق هذا المنطق الحاخاميّ الأسطوريّ الظَّلاميّ العنصريّ، يُمكن لأيِّ يهودي في العالم أن ينتقلَ إلى فلسطين ليعيش على أرضِها ويُصبح مواطناً أصيلاً فيها تحت زعمِ حقِّه في العودة؛ في حين لا يُسمح للفلسطينيين، الَّذين هُجِّروا مِنْ أرضهم ومِنْ بيوتهم منذ زمنٍ منظورٍ، أنْ يعودوا إليها!
أمَّا التَّسليم بوجود الكيان الصّهيونيّ كأمرٍ واقع، فهو يقومُ على القفزِ عن حقيقةِ أنَّ هذا الكيانَ لم يتمكَّن طوالَ خمسةٍ سبعين عاماً مِنْ وجودِه مِنْ فرضِ نفسِه ككيانٍ طبيعيّ، رغم أنَّه، طوالَ تلك المدَّة، لم يدَّخر جهداً لتحقيق ذلك. وعمليَّةُ التَّطبيع، الَّتي يُلحُّ هذا الكيانُ باستمرار على فرضِها، تهدفُ إلى إيصالِه إلى هذه الغاية المستحيلة.
ومِنْ ناحيةٍ أخرى، فمقابلُ وجود الكيان الصّهيونيّ كأمرٍ واقع، توجد المقاومةُ أيضاً كأمرٍ واقعٍ نقيض..
مقاومةُ الشَّعب الفلسطينيّ مِنْ أجلِ تحريرِ أرضِه ونيلِ حقوقِه، ومقاومةُ الشُّعوب العربيَّة لهذا الكيان الدَّخيل الغاصب، لم تتوقَّف طوالَ القرن العشرين وما انصرم مِنْ القرن الحالِّي. ومن الواضح أنَّها لن تتوقَّف، بل هي في تصاعد.
ومع ذلك، فإنَّ البعضَ، حين ينظر إلى القضيَّة الفلسطينيَّة، يرى الوجودَ الطَّاغيَ للكيان الصّهيونيّ فقط، ولا يرى المقاومةَ وحضورَها الكبيرَ والمتصاعدَ!
وما مِنْ سببٍ لذلك إلَّا الرَّغبة في تبرير السَّيرِ على طريق التَّنازلات..
والحقيقةُ أنَّ مسلسلَ التَّنازلات المجانيَّة الكبيرة بدأ في وقتٍ مبكِّرٍ جدَّاً.. لقد بدأ بالموافقةِ على قرار التَّقسيمِ في العام 1947.
آنذاك، لم يكن الكيانُ الصّهيونيُّ قد وُجِدَ، ولم يكن الشَّعبُ الفلسطينيُّ متقاعساً عن المقاومة.
وهنا، يجب أن نوضِّحَ أنَّ قرارَ التَّقسيمِ لم يكن القرارَ الوحيدَ الَّذي كان مطروحاً للتَّصويت في تلك الجلسةِ للجمعيَّة العامَّةِ الَّتي عُقِدَتْ في 29 تشرين الثَّاني 1947؛ بل كان هناك قرارٌ آخر ينصّ على إقامةِ دولةٍ اتِّحاديَّةٍ تضمُّ العربَ واليهودَ. وقد أيَّدته أقليَّةٌ في اللجنة الدَّوليَّة الَّتي اقترحت القرارين.
إنَّ الإقدامَ على هذا التَّنازل الكبيرِ غيرُ مفهومٍ وغيرُ مبرَّرٍ. وكان الأحرى الالتزامُ بالثَّوابت الوطنيَّة والحقوق الوطنيَّة، والدِّفاعُ عنها بصلابةٍ وحتَّى النِّهاية، وليس الاستعجالَ في تقديم التَّنازلات.
ولقد برَّر الَّذين وافقوا على قرار التَّقسيمِ موقفَهم ذاك قائلين إنَّه:
لو كان الجميعُ قد وافقوا عليه، لما وصلَ حالُ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ إلى ما وصلتْ إليه الآن..
أو إنَّ الغايةَ من الموافقةِ عليه كانت إنقاذَ ما يمكن إنقاذُه..
أو إنَّ ما وافقتْ عليه منظَّمةُ التَّحريرِ الفلسطينيَّةِ في أوسلو كان أقلَّ بكثيرٍ من الَّذي نصَّ عليه قرارُ التَّقسيمِ مِنْ حقوقٍ للفلسطينيين والعرب (الحِكمةُ بأثرٍ رجعيّ ومقارنةُ السِّيئِ بالأسوأ)..
أو إنَّ الواقعَ العربيَّ كان سيِّئاً جدَّاً، بحيث كان يتعذَّرُ التَّمسكُ بالمطالبِ العادلةِ للشَّعبِ الفلسطينيِّ كاملة.. الخ.
الواقع العربيّ الآن أسوأ؛ فهل هذا يبرِّرُ السَّيرَ على طريق كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو ومشروعَ حلّ الدَّولتين؟
بالمناسبة، الَّذين يؤيِّدون هذه الاتِّفاقيّات الاستسلاميَّة يدافعون عنها، هم أيضاً، بالمنطق نفسه.
القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ عند صدور قرار التَّقسيمِ كانت في بداياتِها، والكيانُ الصّهيونيُّ لم يكن قد أُعلِنَ قيامُه بعد. وهكذا، فالموافقة على قرار التَّقسيمِ، كانت مجرَّدَ سُلفةٍ مِنْ دونِ مقابل.
لم ينتهِ هذا الخللُ بعد. وأستغرِبُ الآن كثيراً عندما أجدُ بعضَ اليساريين، بل وبعضَ الشُّيوعيين، العرب، يتكلَّم عن القضيَّة الفلسطينيَّةِ كما لو أنَّه ممثِّلٌ لهيئة الأمم المتَّحدةِ وليس مواطناً عربيَّاً يكتوي هو وشعبُه بنيران هذه القضيَّة!
وهنا، أتوقَّف عند مسألة الدَّولةِ..
البرنامجُ الجديدُ لحزبِنا لا يتطرَّق إلى مسألةِ الدَّولة، بل يُركِّز على استيفاء الحقوق الوطنيَّة والإنسانيَّة المشروعة؛ التَّحرير والعودة والتَّعويض وحقّ تقرير المصير.. إذ يُفتَرض بالدَّولة أنْ تكون خاتمةً لتحصيل تلك الحقوق. وتقريرُ المصير، بالتَّحديد، يُفتَرَض أنَّه هو الَّذي يمكن أنْ يقود إلى قيام الدّولةِ بناءً على تفعيل الإرادة الشَّعبيَّة.
والواقع أنَّه يجري التَّعامي عن تلك الحقوق الأساسيَّةِ كلِّها مقابل التَّركيز على وهم الدَّولة، بل يجري الإيحاء بأنَّه يمكن التَّنازل عن أهمّ تلك الحقوق (وخصوصاً حقّ العودة وتقرير المصير) مقابل قيام الدَّولة.
وفي كلّ الأحوال، فإنَّ إمكانيَّةَ قيامِ دولةٍ فلسطينيَّةٍ عن طريق التَّفاوضِ هي وهمٌ محض، بل إنَّ صعوبةَ قيامها في هذه الحالةِ لا تقلّ عن صعوبة تحريرِ فلسطين.. ولا شيء ممكن، ضمن هذه الشُّروط، سوى سُلطة التَّنسيق الأمنيّ.
ويرى برنامجُ حزبِنا الجديدُ أنَّ «الصِّراع بين الشُّعوب العربيَّة وبين العدوّ الصّهيونيّ هو الصّراع المركزيّ للأُمَّة العربيَّة (ومِنْ ضمنها شعبنا الأردنيّ). والعنوانُ الرَّئيسُ لهذا الصِّراع هو النِّضال مِنْ أجل استعادة الأراضي العربيَّة المحتلَّة، وفي مقدِّمتها الأراضي الفلسطينيَّة، وإعادةِ جميعِ الحقوق الشَّرعيَّة إلى الشَّعب الفلسطينيّ». (وثائق المؤتمر، البرنامج السِّياسيّ ص 84).
التَّأكيدُ على مركزيَّة الصِّراع العربيّ الصّهيونيّ، ووضعُ القضيَّة الفلسطينيَّة في إطارِه، يلغي مقولةَ «نرضى بما يرضى به الفلسطينيّون» الشَّهيرةَ، حيث يُختصَر الفلسطينيّون في النِّهاية بجماعة أوسلو.
هذا السِّياقُ صمَّمته الأنظمةُ العربيَّةُ التَّابعةُ، والدَّوائرُ الإمبرياليَّةُ والصّهيونيَّةُ، لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة (بالأحرى، للالتفاف على الصِّراع العربيّ الصّهيونيّ) وتحميل المسؤوليَّةِ عن ذلك للفلسطينيين.
وبرأيي، فإنَّ المراجعةَ، الَّتي اشتمل عليها برنامج الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ الجديد، بخصوص القضيَّة الفلسطينيَّة (كما في الأمور الأخرى)، تقوم على مرجعيَّة ماركسيٍّة لينينيٍّة حقيقيّة..
وهنا، أُشير إلى أنَّ قيادة الأمميَّة الشُّيوعيَّة (الكومنتيرن) رفضت، بحزم ولمدَّة طويلة، كلَّ محاولات ما سُمِّي، في حينه، «الحزب الشُّيوعيّ الفلسطينيّ» الانضمامَ إلى الأمميّة الشُّيوعيّة، لأنَّ قيادتَه كانت يهوديَّة، مشترطةً عليه أنْ يعرِّبَ نفسَه؛ أي أنْ يجعل أغلبيّة قيادته وعضويّته عربيّة. ما يعني أنَّها كانت تنظر إلى فلسطين كُلِّها كأرضٍ عربيَّة وترفض تهويدَها. وفي كتاب سميح سمارة «العمل الشُّيوعيّ في فلسطين» شرحٌ مفصَّلٌ لهذه المسألة، مدعَّمٌ بوثائق الكومنتيرن.
ورفضَ المؤتمرُ الثَّاني للكومنتيرن، الَّذي عُقِدَ في العام 1920 برئاسة لينين، فكرةَ قيامِ دولةٍ يهوديَّةٍ في فلسطين؛ حيث اتَّخذ، بالإجماع، قراراً ينصُّ على ما يلي: «إنَّ المنشأة الفلسطينيَّة للصَّهاينة والصّهيونيَّة بوجهٍ عامٍّ، الَّتي تضع السُّكَّان الكادحين في فلسطين، حيث يمثِّل فيها الكادحون اليهود أقليَّةً لا تُذكر، ضحيَّةً فعليَّةً للاستغلال الإنجليزيّ، تحت زعم إنشاء دولة يهوديَّة في فلسطين، لَمِثالٌ ساطعٌ على خداع الجماهير الكادحة في الأمَّة المقهورة بواقع الجهود المشتركة لإمبرياليَّة الحلفاء وبورجوازيَّة الأمَّة المعنيَّة».
وأدان مؤتمرُ الكومنتيرن ذاك، نفسُه، الصّهيونيَّةَ باعتبارِها أداةً للبرجوازيَّة اليهوديَّة الكبيرة الَّتي تعمل مِنْ أجل تحقيق أهدافِها الإمبرياليَّة المغرضة. واعتبرَ تأييدَ الصّهيونيَّةِ على أيِّ نحوٍ، مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، لا يعني سوى أنْ يصبح المرءُ عوناً للحاخامات والبرجوازيّين وأنَّه يعمل في نهاية المطاف لصالح الإمبرياليَّة، الَّتي تستغلُّ الصّهيونيَّةَ كأداةٍ لتحقيق أهدافِها.
نُشير هنا إلى أنَّ الصّهيونيَّةَ ومشروعَها الاستيطانيّ جاءا في سياق الرَّدّ الإمبرياليّ على الشُّيوعيَّة. وجديرٌ بالذِّكر أنَّ «وعدَ بلفور» بإنشاءِ «وطنٍ لليهود» في فلسطين، قد صدر قبل ثورة أكتوبر/ تشرين الأوَّل 1917 السُّوفييتيَّة بأيَّام.
وفي العام 1919 قال عضوٌ في المحكمة العليا الأميركيَّة، لـ«بلفور»، بأنَّه قد شُغِفَ بالصّهيونيَّة. وبالتَّحديد، في البحثِ عن الطَّريق الَّذي مِنْ شأنِه عرقلة انتشار الأفكار الثَّوريَّة وسط اليهود. وردَّ بلفور قائلاً: «طبيعيّ أنَّ هذه الأسبابَ بالذَّات تجعل منك ومنِّي صهيونيّين مندفعين».
وكتب ونستون تشرشل، في العام 1920، وكان – آنذاك – يشغل منصبَ وزير شؤون القوَّات البريَّة والجويَّة البريطانيّة، بأنَّه يعتبر الصّهيونيَّةَ «ردّاً على الشُّيوعيَّة العالميَّة» في مجال المسألة اليهوديَّة، ولذلك فإنَّ الصّهيونيَّةَ، برأيه، «يجب أنْ تأخذَ بلُبّ الشَّعب اليهوديّ».
لقد بُنِيَت فكرةُ الاستيطان الصّهيونيّ في فلسطين على أساس اصطناع شعبٍ اسمه الشَّعبُ اليهوديّ. ويقول ماركس في مؤلَّفه «المسألة اليهوديَّة» بوضوح: «إنَّ القوميَّةَ الخرافيَّةَ لليهوديّ هي قوميَّةُ التَّاجرِ، إنسان المال بشكلٍ عامّ. وقانونُ اليهوديّ الَّذي لا أساس له ليس سوى الكاريكاتير الدِّينيّ للأخلاقيَّة الَّتي لا أساس لها وللقانون بوجهٍ عامّ وللطّقوس الشَّكليَّةِ حسب، تلك الَّتي يحيط عالمُ المنفعة الذَّاتيَّةِ نفسَه بها».
ويستخلص قائلاً: «حالما ينجح المجتمعُ في التَّغلُّب على الجوهر العمليّ لليهوديّ، على التَّاجرِ وشروطِه، يصبح وجودُ اليهوديّ مستحيلاً، لأنَّ وعيه لا يعود يملك موضوعاً، ولأنَّ القاعدةَ الذَّاتيَّةَ لليهوديَّة، وهي الحاجةُ العمليَّةُ، قد اتَّخذت طابعاً إنسانيّاً، لأنَّ النِّـزاعَ بين الوجود الفرديّ المحسوسِ وبين وجود النّوع البشريِّ قد أُلغي»."
أخيراً..
إنَّ مِنْ بين الأمور المهمّةِ، الَّتي أنجزَتْها عمليَّةُ المقاومة الفلسطينيَّة العظيمة في السَّابعِ مِنْ تشرين الأوَّل الماضي، هو أنَّها أكَّدتْ بقوَّةٍ ووضوحٍ أنَّ السَّيرَ في طريق الحلول الاستسلاميَّةِ عبثيٌّ وبلا أساسٍ وبلا مبرِّرٍ، وأنَّه لا حلَّ حقيقيَّاً سوى المقاومة.
مداخلة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب
في ندوة بعنوان: "القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي"
5 كانون الأول 2023
الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني الرفيق سعود قبيلات، الضيوف الكرام
الرفيقات والرفاق
الحضور الكريم
اسمحوا لنا ان نرحب جميعا اجمل ترحيب بالرفيق سعود قبيلات هنا في بيروت العروبة والوطنية، بيروت عاصمة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني. كان من الطبيعي ان نلتقي معا من اجل الوقوف عند التطورات السياسية الخطيرة التي تمر بها منطقتنا العربية ومنها بخاصة القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي ليس لمناقشتها فحسب بل لتحويلها الى أفعال، موجهّين معا في البداية تحية اجلال واكبار الى الشعب الفلسطيني وشهدائه وجرحاه ومهجريه والى مقاومته البطلة التي سطّرت أروع أساطير الصمود والبطولة بفصائلها كافة في قطاع غزة والضفة وفي قلب فلسطين وأراضي ال ٤٨، والى كل المقاومين وأهلنا الصامدين في الجنوب .
القضية الفلسطينية قبل 7 أكتوبر :
ما كان يجري قبل عملية 7 اوكتوبر هو تصفية القضية الفلسطينية وفق بنود صفقة القرن: نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني- تشريع «يهودية الدولة» العبرية – تراجع حتى عن اتفاق أوسلو حول القدس وحق العودة ووقف الاستيطان والامعان في القمع وضم الأراضي والطرد من المنازل والأبعاد والاعتقالات والاغتيالات وتسليح المستوطنين ودفعهم لارتكاب الجرائم على الشعب الفلسطيني فضلا عن مسلسل اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج وآخرها البدء بهذا المسار مع المملكة العربية السعودية من خلال الطريق التجاري الهندي وكان آخرها خريطة نتنياهو التي عرضها في الأمم المتحدة حول الشرق الأوسط الجديد التي تشطب فلسطين عنها ما يدل على ان القضية الفلسطينية بلغت حدود التصفية النهائية أي انها انتقلت من مرحلة التقسيم عام 1948الى التصفية النهائية عام 2023 .
مع بدء عملية 7 اكتوبر اعلن بايدن ضرورة تطبيق قرار "حل الدولتين" للتضليل والتعمية وهو من صرّح في اعلان القدس ان حل الدولتين ليس مطروحا في المدى المنظور؟ فمن يصدّق ان من أقر ودعم هذه السياسات وتلك الحروب التي شنت خلال ال75 سنة الماضية ولا يزال يدعم الآن نتنياهو في حربه على غزة وإلغاء حماس والمقاومة الفلسطينية ، يريد تطبيق "حل الدولتين".
القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر:
ستون يوما مضت على عملية 7 اوكتوبر جعلت القضية الفلسطينية القضية الأولى في العالم . اصابت الكيان الصهيوني بالضياع والصدمة واصبح بحاجة لأساطيل الامبريالية لحمايته بدل ان يقوم هو بحماية مصالحها الاستعمارية، فضحت حقيقة صورته وطبيعته الفاشية العنصرية امام شعوب العالم وامام حكومات وبرلمانات العالم . أحقت به خسائر سياسية وعسكرية ومالية واقتصادية حيث تفاقمت أزمة مشروعه مع اشتداد حالة العداء ضده على الصعيد العربي بعد أن وصل الى أفضل أحواله مع توسّع حالة التطبيع معه بحيث لم يعد الإقتصاد "الإسرائيلي" معتمدا على الأميركي، فأصابت الأخير بالعزلة الدولية في الأمم المتحدة فصوتت 120 دولة الى جانب وقف العدوان على غزة، بعد ان انكشفت "إسرائيل " كدولة احتلال استيطاني تنتهج الإبادة الجماعية وان الدول التي تدعمها هي دول استعمارية تدعم كيانا فاشيا - عنصريا خلافا لما تدّعيه من شعارات زائفة حول الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية والحريات العامة ، جمّدت مسار التطبيع وخاصة مع السعودية، واضطرت كل من مصر والأردن إلى رفض مشروع التهجير وطلب وقف العدوان...فرضت عملية تبادل جزئي للأسرى عن طريق المفاوضات غير المباشرة خلافا لما وعد نتنياهو بتحريرهم بالحرب. ادخلت بعض المساعدات الإنسانية وسط حالة معنوية فلسطينية عالية، اعادت للقضية وهجها العادل والمحق والإنساني وترسّخت قضية تحرر وطني واجتماعي للشعب الفلسطيني.
وحده انتصار المقاومة الفلسطينية في مجرى نضالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمسلّح، ومشاركة ودعم أحرار العالم وشعوبنا العربية وقواها التحررية ، سيشق - ولو بالتدريج – كما العديد من التجارب والثورات في العالم ، طريق تحرّرها من الاحتلال و نظام الفصل العنصري ليفرض بالنهاية تأمين حق العودة للاجئين واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس. فالكيان الصهيوني لم ينفذ ولا في أي يوم من الأيام الاتفاقيات التي عقدت معه ولا القرارات الدولية بما فيها حل الدولتين، بل استخدم المفاوضات واتفاقيات التطبيع التي جرت معه للأعتراف به وتصفية القضية الفلسطينية.
عملية 7 أكتوبر وموازين القوى
امام هذه التغطية السياسية والدعم العسكري والمهل الزمنية المفتوحة المعطاة من قبل الأميركي وحلفائه الغربيين وتواطؤ أنظمة التطبيع العربي بحيث لم يجد الشعب الفلسطيني لا نظاما عربيا واحدا ولا جامعة عربية ولا رئيسا ولا ملكا يتدخل لوقف العدوان المستمر حتى الآن على غزة، لم يجد الا شعوبنا العربية وشعوب العالم والأحزاب الشيوعية واليسارية والوطنية والقومية وحركاتها العمالية وقوى مقاومة في لبنان واليمن والعراق وسائر الدول ال120 التي صوتت لصالح وقف العدوان على غزة ومع ذلك فقد ضربت الولايات المتحدة الأميركية كل ذلك عرض الحائط واطلقت العنان للموجة الثانية من العدوان لمتابعة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني باساليب واسلحة اكثر وحشية وقتلا وتدميرا ما يستوجب رفع وتيرة التضامن الشعبي والدعم العسكري بما يؤمن حماية الشعب الفلسطيني ومقاومته من حرب استنزاف في غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية وبقاء وتيرة مشاركة الضفة الغربية والاسناد السياسي والعسكري لقوى مقاومة (أبرزها في لبنان واليمن) على ما هو عليه، الأمر الذي لم يستطع حتى الآن تأمين ميزان قوى قادر على فرض وقف اطلاق النار. ان استمرار العدوان على غزة وعلى الشعب الفلسطيني يكشف اختلال موازين القوى الدولية والإقليمية لصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها رغم التراجع الذي أصاب نفوذهما في المنطقة.
لا شك ان الأولوية يجب ان تكون لوقف العدوان على غزة واطلاق سراح جميع الاسرى. وهو ما يستدعي توسيع حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته وزيادة الضغط الدولي وهي مهمة كل أحرار العالم ولا سيما قوى اليسار العربي.
اليسار العربي ودوره المطلوب تجاه القضية الفلسطينية:
تتنوع وتتعدد تلاوين قوى اليسار العربي كما تختلف في منطلقاتها الفكرية وبرامجها وفي أساليب عملها وتشكيلاتها التنظيمية. لكن ما يعنينا الآن في هذه المحطة التاريخية هو ان تكون قوى اليسار العربي موحدة في موقفها مما يجري وفي قلب المعركة الدائرة الآن وجزءا لا يتجزأ منها ، مقدمة كل ما لديها من إمكانيات وطاقات انتصارا لقضية فلسطين قضية العرب المركزية لتكون بذلك أمينة للتاريخ النضالي لشعوبنا العربية ولتضحيات الشهداء وللتجارب المشرّفة في مواجهة الاستعمار الذي يحاول ترسيخ احتلاله في غير مجال ، فشعوبنا العربية في الشارع تتظاهر تنديدا بالعدوان، وأنظمتها في مكان آخر. هكذا كان المشهد عندما انتفضت ضد أنظمتها دفاعا عن حقوقها السياسية والاجتماعية، وها هو المشهد يتكرر اليوم في تظاهراتها دفاعا عن القضية الوطنية والقومية ، الأمر الذي يؤشر الى مشروعها بقيام حركة تحرر وطني عربية تولد في المعارك من رحم مقاومة عربية شاملة تتوحّد فيها طاقات القوى اليسارية والتقدمية حول أولويتين متلازمتين ومتكاملتين: أولوية المقاومة بكل الوسائل بما فيها خصوصا المقاومة المسلّحة ضد العدوان الصهيوني والاحتلال الأجنبي، وأولوية مواجهة نظم التبعية والقمع والإستبداد السياسي والإجتماعي التي شكّلت تاريخياً المرتكز الداخلي الفعلي لهذا العدوان.
وبعد أن أسقط العدو الصهيوني المدعوم أميركيا كلّ الاتفاقيات والقرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، فإنه بات مطلوبا التأكيد أكثر من ذي قبل على مركزية هذه القضية، بكل مضامينها ومندرجاتها، كركن أساسي في عملية تجديد حركة التحرر الوطني، وصولا إلى وضع حدّ نهائي للإحتلال الصهيوني وتحرير الأراضي العربية في لبنان وسوريا والعراق وتصفية الإنتشار العسكري الإمبريالي في المنطقة العربية.
وإنه لمن واجبنا كأحزاب شيوعية عربية وكيسار عربي إستخدام كل أشكال النضال الملائمة والمطلوبة، كلّ في بلده بالدرجة الأولى وعلى المستوى القومي عموما، من أجل تشكيل كتل شعبية وازنة وصولاً إلى تعديل وتحسين موازين القوى الداخلية، وبالتالي العربية. إن العمل على بناء هذه المقاومة ينطوي على إنضاج الظروف المؤاتية لتعزيز دور قوى اليسار العربيّ في إنتاج مشروع إنقاذيّ جذريّ بديل. مشروع يكون مستقلاً قبل كل شيء، فيفرض هو على الآخرين أن يختاروا بينه وبين سائر المشاريع المطروحة، بدل أن يفرض عليه دوماً الإختيار بين هذا أو ذاك من المشاريع الجاري ترويجها على المستوى الإقليمي. وهذا اليسار يجب أن تكون له هويته الواضحة ومبادؤه وقيمه القائمة على التصدّي للإمبريالية والصهيونية، وعلى خوض النضال الدؤوب من أجل فك التبعية السياسية والإقتصادية والعسكرية. كما أن هذا اليسار يجب أن يكون وفيٌّا للمباديء الديموقراطية ولقيام دول عربية علمانية مقاومة، لا دول قائمة على أساس ديني وطائفي وأثني تبرّر للكيان الصهيوني قيام "دولته" العنصرية اليهودية. ويجب أن يكون هذا اليسار أيضا في طليعة النضال ضد الإستغلال الطبقي، ومدافعا عن مصالح الجماهير العربية الكادحة المناضلة لتحسين شروط حياتها المعيشية وخوض معركة التغيير الديمقراطي ضد أنظمة القمع والإستبداد والإستغلال. وعلى هذا اليسار أن يثبت لهذه الجماهير أن مقاومته ضد العدو تتجاوز تحرير الأرض إلى تحرير الإنسان من الإستغلال الطبقي والإجتماعي. ومن موقع مشروعه فان التقاطع مع بعض قوى المقاومة لا يعني الالتحاق بها ولا يمنع انتقادها والتحذير من مخاطر مساوماتها، كما ان انتقادها لا يعني الاصطفاف مع القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية ، بل ان التركيز على ابراز أوجه التمايز والاستقلالية عبر تظهير مشروع اليسار التحرري الوطني والاجتماعي بصفته مشروعا ضد الهيمنة الامبريالية والصهيونية والتبعية وضد الاستغلال الراسمالي للبرجوازية المحلية وانظمتها السياسية.
لبنان:
يعيش لبنان أخطر الأزمات في تاريخه المعاصر، حيث بلغت ذروتها بتهديد وجوده وطناً وكياناً، فهو في قعر الانهيار الشامل ويطاوله العدوان الأميركي – الأطلسي الصهيوني على منطقتنا ، باعتباره جزءا منها، وله أرض محتلة وما يرتكبه هذا العدو من جرائم في غزة وفلسطين ، سبق وقام به في لبنان وقاومه شعبنا وحزبنا منذ اربعينيات القرن الماضي من الحرس الشعبي الى قوات الأنصار وصولا الى اطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الي حرّرت ثلثي الأراضي اللبنانية الى ان استكمل انجاز التحرير مع المقاومة الاسلامية . فمنذ بدء عملية 7 اكتوبر كانت جبهة الجنوب اللبناني ولا تزال جبهة دعم واسناد للمقاومة الفلسطينية وضمن قواعد الاشتباك حيث استشهد ما يقارب التسعون مقاوما لحزب الله بينهم قادة عسكريون كما سقط للاعلام ثلاثة شهداء فضلا عن مجزرة عيناتا التي ذهب ضحيتها ثلاثة أطفال وجدتهم، إلى جانب استهداف عدد من منازل المدنيين ونزوح أهالي القرى الحدودية الى القرى الخلفية.
لقد اعلن حزبنا موقفه بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته وبادر الى الدعوة للتجمع في 8 اكتوبر في ساحة رياض الصلح وبعده جاء نداء اللجنة المركزية الداعي للانخراط في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية باعتباره جزءا من المعركة وفي قلبها ، فمقاومة هذا العدو الصهيوني، ووقف عدوانه على لبنان ، اذا ما حصل، مهمة مقدّسة لا تحتمل النقاش والمساءلة، ونحن نعمل لتوفير مستلزماتها وفي مقدمها وضعه ضمن مشروع سياسي وطني متكامل يتجسّد في قيام جبهة وطنية ديمقراطية من اجل بناء دولة وطنية ديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية والتقدّم والاقتصاد المنتج، دولة مقاومة تقوم بواجباتها بالدفاع عن سيادة لبنان، خلافاً للدولة الطائفية الفاشلة التي لطالما تخلّت ولا تزال عن القيام بهذا الواجب. انه مشروع سياسي على أساسه ننطلق لقيام أوسع تحالف سياسي واجتماعي، يناضل من أجل التغيير في صلب النظام الراسمالي وطائفيته وتبعيته وفي مواجهة التهديدات الامبريالية والصهيونية تحت عنون القرار 1701 ومندرجاته (القرارين 1559 و)1680 وانشاء المنطقة "الامنة" بين الخط الأزرق ونهر الليطاني باعتبار هذا المشروع هو الاجندة السياسية المطلوبة لانتخاب الرئيس الجديد وتشكيل الحكومة وذلك تمهيدا للمشاركة بالمفاوضات التي يخطط لاجرائها حول غزة والجنوب معا ، وما على لبنان الا الاختيار اما تنفيذ هذه القرارات أو تحمل مسؤولية العدوان الصهيوني ."