الثلاثاء، كانون(۱)/ديسمبر 24، 2024
تصوير وسام اندراوس
تصوير وسام اندراوس

المسار القانوني لحق عمل الفلسطينيين في لبنان

فلسطين

إبّان تولّي أمين الجميل مقاليد الرئاسة في لبنان، مُنِع الفلسطينيون من مزاولة حوالي ٧٠ مهنة. لم يكن غريباً هذا الأمر، إذ إنّ اليمين اللبناني لطالما اعتبر أنّ الحرب الأهلية وما سبقها كان بسبب الوجود الفلسطيني في لبنان، فكان عقاب اليمين آنذاك بمنع الفلسطينيين من العمل، وبالتالي حرمانهم من أبسط مقوّمات العيش. إلّا أنّ هذا المسار بدأ يتطور لصالح اللاجئين الفلسطينيين بدءاً من عام ٢٠٠٥ حين تولّى طراد حمادة وزارة العمل، فعمد إلى إصدار المذكرة رقم 1/ 67 التي أتاحت للمهنيين الفلسطينيين العمل في المهن اليدوية والمكتبية المحصورة مزاولتها باللبنانيين دون غيرهم، بشروط معيّنة، أبرزها أن يكون من الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، وأن يكون مسجّلاً في سجلات مديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية.

التطور الثاني والذي يوازيه أهمية كان عندما أصدر المجلس النيابي خلال عام ٢٠١٠ القانونين رقم ١٢٨ و١٢٩ والذي أدرج خلالهما تعديلات جوهرية على قانوني العمل والضمان الاجتماعي. بموجب القرارين، أٌعفي اللاجئ الفلسطيني جزئيّاً من شرط المعاملة بالمثل، ومن رسوم إجازة العمل، وأتاح له الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة، استثناه من تقديمات صندوقي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية، على الرغم من إخضاعه لتسديد الحصص من الاشتراكات المترتبة عليه كاملة. وأهم ما ورد في تعديلات المادة 59 من قانون العمل اللبناني رقم 128 والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي رقم 129: "إلغاء رسم إجازة العمل؛ إلغاء شرط المعاملة بالمثل، إفراد إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حساباً منفصلاً مستقلاً لديها للاشتراكات العائدة للعمال من اللاجئين الفلسطينيين، على ألّا تتحمّل الخزنة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي التزام مالي تجاههم؛ الاستفادة من تقديمات تعويض نهاية الخدمة وطوارئ العمل".

بموازاة التطور في المسار القانوني الذي يرعى عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، برز عدد من العوائق والإشكاليات العملية التي حالت دون تطبيق قانوني عام ٢٠١٠ وهي:
أوّلاً: أن أرباب العمل اللبنانيين كانوا يغضّون الطرف عن استصدار إجازة عمل للعامل الفلسطيني لأنّ ذلك سيلزمهم بالتصريح عنه للضمان الاجتماعي، وبالتالي وضع مساهمة لصندوق الضمان تقدّر ب ٢٣ ٪ للأجنبي. إذاً التهرب الذي مارسه أرباب العمل اللبنانيون من تسجيل الأجراء الفلسطينيين يشبه إلى حدٍّ كبير التهرب من تسجيل الأجراء اللبنانيين في الضمان الاجتماعي.
ثانياً: أنّ استصدار إجازات عمل للأجراء الفلسطينيين كان مرهوناً باستنسابية وزير العمل في تطبيق القوانين. على سبيل المثال، في الفترة التي تولّى فيها شربل نحاس وزارة العمل كان حريصاً على تطبيق القانون فيما لم نشهد الحرص نفسه من وزراء العمل الذين تعاقبوا بعده.

وإذا أردنا التحدث عن سوق العمل اللبناني، فإنّ فوضى عارمة تعتريه بسبب عدد من العوامل مثل عدم تطبيق القوانين، وفي حال تطبيقها يحدث ذلك استنسابياً، بالإضافة إلى طغيان العمل غير النظامي على قطاعاته. ولكي ندحض مقولة السلطة السياسية في تنامي العمل غير النظامي مع بداية الأزمة السورية، يكفي أن نستعرضَ دراسةً أجراها البنك الدولي في لبنان عام 2010 أي قبل الأزمة السورية بعامٍ واحد فقط. وتفيد بأن إجمالي عدد العاملين غير النظاميين في لبنان يُقدّر بنحو 56% من مجموع القوى العاملة. ووفقاً للعديد من الدراسات والأبحاث، فإنّ العمالة السورية الوافدة إلى لبنان بدءاً من عام ٢٠١١ بالإضافة إلى العمالة الفلسطينية في لبنان لم تكن تنافس نظيرتَها المحلّية إلّا في استثناءات قليلة، ذلك أنّ السوريين والفلسطينيين دأبوا على ممارسة مهن متدنية الانتاجية Low productivity jobs))، وهي أصلاً مهن لا يعمل بها اللبناني كالزراعة والبناء وغيرها من المهن الحرفية. ما يدحض مقولة السلطة السياسية بأنّ اليد العاملة الأجنبية تنافس العمالة المحلية.

ضمن هذه الفوضى في سوق العمل بأسره وفي ظلّ الخصوصية الفلسطينية في لبنان، أتت خطة وزارة العمل "مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية " والتي سنسجّل عليها الملاحظات الآتية:
أوّلاً: أتت هذه الخطة بعد حملات عنصرية ضدّ اللاجئين السوريين في البلد من قبل أحزاب سياسية فاعلة أبرزها التيار الوطنيّ الحر. وكان المقصود بالحملة العمالة السورية، إلّا أنّ موضوع العمالة الفلسطينية استجدّ وكأنه دخل في سياق مزايدة سياسية-طائفية لكسب ودّ الشارع المسيحي بين التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية – وهو الحزب الذي ينتمي إليه وزير العمل.
ثانياً: إنّ القوانين التي ترعى استصدار إجازات عمل للفلسطيني كانت موجودة أصلاً وليس ذنب الأجير الفلسطيني إذا كان ربّ عمله لم يبادر إلى إصدار تلك الإجازات، فكان الأجدى بالوزارة تطبيق القانون منذ العام ٢٠١٠ وليس اليوم!
ثالثاً: للفلسطيني خصوصية في لبنان لناحية وضعيته القانونية، ذلك أنه وبخلاف الأجانب الذين يضطرون إلى الحصول على إقامات وتجديدها دوريّاً، فإنّ إقامة اللاجئ الفلسطيني في البلد هي إقامة مؤقتة إلى حين عودته إلى بلده، وهذا يستتبع تحديثات على النظم القانونية الموجودة وبالأخص حقيّ العمل والتملك.
رابعاً: يعتقد بعض الفلسطينيين في لبنان أنّ حصولهم على إجازات عمل، أسوةً ببقية غير-اللبنانيين- سيدفع بالدولة اللبنانية إلى معاملتهم كأجانب، وبالتالي نزع صفة اللجوء عنهم. وتزداد تلك المخاوف بعد تقارير دولية تفيد بإلغاء وكالة الاونروا تدريجيّاً، على أن يصبح الفلسطينيون تحت مسؤولية الدول المستضيفة لهم.
خامسا: انّ إعلان الخطة أتى بعد أسبوعٍ واحد على انعقاد "مؤتمر البحرين" حيث زادت المخاوف الفلسطينية من أن تكون هذه الخطة تمهيداً لدخول لبنان إلى صفقة القرن من بوابة هذا القانون.

 

 

 

# موسومة تحت : :