عامٌ دراسي مأزوم... والوزير يجمع "القروش"
"المتعاقدون"... نحو التصعيد
وها هم، "متعاقدو" التعليم الأساسي الرسمي يستعدون للعودة إلى الشارع، رافعين صرخاتهم مجدّداً، إذ سئموا خمسة عشرة عاماً من التحركات وانتظار الأمل بتحقيق الوعود، وآخرها وعد وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب في آذار الماضي، الذي لم يترجم على أرض الواقع حتى الآن؛ لا بالحصول على راتب شهري وبدل النقل والدورات التدريبية، ولا بانضمامهم إلى الضمان الاجتماعي.
وبعد استراحة "متعاقد" انتظر تحصيل الحقوق دون جدوى، تمّ تهميش ملف الأساتذة المتعاقدين في المقابل بلجنة التربية النيابية، إضافة إلى المماطلة المعتادة في الحصول على باقي المستحقات المالية، نفّذت لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي اعتصاماً أمام وزارة التربية ــ الأونيسكو يوم الخميس 12 أيلول الجاري، مطالبين بـ "التثبيت، إذ تدفع وزارة التربية 130 مليار ليرة سنوياً مستحقات للأساتذة المتعاقدين من اعتماداتها في وزارة المال، لذا، وعند تثبيتهم تحول هذه المستحقات إلى رواتب، وبالتالي لا تعتبر تثبيت المتعاقدين توظيفاً جديداً".
وأعلن المعتصمون في بيان أن "الأساتذة هم بلا أبسط مقومات العيش، والأهالي يصرخون من أقساط المدارس الخاصة أو يبكون على أبواب المدارس الرسمية، والطلاب يدفعون الثمن"، مؤكدين أنهم لن يتنازلوا عن حقهم في التثبيت.
كما طالبوا شهيب إلى حين التثبيت "تنفيذ وعده بإعطاء الأساتذة أبسط حقوقهم، وهي الضمان الصحي بدل النقل - راتب شهري، كذلك تحويل الأساتذة الإجرائي من بند 14 المساهمات إلى بند 13 الرواتب، وحتى الآن لم يحصلوا على مستحقاتهم، ودفع السلسلة للأساتذة المستعان بهم قبل الظهر وبعده، ودفع السلسلة لأساتذة الإجازة المهنية، وحماية الأساتذة المتعاقدين والذين هم على نفقة صناديق المدارس الذين سحبت منهم ساعاتهم، إضافة إلى دفع ثمن ساعات الدورات التدريبية التي يجبر المتعاقد على القيام بها"، ملّوحين بتنفيذ خطوات تصعيدية لاحقة".
وفي سياق متصل، نفّذ الأساتذة المستعان بهم للتدريس في التعليم الثانوي، اعتصاماً أمام وزارة التربية الأربعاء 11 أيلول الجاري، اعتراضاً على "التهميش في حقهم منذ ست سنوات"، مندّدين بـ "الإجحاف والتهميش غير المسبوق الذي يمارس في حقّهم"، مطالبين بالحصول على التعاقد الوظيفي مع احتساب سنين الخبرة ورفع أجر الساعة.
وأكّدوا أن "لا عقد عمل رسمي ينظّم علاقتهم الوظيفية كما لا حقوق لهم في بدلات النقل والطبابة، أو أي نوع من الضمان الصحي، ولا يسري عليهم أي تعديل في الفئات الوظيفية، ولا يحق لهم المشاركة بالمراقبة في الامتحانات أو في تصحيح الشهادات، ولا يتمتعون بأدنى حق من حقوق المواطن اللبناني".
المعاناة متسمرة...
أما أزمة المدرّسين "المتعاقدين" لتعليم التلامذة النازحين السوريين فما زالت مستمرة.
ست سنوات مرّت على فتح المدارس الرسمية لتعليم الطلاب النازحين السوريين في الدوام المسائي، والحكومات المتعاقبة تعتمد سياسة استعطاف المجتمع الدولي لزيادة التمويل من الدول المانحة بحجة تأمين العلم لكلّ نازح من جهة، وفي المقابل تنتهج سياسة الاستخفاف والمماطلة تجاه الهيئة التعليمية الخاصة بهذا الملف من جهة أخرى.
عودٌ على بدء، يبدأ العام الدراسي وينتهي وما زال الأساتذة "المتعاقدون" لتعليم النازحين السوريين في لبنان، والذين لا تنطبق عليهم صفة "المتعاقد" أو بدعة "المستعان بهم" في دوامة الوعود بظهور "هلال" الراتب الموعود.
يستغرب "المتعاقدون" تلك "التطمينات" التي باتت لا تطمئن، فلم يعد يخفى عليهم أن الدولة تتقاضى مبلغ قدره ست مئة دولار عن كلّ طالب سوري من الدول المانحة، وأن الاعتمادات المالية تقبع في البنوك، كما تقتطع الوزارة من الأجر الفعلي المخصّص من الأمم لكلّ حصة تدريس، إذ تعطي الأساتذة أقلّ من نصف المبلغ المفروض والذي لا يتعدّى حتى الـ 12 دولار. وككلّ عام تبدأ المعاناة في انتظار راتب الفصل الأول، وتلقّي الوعود التي تترجم بين شهري أيار وحزيران، أما الفصل الثاني فحدّث ولا حرج.
وأكّد أمين سر رابطة التعليم الأساسي في لبنان الأستاذ حسين جواد، أنه "حتى الآن لم يحدّد تاريخ دفع المستحقات عن العام الماضي؛ لا نسبة صناديق المدارس المتبقية ولا أجور الهيئة التعليمية عن الفصل الثاني".
وها هو السيناريو المعتاد يتكرّر، ولكن مع زيادة أيام المماطلة والوعود، فحتى الآن لم يتقاضَ الأساتذة مستحقات الفصل الثاني، لذا قرّروا الضغط على الوزارة، وأطلقوا حملة الكترونية أواخر شهر آب الماضي، عمدوا خلالها إلى إرسال رسائل نصيّة إلى مسؤولة وحدة التعليم الشامل في وزارة التربية، صونيا خوري، التي تعنى باللاجئين، وإلى وزير التربية أكرم شهيب على رقمه الخاصة وكافة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذه المرة، نجحوا بإيصال صوتهم إلى الوزير الذي بادر بعد أن انهالت عليه آلاف الرسائل إلى ردٍّ "غير مبرّر" عبر تسجيل صوتي (واتساب) لإحدى المعلمات طالباً منها إيصال التطمينات والوعود إلى زملائها، ومفادها أنه منهمك في العمل وحريص على إعطاء الناس حقوقها و"كلّ ما يصير معنا عشرة قروش عم بنصرفها عالناس وعلى حق المعلم"، مؤكّداً على أنه يبذل جهداً لإعطاء المعلّم حقوقه قبل بداية العام. إلاّ أن هذا الرد أجاز إلى طرح السؤال المكرّر أين تذهب الاعتمادات المالية المخصّصة من الدول المانحة التي تدخل إلى وزارة التربية كلّ عام...؟!!
رسائل الوزير...
أما عن ردّ شهيب على الرسالة الموحّدة، تقول إحدى المعلمات بتول د. "قررنا شنّ هذه الحملة بعد أن يئسنا من اهتمام المعنيين بقضيتنا، فتوجّهنا بهذا النص "حضرة وزير التربية ألف تحية. نحن أساتذة بعد الظهر في التعليم "السوري" نسأل عن مستحقاتنا، فنحن حتى الحين لم نقبض أتعاب السنة الماضية. وأنتم ممّن لا يضيّع حق الأستاذ، وأنتم الحريصون على التعليم وجودته. نسألكم عن موعد المستحقات ويرجى التعجيل، فنحن لدينا التزامات وعائلة ومدارس كيف يُعلّم الأستاذ ولا يملك القدرة كي يكفي ذاته وعائلته؟"، مستغربة رده بعدما الجواب يتيماً ولكن له وقع الدويّ (نجمع القروش ولا اعتمادات)، معلنة الاستمرار في الحملة "ليس لنا سوى أنفسنا نبحث عن ناصر لقضيتنا ونيل حقوقنا، وللأسف ننتظر أن يلتفت المعنيون إلينا ويعطونا الخبر اليقين في بلد لا يعلو فيه إلّا صوت النافذين".
المستجدات...
بعد الانتظار والملاحقة والمماطلة، هلّل الأساتذة لما اعتقدوه "الخبر اليقين" ومفاده أن "مستحقات أساتذة الإرشاد التربوي والصحي المستعان بهم في تعليم "الدوام المسائي" قد تمَّ تحويلها إلى البنك المركزي"، ليُفاجأوا بلجوء الوزير شهيب بعد رسالته الصوتية اليتيمة إلى اعتماد الحظر على حسابيْ الفيسبوك والواتساب لمحاصرة رسائل الأساتذة التي اجتاحت حساباته للأسبوع الثالث على التوالي لمعرفة مصير مستحقاتهم.
بالإضافة إلى قرار آخرٍ ويتضمّن "للأسف للمستعان بهم في دوام ما بعد الظهر لم تتوافر بعد الأموال... أما المتوافر منها لا يغطّي كافّة الحوالات لكلّ الأساتذة... وأخذوا القرار إلى أن يكون التحويل لكافّة الأساتذة دفعة واحدة".
وعن هذه التطورات، أكّد أحد الأساتذة (أ. م) أن الوزارة "اعتمدت تخديرنا بخبرية صرف مستحقات الزملاء في الإرشاد التربوي والصحي... أولاً، لأن عددهم قليل، والتي يبدو أنها لم تطالهم جميعاً حتى. وثانياً، لأنها تعلم حاجتنا لهذا المشروع بعد أن سدّوا كافّة المنافذ أمامنا للتوظيف أو التعاقد...!".
"متعاقدون"، "مستعان بهم"، "أساتذة الدوام المسائي" تسميات مختلفة لمعاناة واحدة تدّق ناقوس الخطر، ضحيتها الكثير من حاملي الإجازات التعليمية، تخرّجوا من جامعاتهم بانتظار فتح أبواب مجلس الخدمة المدنية لإجراء مباريات التثبيت، أو انتظار التعاقد، أو يأملون إنصافهم بعد نجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، وجدوا في هذا المشروع خلاصهم من البطالة، وإن بساعات تعاقد قليلة، لتأمين مصاريفهم الشخصية. وإذا بهم يكدّسون الديون عليهم، بسبب عدم وفاء وزارة التربية بالتزاماتها، وحجز مستحقاتهم وتأخيرها.