الثلاثاء، تشرين(۲)/نوفمبر 19، 2024

فلسطينيو لبنان ما بين وبائيْ عنصرية سلطات الطائف و"الكورونا"

لبنان
"الفلسطيني بأرضو حتى تعود أرضو" هو وسم أطلقه الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، استنكاراً لتعميم حكومي لبناني أمني قضى "بعدم السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان من العودة للبلاد ضمن الرعايا العالقين في الخارج"، مما أثار جدالاً واسعاً لهذه الممارسات العنصرية الفاضحة. وترافق الوسم مع نشر عدد من الانتقادات ووثائق عن "الدستور الفلسطيني عام 1928 ومنها أنّ "اللبناني داخل الأراضي الفلسطينية لا يعتبر أجنبياً، يعامل كالمواطن الفلسطيني في الحقوق".


وأما الشرارة الأولى لإطلاق هذه الحملة التضامنية جاءت بعد إقدام عنصران من الأمن اللبناني المتواجدين على متن إحدى الطائرات المتوجّهة من دبي، على منع طارق أبو طه شاب فلسطيني حامل للوثيقة اللبنانية، من العودة إلى لبنان، بالرغم من ورود اسمه ضمن ركاب الطائرة المتوجهّة إلى بيروت، والسبب لأن والده فلسطيني. كما وجّها عبارات نابية ولا سيما قول أحدهما لطارق: "هذه الوثيقة للزعران"، ساخراً من الوثيقة الفلسطينية الخاصة والصادرة عن الجمهورية اللبنانية.
يُذكر، أنه تمّ إلغاء كل أسماء اللاجئين الفلسطينيين من خطط العودة إلى لبنان بسبب تعميم صادر عن الأمن العام اللبناني إلى طيران الشرق الأوسط بتاريخ 30 نيسان/أبريل الماضي، يقضي بعدم السماح للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئين في لبنان (أي إن كان اللاجئ يحمل وثيقة سفر فلسطينية أو جواز سلطة) بالعودة إلى لبنان على متن طائرات إجلاء اللبنانيين من الخارج. والذي نصّ على تعديل المقصود باللبنانيين العائدين إلى عائلة اللبناني (زوج، زوجة، أولاد) من دون السماح بمرافقة الخدم والأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان.

إلّا أن هذا التعميم العنصري، سبقه أيضاً ممارسات مشابهة، شهدتها طائرات الإجلاء الأولى، والتي كُشفت بعد رفع عدد من الطلاب اللبنانيين والفلسطينيين الصرخة، استنكاراً لمواصلة المحسوبيات والواسطة، والتي ظهرت في الأسماء التي استفادت من الطائرة المجانية التي كان من المفترض أن تقوم بإجلاء المحتاجين كالكبار في السن والمرضى أو غير الميسورين مادياً... ليتفاجأوا أن نحو 75 % من الأسماء المستفيدة مخالفة للمعايير الموضوعة. وعلى سبيل المثال، ما حصل في مدينة جينوا الإيطالية مع الطالبة الفلسطينية عبير بركات، لبنانية الأم، التي زفّت خبر عودتها إلى أهلها في لبنان، وسارعوا لاستئجار منزلاً لها بالتنسيق مع البلدية لتطبق الحجر الصحي، بعد تأكيد السفارة اللبنانية في روما لها باتصال يوم الخميس 9 نيسان/ أبريل الماضي بقبول طلب عودتها على متن الطائرة المجانية المقدّمة من ليلى الصلح حمادة، ثم أرسلت لها ورقة الموافقة التي تسمح لها بالتجوال داخل الأراضي الإيطالية والتوجّه إلى مطار روما، مع استمارة أخرى لملء معلومات خاصة بحجز تذكرة رحلة السفر إلى بيروت. وعن هذه القضية قالت بركات في حديث لـ "النداء" أنها "سارعت مع طلاب آخرين في 10 نيسان/ أبريل الماضي إلى حجز مقعد في القطار الوحيد المتوفر إلى روما للمبيت ليلة بالمطار قبل السفر. ثم أُبلِغت قبل موعد السفر بساعات قليلة فجر يوم الجمعة 10 نيسان الماضي بإلغاء اسمي باللحظات الأخيرة"، وتابعت "تفاجأت جداً، وعندما تساءلت عن السبب زعمت الموظفة أن اسمي ورد منذ البداية عن طريق الخطأ، مشيرة أن ليلى الصلح اشترطت عمراً معيناً يشمل مواليد عام 2000 وأنت مواليد 1995، وزلّ لسانها أنه باسبوري فلسطيني".
وأكّدت بركات أن تلك الحادثة طالت طلاباً فلسطينيين من مواليد عام 2000، و"تفاجئنا أن هناك لبنانيون مواليد التسعينيات وردت أسماؤهم، مما أكد شكوكنا أن "هويتنا الفلسطينية" هي سبب تراجع المعنيين في إجلائنا. وسمعنا أنهم يتحجّجون بمخاوف من نشر الكورونا في المخيمات بحال عودتنا"، مشدّدةً على أنها حاولت الاتصال بالسفارة والسفيرة في روما ولكن دون ما جدوى، "مما اضطررت لنشر رسالتي على موقع الفيسبوك، للحصول على استفسارات حول هذه القضية، كي لا نصاب بالخيبة مرة أخرى بحال تقديم طلب للسفر عند تجهيز طائرة ثانية"، وحتى الآن لا جواب من المعنيين لعبير وزملائها الطلاب من الجنسيتين اللبنانية والفلسطينية بخاصة سوى "البلوك" من السفيرة.
التساؤلات التي تهرّب منها المسؤولون في السفارة ووزارة الخارجية اللبنانية، جاءت أجوبتها بقرار الأمن العام الأخير لتصدق شكوك بركات وغيرها. وعن إمكانية عودتها الآن، قالت "جميعنا كطلاب حالتنا مزرية ونفضّل العودة طبعاً، ولكن لا يمكننا دفع تكلفة تكت السفر الذي يبلغ 1004 دولارات". واستطردت "أن الوضع مأساوي جداً والمصاريف زادت علينا بفعل البقاء بالمنزل تطبيقاً لضرورة الحجر. وأيضاً نحمل هم أهلنا الذين يحاولون إرسال المصاريف دون جدوى بسبب السياسات النقدية للمصارف في لبنان والتي بدأت منذ أشهر، ومع أننا لا ندفع أجارات السكن حالياً، إلّا إننا لدينا مخاوف إلى متى سيصبر صاحب الملك علينا. وللصراحة اقترضت ثمن حجز تذكرة السفر بالقطار إلى روما، وخسرت الأموال المتبقية".

"حقّ العودة"... بشروط!
أثار تعميم الأمن العام مطلع الشهر الجاري بحصر "حق العودة" إلى لبنان باللبنانيين ويستثني الفلسطينيين غضب الفلسطينيين العالقين في الخارج، واللبنانيين المتضامنين أيضاً. إلّا أن الأمن العام أكّد أن التعميم هو تنفيذ لقرارات مجلس الوزراء. ورغم الانتقادات التي طالت الأمن العام والدولة، عاد المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه في 5 أيار/ماي الجاري وأكّد على قراره السابق، على الرغم من طلب المدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم تعديله والسماح للفلسطينيين بالعودة.
ولكن على وقع الاستنكارات الفلسطينية واللبنانية، وبعد سلسلة اتصالات أجراها اللواء إبراهيم مع السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور وقيادات فلسطينية، ومع رئيس الحكومة حسّان دياب ووزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي، طرأ تعديل على قرار حصر العودة باللبنانيين على متن طائرات الإجلاء من الخارج، ليطال أيضاً الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر لبنانية، إلّا أنه جاء مشروطاً، بحسب ما ذكر بيان طيران الشرق الأوسط الثلاثاء 12 أيار/ماي الجاري، الذي يؤكّد أنه "في حال توافر أماكن شاغرة، يسمح للمسافر الفلسطيني الذي يحمل وثيقة سفر لاجئ صادرة عن السلطات اللبنانية بالقدوم إلى لبنان على متن رحلات الإجلاء"، وبقي القرار مجحفاً بحق الفلسطينيين الذين لم يعامَلوا معاملة اللبنانيين.

بانوراما العنصرية...
لغة العنصرية المتكررة، قد شهدناها مؤخراً منذ شهر، حيث نشرت صحيفة الجمهورية كاريكاتيراً في 14 نيسان/أبريل الماضي بذكرى الحرب الأهلية، يربط بين صورة الفلسطيني في بداية الحرب الأهلية اللبنانية وفيروس "كورونا".
وأيضاً في منتصف شهر تموز/ يوليو العام الماضي، شهدت المناطق اللبنانية والمخيمات تحركات احتجاجية واسعة لبنانية وفلسطينية، رفضاً لقرار وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان، الذي يلزم اللاجئين الفلسطينيين الحصول على إجازات عمل أسوة بباقي العمّال الأجانب المقيمين على الأراضي اللبنانية، وبالرغم من محاولات الالتفاف على الإقرار من قبل الوزير الذي أشار خلال مؤتمر صحفي أنه "حصل لغط فيما يتعلق بالإخوة الفلسطينيين"، زاعماً أنه "لا قرار يستهدفهم أو يصيبهم بل تطبيق لخطة عمل، وهذه الخطة تطلب من العمال غير اللبنانيين تطبيق القانون والحصول على إجازة عمل"، معترفاً بأن الفلسطينيين "لديهم معاناة ونحن نريد مساعدتهم وليس زيادة مشاكلهم، ونقدم لهم تسهيلات ومنها عدم دفع رسوم للحصول على إجازات العمل، كما طلبت تسهيل وتسريع عملية إعطائهم الإجازات".
إلّا أن حجج أبو سليمان، وأيضاً محاولات التطمين من مسؤولي السلطة الفلسطينية بمعالجتها الأمر مع الحكومة اللبنانية، لم تهدّئ غضب الشعبين الفلسطيني واللبناني، بل استأنفت التحركات في الشارع لعدم تراجع وزير العمل عن قراره.


"فليسقط النظام..."
هذا جزء من معاناة الشعب الفلسطيني في لبنان، وحرمانه من أدنى حقوقه الإنسانية. ومن المفترض أنّ أيّ شخص مقيم في لبنان وهو حالياً خارجه يحقّ له العودة إلى البلد في حال كان أحد والديه لبنانياً، حيث أكّد وزير الخارجية اللبناني "اعتماد مبدأ المساواة بين اللبنانيين وأولاد وأزواج اللبنانيات الأجانب في عملية الإجلاء من دول الإغتراب في ظلّ أزمة كورونا" في منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي. إلّا أن تلك التصريحات، تبقى مجرّد استعراضات إعلامية، تترجم بمواصلة نهج العنصرية المتزايدة من قبل أقطاب السلطة في لبنان، وأيضاً بالتمسّك من جهة أخرى بسياسات الحكومات المتعاقبة والنظام السياسي الطائفي، حفاظاً على مصالحها ومقاعدها، مدافعة عن قراراتها "العنصرية"، ومتجاهلة صرخات اللبنانيات المتزوجات من أجانب بحقهن في منح المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها وزوجها. ولكن عندما يرتبط الأمر بالشؤون السياسة، نرى بعضهم يتسابق لإقرار مراسيم التجنيس للتنازل للدول الغربية التابع لها، تنفيذاً لتطبيق الصفقات الصهيو ـ أميركية.
وحتى لو تم تعديل هذا القرار التمييزي "العنصري" الصادر عن اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات، وسمح دون شروط للمقيمين الفلسطينيين المغتربين من العودة إلى لبنان ممن يحملون وثائق سفر صادرة عن السلطات اللبنانية المختصة، تلبية لضغوطات اتصالات "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، فالإشكالية تكمن بالنظام، وما التعميمات المجحفة سوى قشور تطفو على أسطح خفاياه المتعفنة، بالإضافة للوضع الاقتصادي الذي يشكل عائقاً أمام من سُحبت أسماءهم باللحظة الأخيرة بعد تكبدهم تحمل تكلفة بطاقة السفر والتي رفضت شركة الطيران استبدالها كما حصل مع طارق على طائرة دبي.
وبعيداً، عن مسألة حق المرأة اللبنانية بمنح "الجنسية" وضرورة إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، بالرغم من الحجج بأنه لو تم إقراره أيضاً يستثنى منه أولاد اللبنانيات المتزوجات من فلسطيني. إلّا أنه تبقى قضية فلسطين وشعبها اللاجئ القضية الوطنية الأساسية، فكيف بالأحرى، لبلد كلبنان معروف بوطنيته، وإطلاقه أنبل ظاهرة في التاريخ العربي وهي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام 1982، التي لقنت العدو الصهيوني دروساً وصبغته بهزيمة فراره هارباً مستسلماً من العاصمة بيروت، رافعاً الراية البيضاء، وسبقها تشكيل قوات الأنصار والحرس الشعبي بناءً على التوصيات التي أقرهاّ المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي اللبناني (الذي انعقد بتاريخ 4-5-6 تموز 1968) في إنشاء لجنة عسكرية عليا فـي "الشيوعي" تقوم بإعداد الحزب عسكرياً لتنفيذ مهمتين أسـاسـيتين؛ المهمة الأولـى التصـدّي للاعـتداءات الإسـرائيلية التي كانت قـد بدأت تتصاعد فـي نهاية 1965، والمهمة الثانية الإعداد لمواجهة خيار البرجوازية المعتمدة العنف الرجعي، من خلال اللجوء إلى العنف الثوري.
*مجلة النداء العدد 377
22 أيار 2020