الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

ما الأخطر: «كورونا» أم تعاطي الطبقة الحاكمة مع الوباء؟

  جوزف عبدالله
لبنان
ما هو فيروس «كوفيد 19»؟ وكيف نشأ وانتشر كوباء قاتل ومداهم؟ أسئلة في العلوم الطبية الصحيحة مثيرة للاهتمام بلا شك، ولكنّها ليست من اختصاصنا. فيروس «كورونا» القاتل، نترك للأطباء ولعلماء الحياة والفيروسات الكلام فيه.


ما يشغلنا أمر آخر لا يقلّ أهمية ومداهمة عن فيروس «كورونا». إنه كيفية تعاطي الطبقة الحاكمة في لبنان مع وباء هذا الفيروس. تبدو لنا الطبقة الحاكمة، وكأنّها وجدت ضالّتها في هذا الفيروس، الذي جاء ليسهّل عملها في السيطرة والتحكّم بالناس. ولربما كان لهذا الفيروس العضوي «كوفيد 19» توأم اجتماعي هو «فيروس الطبقة الحاكمة»، بحيث يتضافر عمل الفيروسين في الفتك بطبقات اجتماعية معيّنة.
ما هو هذا الذي نسميه «فيروس الطبقة الحاكمة»، وكيف نحدّده؟ إنه قرارات وإدارات وسياسات الطبقة الحاكمة في مواجهة فيروس «كورونا». ولكن من هي الطبقة الحاكمة؟ ونقول أيضاً الطبقة السائدة أو حيتان المال، أو الرأسمالية النيوليبرالية في لبنان، أو الأوليغارشية، أو المالقراطية أو... إنها هذه المحالفة الطبقية المتكوّنة من قيادات الأحزاب والتيارات السياسية الطائفية، إنها هذه المحالفة المتنوعة الطوائف بين رجال المصارف والاحتكارات التجارية والعقارية ومافيا الفساد ونهب المال العام. هذه المحالفة هي المتحكمة بالنظام السياسي الطائفي والمستفيدة منه والحريصة عليه. وهذه الطبقة الحاكمة هي جزء عضوي تابع لطبقة الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة، والقابضة على النظام الاقتصادي العالمي النيوليبرالي.
هذه المحالفة تعبّر عن نشاطها، من خلال الحكومة الراهنة، عبر برنامج لمواجهة وباء فيروس «كورونا» المندمج بوباء فيروس الطبقة الحاكمة. وعندما نتحدث عن الحكومة الراهنة، يجب أن يبقى حاضراً في ذهننا أننا نتحدث عن حكومة تمثل كل المحالفة الطبقية السائدة التي وصفناها للتو أعلاه، ولا نقصد فريقاً منها وهو الممثل في هذه الحكومة الحالية فحسب. فضلاً عن أن علينا أن لا ننسى وليد جنبلاط المتمثل بوزير(ة) في الحكومة، ولا ننسى أن شرعية هذه الحكومة مستمدة من حضور ودعم تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الجنبلاطي في جلسات الثقة، وفي مشروع موازنة الحكومة الراهنة، وفي سوى ذلك. وعليه، نقول إن الحكومة الراهنة تمثل، في نمط مواجهة وباء «كورونا»، جوهر مواقف كل فئات الطبقة السائدة.

اتجاهان أساسيان في المواجهة العالمية لوباء «كورونا»
الاتجاه الأول، اعتمدت كتلة البلدان الرأسمالية الغربية (الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي، اليابان...) منهجاً يعتمد على المحافظة على استمرار الحياة الاقتصادية في وتيرتها المعتادة، والتعاطي مع تفشي الوباء، وفق مقولة «مناعة القطيع» مع المبدأ الداروني: البقاء للأصلح والأقوى في مواجهة الوباء. وكان الرأي أن الفيروس ليس مميتاً بشكل خاص واستثنائي بين الفيروسات. صحيح أنه قد يسرِّع بوفاة كبار السن والمرضى، ولكن علينا التفكير بجدوى المحاولات لإبقاء الجميع على قيد الحياة إلى الأبد. فهل هذا الأمر ينجح؟ ولكن هذه البلدان ومنها خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، عادت إلى منطق مغاير مع استفحال انتشار الوباء ودعت، بأشكال متفاوتة، إلى الحجر المنزلي وتقييد التواصل الاجتماعي، والتدخل لدعم الاقتصاد والفئات الفقيرة.
الاتجاه الثاني، جسّدته الصين وكوبا، بشكل خاص. وهو يقوم على وقف فوري لكل الأنشطة الاقتصادية والتواصل البشري، واعتماد الحجر المنزلي الإلزامي، لحصر انتشار الوباء ومنع تفشيه. وتقوم الدولة بتوفير أسباب الحياة والمعيشة للجميع وهم في منازلهم. ولقد كان هذا الأسلوب ناجحاً، حتى الآن، في التخفيف من الخسائر الصحية البشرية، وفي العودة إلى استئناف الحياة الاعتيادية بالتدريج. هنا برز النموذج «الاشتراكي»، أو «رأسمالية الدولة»، بأنه أكثر فعالية وأكثر إنسانية من النموذج الرأسمالي المعولم، في حماية غالبية الناس وفي إنقاذ الاقتصاد معاً.
اتجاه ثالث محدود، جسدته السويد. على الرغم من تشجيع السلطات للناس على إبطاء وتقليل تحركاتهم، إلا أن الصناعة استمرت تعمل، والمدارس ودور الحضانة مفتوحة؛ كما تعمل المقاهي والمطاعم، والقطارات تسير، ولا توجد دوريات للجيش في المدن السويدية. حاولت وسائل الإعلام السويدية الليبرالية نشر الذعر، ولكن تم التحكم بها بسرعة. يبدو أن النخب السويدية قررت أنها إذا سمحت بانهيار الصناعات السويدية بفعل الحجر، فستجد السويد نفسها راجعة إلى حالة بؤسها في القرن التاسع عشر. فللسويد عقليتها المستقلة وغريزتها القوية، في المحافظة التي سمحت لها برفض اليورو والتنقل بين المعسكرات المتحاربة طوال القرن العشرين. هذا بالإضافة إلى روسيا وبيلاروسيا، الباقيتين على مسافة وسط بين الحجر المنزلي المتشدد والحرية المطلقة.

كيف واجهت الحكومة اللبنانية وباء الكورونا؟
في الأحداث (الكوارث) الكبيرة، غالباً ما يستوقفنا جانب أو تفصيل أو تدقيق أكثر من غيره لندرك كامل المأساة التي تواجهنا. المأساة التي تواجهنا جميعاً، والتي اتخذت مساراً مذهلاً نحو الهاوية، المأساة التي سيظهر أخيراً وجهها المأساوي فعلاً. لنتوقف أمام بعض ما ورد في حديث وزير الصحة في 22 آذار.
الفشل التاريخي في البنية الصحية: كشف حديث وزير الصحة، أولاً، الفشل التاريخي المطلق للطبقة السائدة في السياسة الاستشفائية، خصوصاً لجهة الاهتمام بالقطاع الاستشفائي العام، المهمل بكل تفاصيله وخطوطه العريضة. مستشفيات مضى على تأسيسها أكثر من عقود، وليس فيها من الاستشفاء غير الاسم: أبنية مستأجرة، إدارة وموظفون فحسب. فهي مجرد واحدة من «عدة الشغل السياسي» للطبقة السائدة. إنها مواقع لتوظيف الأزلام والمحاسيب وهدر المال العام. ليس هذا الفشل نتيجة عدم دراية المسؤولين، بل هو نتيجة منطقية ومقصودة لمنطق يحكم الطبقة السائدة في إدارتها للبلاد: السعي وراء استخدام المال العام لتجميع زبائنية الطوائف والمناطق، من جهة، والسعي من جهة أخرى، وراء الربحية الرأسمالية المطلقة (الحرام قبل الحلال)، في الاستشفاء الخاص عبر مؤسسات تعمل لصالح الأحزاب والتيارات الطائفية التابعة لرموز هذه الطبقة الحاكمة، مقابل الإهمال المطلق لما تستلزمه الرعاية الصحية للفقراء.

كشف حديث وزير الصحة الفشل التاريخي المطلق للطبقة السائدة في السياسة الاستشفائية، خصوصاً لجهة الاهتمام بالقطاع الاستشفائي العام

التسويف في التجهيز: حديث وزير الصحة كشف، ثانياً، خطة قائمة على مبدأ «سوف وسوف وسوف». من ذلك قوله لا نزال في المرحلة الأولى، نحضر للثانية، وسنعمل للثالثة... سنعمل على تأمين 250 جهازاً تنفسياً من دولتين. توفرت الأموال من البنك الدولي... المهم أن الأجهزة ستتأمن... ولكن متى؟ بعد ثلاثة أسابيع (لماذا هذه السرعة؟ هل يتوقع بعد ثلاثة أسابيع عدد الإصابات؟). ترى هل سيصل التسويف بالمستشفيات الحكومية إلى العمل، بعد انتهاء جائحة «كورونا» من القضاء على المواطنين؟ علاوة على التسويف في تجهيز مؤسسات الاستشفاء، يسوّفون في توفير المساعدات المطلوبة للفقراء والمعوزين والممنوعين من العمل بفضل منطق الحجر المنزلي ومنع التجول ليلاً.
الإعلام والتخويف: لنأخذ ما تقوم به اليوم وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، مجموعات الواتساب...): بلاغات دورية يومية، وعلى مدار الساعة أحياناً، لعدد المصابين، والمحتملين بالإصابة والمتوفين و... فيكون المواطنون أمام منشورات نعي دائم، ما يوحي بطقوس جنائزية دائمة، وما يخلق مشاعر قلق متفاقمة لدى الناس وحالة لا يعيشها الناس مع أيّ مرض آخر، أو حالات وفيات أخرى، ودونما أي معيار مرجعي لتصور نهاية هذا الجو الجنائزي المهيمن. فقط الخوف من الوباء كان يمكن أن يجعل الناس يتقبلون أي شيء تطرحه السلطة، وهذا ما فعله الهلع من «كورونا».
تُخضعنا السلطات لمشيئتها دوماً بالخوف، وبحيث يبقى البحث عن الخبز هو النشاط الوحيد المسموح به، ولا مزيد من التظاهرات أو التجمعات، ومطلوب التباعد الاجتماعي بدلاً من التضامن. (هل من الصدفة، في اليوم الذي اتّخذ فيه قرار منع التجول من السابعة مساءً حتى الخامسة صباحاً، تم إحراق بعض خيم الاعتصام في ساحة الشهداء. وما معنى ذلك؟).
سادة الخطاب الذين يصفهم فوكو في «حفريات المعرفة» (1969)، أسياد الكلام، أسياد التفكير، أسياد العالم ويعتبرهم محتكري اللغة، نجدهم في فضائياتنا اللبنانية ويومياتنا الصحافية... يبشرون بالخطر المميت لفيروس «كورونا»، وينشرون الذعر والهلع. تتبعوا الأخبار في هذه الأيام، تجدون هذه الفضائيات تعمّم التسول وتسبح بحمد المتبرعين، وتعمم هستيريا الخوف، وتدعو إلى الحجر. إن الليبراليين، قوات الصدمة من سادة الكلام، يريدون حالة من الحصار والقيود التي تضمنها القوى الأمنية، يقترحون علينا الخضوع للخوف والفقر والمراقبة.
التخويف والحجر المنزلي: أول وصفة في اختراعات «فيروس الطبقة الحاكمة» هو الحجر المنزلي الإلزامي لجميع المواطنين. لا تسأل هذه الطبقة الحاكمة كيف نمنع التجول والحركة عن جميع المواطنين المياومين، عن السائقين والعمال والفعلة وسائقي سيارات الأجرة و... الذين من خلال عملهم اليومي يتمكّنون من تحصيل لقمة عيشهم مع عيالهم. فمن أين سيأكل ويطعم عائلته كل هؤلاء؟ هل فكرت هذه الطبقة الحاكمة بتوفير أبسط ضرورات مستلزمات الحياة لهؤلاء، المأكل والمشرب؟ بالطبع لا. هي لا تفكر بغير كيفية استمرار نهبها وسلبها والمحافظة على ما نهبته وسلبته.
كان لبنان يمر بأزمة اقتصادية حادة فجرت انتفاضة 17 تشرين، أزمة شهدت انهيار وإفلاس الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة ورفعت نسبة العاطلين من العمل لدرجة كبيرة. إن الدعوة إلى الحجر المنزلي وتطبيقه زادت من عملية تفكك الاقتصاد الحقيقي، ووقع المزيد من العمال في البطالة وازدادت وستصبح أوضاع الناس محفوفة بمخاطر العوز والفقر والجوع.
في بلدان العالم، يتم تسجيل العاطلين من العمل في مكاتب الاستخدام الرسمي. أين نحن في لبنان من هذه المسألة؟ هل لحظ حديث وزير الصحة (وخطة الحكومة) عدد المحتاجين إلى الطعام والشراب مع الزيادة المتسارعة للعاطلين عن العمل بعد إقفال المؤسسات الإنتاجية؟ هل لدى الحكومة لوائح بأسماء ومواقع هؤلاء؟ كل ما لدى الحكومة هو التهديد والوعيد (كما جاء على لسان وزير الداخلية) سنعاقب على مستويات مخالفة حظر الحجر المنزلي. هل يُعقل أن تُقر الدولة بتوزيع إعانات غذائية لمدة شهرين بكمية من المواد قيمتها 180 ألف ل.ل.، وذلك على حوالى مئة ألف عائلة؟ أليس من الجريمة والعيب أن لا تكون هناك إحصاءات ومعلومات عن حجم الأسر الفقيرة تاريخياً والأسر التي انحدرت إلى الفقر مع انهيار المؤسسات الاقتصادية ومع قرار عدم التجول؟ كل دعاية نهاية العالم والقضاء على كل المجتمع إنما هي من أجل إبقاء السكان في خوف وجعلهم طيعين للغاية، فيقبلون، بدون اعتراض، بجميع التدابير المبيدة للحريات، تحت عنوان أن ذلك هو «من أجل مصلحتهم».
كيف نشأ وانتشر فيروس «كوفيد 19»؟ سؤال مثير للاهتمام، ولكنه قليل الأهمية لنا الآن. أما كيف ينشأ الهلع؟ ومن يخلق الذعر؟ ومن يستخدمه؟ ولتحقيق أي أهداف؟ هذا هو المهم. ومن يفعل كل ذلك فهم سادة الكلام والإعلام. هؤلاء السادة لديهم وسائل الإعلام، ولديهم المفكرون والخبراء. الذعر من الكورونا ليس ظاهرة طبيعية، بل هو ظاهرة اصطناعية تتجاوز وظيفتها الحماية من الوباء لتصل إلى حالة القمع الداخلي الذاتي.
التكافل ورفض النقد: كثيراً ما يطالعنا أهل الطبقة الحاكمة، خصوصاً جماعة الحكومة، بالدعوة إلى التضامن الاجتماعي والابتعاد عن النقد المتبادل وتسجيل المواقف والكلام السياسي، على اعتبار أن الزمن هو لمواجهة الوباء ولترسيخ التكافل الاجتماعي والتعاون للنجاح في الحرب ضد الوباء. وذلك على اعتبار أن المعركة في وجه وباء «فيروس كورونا» ليس فيها أي مجال للتعبير السياسي أو للنقد السياسي، فالأولوية الوحيدة هي لمواجهة وحشية الفيروس. فاليوم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، مع وباء فيروس «كورونا».
اعتادت الطبقات الحاكمة في عالمنا العربي على رفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. والطبقة الحاكمة في لبنان جزء عضوي من الطبقة الحاكمة العربية في رفع لواء هذه النغمة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». تفتيت دولة المواطنة باتجاه دويلات الطوائف: من أخطر ما ينجم عن مسلك الحكومة والطبقة السائدة في مواجهة وباء «كورونا» العمل الحثيث لتعميق بنية الطوائف في إدارة الشؤون العامة للمواطنين. إننا نشهد قيام الأحزاب والتيارات الطائفية مقام الدولة في مواجهة وباء «كوفيد 19» بوباء فيروس الطائفية. حزب الله نظم بنيته السياسية لتُكوِّن بنية شيعية استشفائية وتمريضية ورعائية. وسبقه جنبلاط إلى ذلك. ولحق به التيار العوني. وكثير من المناطق تسعى قياداتها السياسية إلى نفس الفعاليات. فماذا يبقى للدولة أن تفعله؟

لا بد لصوت النقد أن يعلو في عز المعركة
أما نحن، فنرى من جهتنا، أنه لا بد في مواجهة «فيروس كورونا» من مواجهة فيروس «الطبقة الحاكمة» أيضاً. ولا بد في هذه المعركة من الكلام في السياسة مباشرة ومن دون أي مواربة. فهذه المعركة هي سياسية وإيديولوجية أكثر مما هي معركة صحية. وذلك لأنها معركة يخوضها المقيمون في لبنان، بينما يقودها ويجسدها احتكار خطاب لا يعود إلى رجال المعالجة الصحية ولا علماء الفيروسات أو الأطباء أي دور فيه، بل هو خطاب رجال السياسة فحسب وفي الأساس.
ثمة طريقتان لمواجهة وباء «فيروس كورونا». الطريقة الأولى: تعزيز الوسائل والخدمات الطبية العامة (الحكومية)، وبذلك يُسمح للناس بممارسة حياتهم لأنه من الممكن توليها بفعالية من قبل الاستشفاء العام. وإما حجر المواطنين في «سجون فردية» لأن الأجهزة الطبية العامة هي في الأصل، وفي الأزمنة العادية، غير قادرة على توفير المعالجة. وهذه على العموم هي الطريقة التي تعتمدها الأنظمة الاشتراكية التي ترفع من قيمة الشخص الإنساني على قيمة البنية الاقتصادية.
الطريقة الثانية التي يعتمدها النظام النيوليبرالي المعولم، إذ يتعمد سياسياً العمل على إلغاء أي احتمال للطعن بهذا النظام النيوليبرالي الذي يقدس منطق الربح الفردي ومراكمته مهما كانت الظروف. ولذلك يتم الاحتفاظ بهذه الطريقة، ويجب أن تكون معولمة. لأنه بخلاف ذلك، أي بوجود نقيضها، سيصبح من المستحيل إخفاء عيوب وخلل النظام النيوليبرالي المعولم. ويواجه هذا النظام المعولم أي تفكير مخالف له لأنه لا يشجع عليه بالطبع. كما يتعرض البلد المخالف للنظام النيوليبرالي المعولم إلى ضغط كبير لينثني بسرعة عن مساره.
هذا الذي نتعرض له كمواطنين فقراء، مخطط بسيط على العموم ولكنه هش للغاية. ويرتبط نجاح فرضه علينا بسلبيتنا كمواطنين. وعلينا بالتالي ألا نكون سلبيين. بوسعنا رفض الهلع ورفض البقاء في الحجر ورفض تعويم رجال المصارف والانقياد إلى الطبقة السائدة. بدل أن يدفع الفقراء الثمن، يمكننا أن نجعل الأغنياء يدفعون الثمن للآخرين، حيث يجري تحويل رأس المال في الاتجاه المعاكس. دعونا نترك تكاليف أزمة «كورونا» لحيتان المال الذين استفادوا على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة من السياسات الاقتصادية والمالية لحكومات الطبقة السائدة.
لتكن أزمة كورونا فرصة جيدة لقضاء المزيد من الوقت مع أحبائنا، ولنستعد معهم، ولنعدهم، إلى اليوم الذي يتوقف فيه خطر الوباء، فنستأنف معركة انتفاضة السابع عشر من تشرين.
* كاتب لبناني

*المصدر: جريدة الأخبار