الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

حكومة "الترهل" تتهاوى أمام "فجور الفساد" وتحديات "اليوروبوندز" و"الكورونا"

لبنان
    لم ينتظر اللبنانيون المنتفضون في الساحات للشهر الخامس على التوالي، من حكومة لم يمنحوها الثقة أصلاً، التصريح الذي سمعوه على لسان رئيسها حسان دياب أمام أعضاء السلك القنصلي في السرايا الحكومية في الثاني من آذار الجاري، معرباً عن أسفه لأن "الدولة اليوم لم تعد في ظل وضعها القائم قادرة على حماية اللبنانيين. وهي في مرحلة ترهّل إلى حدّ العجز. والوطن يمرّ بحالة عصيبة جداً. واللبنانيون قلقون على حاضرهم ومستقبلهم، والخوف يتمدد من الوضع المالي إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى الهموم الصحية الداهمة... وبكل شفافية فقدت هذه الدولة ثقة اللبنانيين بها".
وكذلك إعلانه في السابع من آذار من السرايا أيضاً بحضور الوزراء نتيجة الاجتماع المالي الموسع الذي أقيم في القصر الجمهوري، بحضور الرؤساء الثلاثة، ومفاده قرار تعليق دفع سندات اليوروبوندز، مشيراً "أن احتياطاتنا من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً"، وإن "الدولة غير قادرة على تسديد الاستحقاقات المقبلة"، فقد "كان الفساد في البداية خجولاً، ثم أصبح جريئاً، وبعد ذلك صار وقحاً، إلى أن أصبح فاجراً، جزءاً رئيساً من مكونات الدولة والسلطة والمجتمع".
كلام دياب لم يقدّم للمنتفضين ما هو جديداً، بل أكّد ما حذّروا منه ولمسوه حتى قبل النزول إلى الشارع في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، وكذلك خلال الانتفاضة وبُعيد استقالة حكومة الحريري، حيث طالبوا بحكومة انتقالية وطنية مؤقتة تعمل على عدد من المَهمات أبرزها انتخابات نيابية مبكرة على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي واعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، واستقلالية القضاء ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة والأملاك العامة...   فيروسات لبنان تتزايد
لبنان بلد يفتقر لأدنى مقوّمات الدولة، تحكمه سلطة فاسدة أغرقت البلاد في الدين العام والبطالة والتقنين والتلوث والانهيار منذ ثلاثين عاماً حتى الآن. ولم يختلف نهج حكومة دياب عن سابقتها، لا من ناحية معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، أو معالجة التحديات الطارئة وحتى الكوارث الطبيعية المتوقعة.
وها هو لبنان انضم بسبب الإهمال واستعراضات وزير الصحة إلى قائمة البلدان المصابة بفيروس كورونا المستجد اعتباراً من العشرين من شهر شباط الماضي، ومنذ ذلك التاريخ اختلط الهلع بالعلم، والحقيقة بالشائعة، والأخبار الصحيحة بالأخبار الكاذبة. وكأن اللبنانيين لا تكفهم فيروسات البلد السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية، لتنضم إليها الفيروسات الصحية، التي كشفت هشاشة حكومة "الأخصائيين".
ولمواجهة مخاطر وتداعيات هذه الأزمة، أطلق لبنان حالة استنفار واسعة على مستوى حكومته ووزاراته وإداراته وهيئاته المعنية، واتخذت خلية الأزمة الوزارية فيه جملة إجراءات صارمة أبرزها: منع السفر إلى المناطق المعزولة التي سجلت إصابات في كل من الصين وكوريا الجنوبية وإيران ودول أخرى. ومنع تصدير معدات الوقاية الفردية الطبية. إنما تلك الإجراءات لم تكن بالجدية الكافية إلّا بعد ظهور الإصابة الأولى، وأغلبها بقي مجرد استعراضات. وحتى في الأسبوع الثاني لوصول أول طائرة من إيران توالت حالات الإصابة تباعاً، ومنها أربع حالات أصيبت عبر العدوى من أشخاص وافدين مفترض أنهم في مرحلة العزل المنزلي.
وبعد مرور 11 يوماً على تسجيل أول إصابة في لبنان، بلغت الإصابات 13 في الثاني من آذار الجاري، واللافت أن الحالات الثلاث التي تم تشخيصها كانت على احتكاك مباشر مع المريض الذي أدخل منذ أيام وهو من التابعية السورية، ما يطرح تساؤلات عدة منها؛ كيف كان هذا الاحتكاك؟ وما هو عدد الذين احتك بهم؟ لماذا لم تُتّخذ الإجراءات اللازمة لمعالجته قبل نشر العدوى؟ وما فعالية العزل المنزلي؟... وللأسف، رغم كل الإرشادات والتوجيهات، فإن البعض ما زال يتعاطى مع هذا الفيروس العالمي باستخفاف، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه وأولهم وزارة الصحة.
أما قرار تكليف البلديات بمتابعة "العزل المنزلي الذاتي" لكافة الوافدين من إيران وغيرها، أظهر عدم فعاليته خاصة لناحية غياب الوعي عند البعض منهم لجدية هذا الإجراء وأيضاً ضعف إمكانيات البلديات اللوجستية والمادية كافتقارها للجهاز الصحي الكفوء.
وها هو فيروس كورونا يفتك وبوتيرة متصاعدة، وفي اليوم الخامس عشر على تسجيل أول إصابة به، شرّع وزير الصحة "الهلع" معترفاً يوم الجمعة 6 آذار الجاري خروج لبنان "من مرحلة احتواء الفيروس إلى مرحلة انتشاره" وذلك تزامناً مع بلوغ الإصابات إثنين وعشرين إصابة...
هذا الواقع دفع "بلجنة كورونا" إلى اتخاذ سلسلة تدابير أبرزها: تمديد إقفال المدارس والجامعات ودور الحضانة أسبوعا آخر، أي إلى 14 آذار، وإقفال الأندية الرياضية والملاهي الليلية ودور السينما والمعارض والمسارح وإجراءات أخرى...
إلّا أن إجراءات الوقاية من "الكورونا"، سواء من الإدارات المعنية، ومن المواطنين، بطيئة جداً، وكأن وصول الإصابات إلى أكثر من خمسين إصابة، مع تسجيل حالة وفاة يوم الثلاثاء الماضي، ليس كافياً للمعنيين ليتخذوا قرارات بالإجراءات التي يجب أن تتخذ من قبل، سواء على مستوى رحلات الطيران، أو على مستوى المعابر، أو على مستوى الأمكنة التي تشهد تجمعات وحتى إعلان حالة الطوارئ وتجهيز المستشفيات.   "لا داعي للهلع"، و"سنموت قريباً"...
ها هو "الكورونا" يغزو العالم، والوعي مطلوب في كل الدول، ومنها لبنان الذي زعم وزير الصحة حمد حسن أن البلد تحوّط للوباء بإجراءات لم تترجم فعلياً أي تطمينات على الأرض وبخاصة في بدعة ما سمي "العزل المنزلي" الذي تبين مدى فشله، منوّهاً مع ظهور الحالة الرابعة المصابة أننا الآن في مرحلة "الاحتواء" وما كاد يكرر دعوته بعدم الهلع، حتى أعلنت الوزارة عن إصابة ثلاث حالات مؤكدة جديدة ومن الطائرة الأولى.
وفي مرحلة "الاحتواء" سجل لبنان 16 إصابة يوم الأربعاء 4 آذار ومنها اكتشفت بتاريخ 3 آذار لفتاة وافدة بالطائرة الأولى ولم تلتزم العزل هي و6 آخرين من بلدتها شقرا، كما اختلطت برفاقها في مدرسة تبنين.
وكأن تطمينات حسن إلى اللبنانيين ولا سيما بعبارته الشهيرة "لا داعي للهلع" هي دعوة معاكسة، إذ أن تلك العبارة أعادتهم إلى تطمينات حاكم مصرف لبنان الكاذبة بعبارة "الليرة بخير" من جهة، وأيضاً هم لا يملكون الثقة بحكومة "المحاصصات" التي يصرّ أفرقاؤها على أنها حكومة "اختصاصيين" وهي عكس ذلك، ورسبت في امتحانها الأول وهو التعامل مع استحقاق تسديد اليوروبوندز. وأما امتحانها الثاني فهو احتواء فيروس كورونا.
"لا داعي للهلع"، "سنموت قريباً" و"اهلعوا"...من الأوسمة الأكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي الذي سارع اللبنانيون باستخدامها سخرية من استعراضات وزير الصحة الذي صرّح قبل وصول الفيروس إلى البلد أن العلاج متوفراً بحال وصلنا "الكورونا". وبينما تلهث الحكومات وهيئات الصحة، بحثاً عن لقاح يوقف انتشار الفيروس، استمر الوزير بعراضاته. عن أي علاج يتحدث ولو كان اختصاصياً أو حتى متابعاً للأبحاث أو مطلعاً على بعض التقارير والمقالات لكان أدرك أن العلاج غير متوافر حتى الساعة، سوى ما أعلنته شركة "غريفيكس" المتخصصة بالهندسة الوراثية في الولايات المتحدة السبت 22 شباط الماضي، أنها توصلت إلى علاج لهذا المرض، وأن الخطوة التالية قبل الحصول على موافقة بالتسويق له من السلطات الأميركية، سيجري اختباره على الحيوانات. وفي حال تمت الموافقة على اللقاح من جانب الحكومة، فإن الشركة ستوزّعه مجاناً في بلدان أخرى بخلاف الولايات المتحدة. ولكنه لن يكون بالمتاح قبل فصل الصيف أو الخريف.
كذلك، تعمل الصين وبلدان أخرى على العديد من التجارب والأبحاث لإيجاد اللقاح.   إجراءات وزارة التربية
استعان وزير التربية والتعليم العالي د. طارق المجذوب بوزارة الإعلام لإطلاق حملات التوعية والتشديد على تطبيق التعميم رقم سبعة والمتعلق بالوقاية تحت طائلة المسؤولية، وأطلقت وزيرة الإعلام عبارة: لا هلع ولا استسهال.
وعشية ارتفاع صرخات الأهالي وتنفيذهم بعض التحركات الاحتجاجية تعبيراً عن مخاوفهم من انتشار الفيروس في المدارس، أصدر المجذوب مساء الجمعة 28 شباط الماضي تعميماً على المدارس والمهنيات التزام الإقفال ونشر التوعية مدة أسبوع وإعداد مادة الدرس لتعويض التلامذة. عن واقع المدارس ومدى جهوزيتها للوقاية والحد من الانتشار فيروس كورونا كان لمجلة "النداء" لقاءات مع بعض الأفراد من الهيئة التعليمية وأهالي التلاميذ للإضاءة حول الموضوع.
ورأى الأستاذ أنور حسن أن "البلد يمرّ حالياً بأزمة اقتصادية ومالية وإفلاس بسبب سياسات الهدر ونهب ثروات البلد والتجويع. وجاء "الكورونا" ليزيد أعباء تلك الأزمات، خاصة أننا لسنا محضرين له ولا نمتلك أي نوع من أنواع الوقاية المسبقة لهكذا تحديات، وللأسف ننتظر الكارثة لتقع وحينها نعمل على حلها. ورأينا كيف وصل الفيروس إلى لبنان، وكيف سارع المعنيون للانهماك في عملهم، ولكن ضمن نطاق الاستعراضات أكثر من تطبيق هذه الإجراءات عملياً على الأرض وبخاصة في المدارس، إذ تفتقر للجهوزية ولا تملك أي نوع من أنواع الوقاية أو الحماية، وبالأخص في ظل عدم توفر الأموال فيها لتأمين التجهيزات المطلوبة والتي هي أمور بسيطة، فصناديق المدارس الرسمية فارغة منذ مدة ويتقاضون مستحقاتهم بالتقسيط".
وأضاف "هناك دورات تدريبية تُقام، ولكن هناك "تخبيص"، ومع أن هناك تنسيقاً ما بين وزارتي الصحة والتربية، ولكنه تنسيق متواضع والفيروس ينتشر بسرعة ويتزايد عدد المصابين".
وعن تحضيرات مدرسته الرسمية ذكر حسن أنها "عقدت محاضرات توعية للتلاميذ تمحورت حول الفيروس والإجراءات المفروض اتباعها"، معتبراً "نظرياً قمنا بإعطاء التلاميذ كافة الإرشادات ولكن عملياً هذا ليس كافياً كون الصناديق ضعيفة جداً".
كما اعتبر أن قرار إجراء تعطيل المدارس لم يكن متأخراً، مشيراً "أن المدرسة استجابت لتعميم وزارة التربية، وقامت الاثنين 2 آذار الجاري بإجراءات التعقيم بمواد التنظيف المتوفرة لديها مثل الكلوركس والديتول. وكأساتذة امتثلنا لقرار الوزارة بالاستدعاء وحضرنا تزامناً مع إجراء التعقيم، ولكن برأيي لا داعي لوجودنا، فالعاملين بمجال التنظيف بالمدرسة قاموا بالمهمة بإشراف من المديرة والناظرة".
أما عن التعميم الذي صدر عن المدير العام للتربية فادي يرق رقم 25 بتاريخ  2 آذار الجاري، المتعلق بـ "تنظيم عمل المدارس والثانويات الرسمية في خلال فترة الإقفال الناتج عن إنتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)"، ولا سيما حول البند 2 و 3 منه فيما يتعلق بالتعليم الالكتروني لدواميْ قبل وبعض الظهر خاصة لطلاب الشهادات الرسمية، أكّد حسن "يمكن التواصل مع التلاميذ عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحديد مراجعتهم لبعض الدروس وإعطائهم بعض التمارين أو الدورات المطلوب تحضيرها، ولكن لا يمكن إعطاءهم شرحاً وهذه ليست حلولاً عملية، فما الضمانة أن التلاميذ سيمتثلون لذلك، لا سيما نحن نعاني من صعوبة امتثال البعض حتى داخل الصف، أو التزام الأهل بمتابعتهم".
وبما يخص إلزام المتعاقدين بالتعميم والحضور دون مقابل، طالب حسن باحتساب ساعاتهم، مشدّداً على أنه "لا ذنب لهم بفرض الإقفال، بل هناك حالة استلزمت التعطيل، "معليش" هناك نواباً ووزراء يسافرون بتكلفة ملايين الدولارات على مهام لا قيمة لها، وتأتي الدولة الآن لتحرم كم أستاذاً متعاقداً من مبلغ زهيد لساعاته". بدورها، أشارت الأستاذة ديما "أن المدارس الرسمية تعاني من الإهمال الشديد، ففي الأسبوع الأول لظهور الإصابة في لبنان، تأخرت الإدارات في اعلان حالة الطوارئ..، ومنها بادر فقط إلى وضع الصابون وهو الذي مفترض تواجده بديهياً، ومع أن هناك تنبيهاً للعاملين في النظافة بضرورة تعقيم الحمامات على مدار الساعة، وللأسف هذا لا يحصل حتى أن التلاميذ بعد ازدياد إرشادات التوعية أعربوا عن قلقهم من الروائح. وكذلك لم نلحظ بالصفوف حتى تعقيماً بسيطاً للطاولات"، مشيرة أن "هناك مدرسة طلبت من التلاميذ إحضار "السبيرتو" ومنعت استخدام الكمامات ولم تضع حتى صابون"، معربة عن تخوفها من العودة إلى المدرسة "وسط هذا الإهمال المستمر من المعنيين وأيضاً بعض التلامذة والأساتذة والأهل. فلا ثقة إلاّ بالتنفيذ".
وعن التزامها التعليم الإلكتروني، أبلغت ديما طلابها أنها ستقدم لهم شرح مادة العلوم عبر "الصوت" على "الواتساب"، وإذا تعذّر عليهم الاستيعاب ستلجأ إلى استخدام "الفيديو كول"، فكان رد البعض منهم بالاعتذار لأن الإنترنت غير متوفر لديهم.
"فرح" أستاذة في احدى المدارس الخاصة في الجنوب ذكرت "أن المدرسة قامت بالتعقيم الدوري على مدار الساعة في الصفوف والباصات والحمامات. حتى أنها أرسلت إلى المنزل كل تلميذ علمت أن هناك أحداً من أفراد عائلته وافداً من البلدان المصابة".  إلّا أنها لا تخفي تخوفها على ابنها في المدرسة، إذ أن هناك بعض الأطفال يخالفون إرشادات سلوكيات النظافة (السعال والعطس المباشر، عدم الغسل المتواصل، لمس الأعين والأنف والفم دون تعقيم اليدين، تبديل الكمامات). من جهته، عبّر شوقي عن مخاوفه من إرسال ابنه إلى المدرسة وقال "كورونا أصبح يشكل هاجساً كبيراً، خاصة أن الحكومة لا تتعاطى بالجدية اللازمة منذ البداية. ومن علامات التخبط مثلاً تكليف البلديات الإشراف على تطبيق إجراءات العزل الذاتي للوافدين من المناطق الموبوءة، والذين لم تظهر عليهم عوارض الإصابة، كذلك تطبيق الإجراءات على جميع المقيمين معهم في مسكن واحد. وهذا لم يحصل ولا يمكن حصره، في ظل غياب الوعي الكافي عند الأغلبية، كما رأينا الحالة الخامسة عشر لفتاة من بلدة شقرا أتت مع 6 أشخاص بالطائرة الأولى ولم يلتزموا "العزل"، وللأسف اختلطت برفاقها بمدرسة تبنين وهذا مخيف".  المصدر: مجلة النداء