الإثنين، كانون(۱)/ديسمبر 23، 2024

شهداؤنا سيعودون

لبنان
سلّط إعلام العدو الصهيوني الضوء على بعض تفاصيل عملية استعادة رفات الجندي زخاريا باومل، القتيل في معركة السلطان يعقوب عام 1982، والتي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تسليمها إلى تل أبيب الخميس الفائت.

لم يكن إعلان الكيان الصهيوني عن تسليم روسيا الاتحادية تلك الرفات خبراً عاديّاً لدى مختلف الأوساط السياسية اللبنانية؛ فبالرغم من التهيّب وعدم التعليق والصمت الذي أصاب جميع المقربين لجمهورية روسيا الاتحادية، من أصدقاء و"حلفاء" باستثناء الموقف الذي أعلنه الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، كان وقع الخبر صادماً، بخاصة وأن الخطوة الروسية أتت في زمن العطاءات والهدايا المجانية لدولة الاحتلال الصهيوني، دولة الإرهاب المنظم الذي يُمارَس منذ إحدى وسبعين عاماً ضد شعوبنا العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، كما أنها أتت عشية الانتخابات البرلمانية لكيان العدو كي تعطي دفعاً لرئيس حكومته بنيامين نتنياهو أمام خصومه، وسط ترجيحات بتفوق حزب "أزرق وأبيض" على حساب "الليكود"، وفي ظلّ توصيات قضائية بتقديم نتنياهو للمحاكمة بملفات فساد متّهم بها وعائلته.
لقد أظهر المشهد الأخير تسابقاً روسياً أميركياً على دعم نتنياهو في معركته الانتخابية الداخلية؛ ففي ظل المواجهة الكبرى التي تدور رحاها بين الدولتين، من فنزويلا وأوكرانيا إلى سوريا مروراً بالملف النووي الإيراني وما نتج عنه من عقوبات اقتصادية ومالية قاسية على إيران وحزب الله، إلّا أن بعض المطّلعين على الدور الروسي الحالي في المنطقة، وجدوا في تلك الخطوة تطويراً لنتائج حربهم العسكرية الناجحة على الإرهاب في سوريا، وأن روسيا الاتحادية تقدم نفسها اليوم كوسيط نزيه بديل عن الأميركي، الذي فقد قدرته السياسية والدبلوماسية المتوازنة، نتيجة صلافة سياساته العدوانية والمتغطرسة اتجاه الحقوق العربية في القدس والجولان وفلسطين، وفشله في وضع حلول متوازنة لأزمات الشرق الأوسط. فالأميركي يضع المنطقة، نتيجة إخفاقاته السياسية والعسكرية أمام خطر انفجار حرب، لن يكون الكيان الصهيوني بمنأى عن نتائجها المُدمِّرة، كما أنه لن يكون منتصراً فيها. وهنا، فإنه سيحتاج إلى دور روسي "نزيه" بقدر حاجته إلى السلاح الأميركي كي يضمن شيئاً من مستقبل كيانه.
أمام تلك التعقيدات الشائكة والتناقضات التي ترسم لوحة من العلاقات، تستند إلى مصالح آنية ومتوسطة المدى بين مختلف عناصر الصراع المحتدم على الصعيد العالمي والإقليمي، والتي أتت في سياق كسر الهيمنة الأحادية القطبية، التي حكمت العلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وحتى اليوم، تتصدر روسيا الاتحادية، بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية وحلفائهم، جبهة الصراع في وجه مشاريع الهيمنة الامبريالية والتفتيتية في العالم بشكل عام، ومنطقتنا بشكل خاص. فبالرغم من أن روسيا حاضراً ليست الاتحاد السوفياتي، ولن تكون، إلّا أنها، ومن خلال تدخلها للدفاع عن مصالحها الاقتصادية وعن أمنها القومي في منطقتنا، أمّنت مظلّة لما تبقى من مواثيق تُحكَم بموجبها العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب، واستطاعت سوريا وحلفاؤها، من خلال تلك المظلة، الحفاظ على آخر مواقع المقاومة للمشروع الأميركي والصهيوني والرجعي العربي، الهادف إلى تمرير مشاريع التفتيت والتقسيم والتطبيع مع الكيان المغتصب، والتسليم بوجوده وقيادته لمنطقتنا، ما قد يفتح الآفاق مجدّداً أمام قيام مقاومة عربية شاملة لتحرير كل الأراضي العربية المغتصبة، وتأمين الظروف المؤاتية لإسقاط جميع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وقضايا أمتنا العربية في التحرّر والتقدم وبناء الدول الوطنية الديمقراطية العادلة.
أمام تلك الهدية الروسية للكيان الصهيوني، ومن موقع التمسك بالعلاقات التاريخية والصداقة التي تجمع شعبنا اللبناني وشعوبنا العربية مع الشعب الروسي الصديق والحرص على تطويرها دائماً، نأسف في الحزب الشيوعي اللبناني على هذه الخطوة التي لم تأخذ في عين الاعتبار أن الجندي القتيل سقط على أرضٍ لبنانية أثناء غزوه للبنان عام 1982، وتحديداً في بلدة السلطان يعقوب والتي تقع على بعد مسافة قليلة من بلدة كامد اللوز، مسقط رأس الشهيد البطل جمال ساطي، والذي لا تزال تُحتجز رفاته من قبل العدو الصهيوني حتى اليوم، إلى جانب رفاقه الأبطال شهداء حزبنا وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي: الياس حرب، حسام حجازي، ميشال صليبا، يحيى الخالد، فرح الله فوعاني، حسن ضاهر، أياد قصير وحسن موسى، الذين رسموا بدمائهم خريطة الوطن المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني لأرضنا، إلى جانب الآلاف من رفاقهم الأبطال، من كل الأحزاب والقوى المقاوِمة، الذين كانوا أمينين وأوفياء لنضالات كل الشعوب وتضحياتهم في مقاومة الاحتلال لأرضهم، ومن موقعهم الأممي، حين غرفوا، من تجارب الشعب الروسي العظيم ومن حربه الوطنية العظمى في مواجهة الاحتلال النازي، العلوم العسكرية وأتقنوها واستخدموها في حربهم مع عدو اعتدى دوماً على أرضهم ولا يزال، ظناً منه بأنه لا يُقهر، فانهزم وسقط واسطورته.
إن قضية شهداؤنا المحتجزة رفاتهم لدى العدو الصهيوني، كما قضية الأسير يحيى سكاف، والأسير الرفيق جورج ابراهيم عبدالله المعتقل في السجون الفرنسية، هي ملفات مفتوحة من ضمن الصراع القائم مع العدو الصهيوني، ولن نألوَ جهداً في العمل، وبالوسائل النضالية والمشروعة كافة والتي كفلتها كل المواثيق الدولية لتحريرهم، لبلسمة جراح أهلنا في تكريمهم بغار النصر الذي يستحقونه.