الخميس، تموز/يوليو 18، 2024

ذكرى رحيل شيخ الأغنية القضيّة: الشيخ إمام

  ادارة الموقع
متفرقات
السابع من حزيران... ذكرى رحيل شيخ الأغنية القضيّة

الشيخ إمام واسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى، ولد إمام في الثاني من شهر تموّز \ يوليو في عام ۱٩۱٨، في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أوّل من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت.

أصيب إمام في السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبي وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البدائية في علاج عينه.

قضى إمام طفولته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندّا رئيس الجمعيّة الشرعيّة بأبي النمرس وكانت له ذاكرة قوية.

كان يحلم والد إمام أن يكون ابنه شيخاً كبيراً، لكنّه كان قاسياً في معاملته، أمّا والدته فكانت النبع الذي ارتوى منه بالحنان في طفولته وعوّضه فقد بصره، وكانت معايرة الأطفال لابنها بالعمى تدفعها للبكاء، والمعروف عن إمام أنّه كان يندس في مواسم الأفراح والحج، وسط النساء ليسمع غناءهن وأهازيجهن ومن خلالها ظهرت لديه امتلاكه للأذن الموسيقيّة.

لازم إمام حب الاستماع للشيخ محمّد رفعت، وكان الاستماع للإذاعة من ممنوعات الجمعيّة لكونه بدعة، مع أنّه كان يستمع للقرآن، إلّا أنّ الجمعيّة قرّرت فصله بالإجماع؛ عندما سمع والده بما حدث لابنه من فصل من الجمعيّة بحث عنه فوجده يقضي نهاره في الحسين وليله في الأزهر حيث كان ينام، فأهانه وضربه وحذّره من العودة لقريته مرّةً أخرى نظراً للجريمة التي اقترفها بتسبّبه في فصله من الجمعيّة، وبعدها مباشرة توفّيت أمّه التي كانت أعزّ ما لديه في الدنيا، ولم يتمكّن من تشييعها لمثواها الأخير، وبالفعل لم يعد لقريته حتّى وفاة والده.

في إحدى زيارات إمام لحي الغوريّة قابل مجموعة من أهالي قريته فأقام معهم وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة إلتقى إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريري بمجرّد سماع صوته، وتولّى تعليمه الموسيقى.

اصطحب الشيخ الحريري تلميذه إمام إلى جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرّف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ في التحسّن.

وفي منتصف الثلاثينيات كان إمام قد تعرّف على الشيخ زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري، فلزمه واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد ملولاً، لا يحبّ الحفظ فاستمر معه إمام طويلاً، وكان يحفظ ألحانه لأمّ كلثوم قبل أن تغنّيها، وكان إمام يفاخر بهذا.

حتّى إنّ ألحان زكريا أحمد لأمّ كلثوم بدأت تتسرّب للناس قبل أن تغنّيها أم كلثوم، مثل "أهل الهوى" و"أنا في انتظارك" و"آه من لقاك في أوّل يوم" و"الأوّلة في الغرام"، فقرّر الشيخ زكريا الإستغناء عن إمام.

كان لهذه الواقعة أثر في تحويل دفّة حياة إمام مرّةً أخرى عندما قرّر تعلّم العزف على العود، وبالفعل تعلّم على يد كامل الحمصاني، وبدأ إمام يفكّر في التلحين حتّى إنّه ألف كلمات ولحّنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحوّل لمغن واستبدل ملابسه الأزهريّة بملابس مدنيّة.

اللقاء بين إمام ونجم

وفي عام ۱٩٦٢، التقى الشيخ إمام عيسى بأحمد فؤاد نجم رفيق دربه، وتمّ التعارف بين نجم والشيخ إمام عن طريق زميل لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرّف عليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كلاهما بالآخر.

وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحّن أجابه الشيخ إمام أنّه لا يجد كلاماً يشجّعه، وبدأت الثنائيّة بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسّست شراكة دامت سنوات طويلة.

ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتفّ حولهما المثقّفون والصحفيّون خاصّة بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا"، ثمّ "عشق الصبايا"، و"ساعة العصاري"، واتسعت الشراكة فضمّت عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة، كوّنوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء ساهم فيها العديد، حيث لم تقتصر على أشعار نجم فغنّت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، سيّد حجاب، نجيب سرور، توفيق زيّاد، زين العابدين فؤاد، آدم فتحي، فرغلي العربي، وغيرهم.

التحول النوعى في أعمال الشيخ إمام

كغيره من المصريين زلزلت هزيمة حرب حزيران \ يونيو في عام ۱٩٦٧ إمام وسادت نغمة السخرية بعض أغانيها مثل: "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا \ يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار"، و"يعيش أهل بلدي وبينهم مفيش - تعارف يخلى التحالف يعيش"، و"وقعت م الجوع ومن الراحة - البقرة السمرا النطّاحة". ومن أشهر أغانى الشيخ إمام في تلك الفترة أغنية "جيفارا مات" التي أحدثت ضجيجا ضخما في أوساط الطلاب.

انتشرت قصائد نجم التي لحّنها وغنّاها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيّدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتلفزيون؛ لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برّئت المسؤولين عن هزيمة عام ۱٩٦٧، فتمّ القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش عام ۱٩٦٩ ولكنّ القاضي أطلق سراحهما، إلّا أنّ الأجهزة الأمنيّة ظلّت تلاحقهما ويسجّل أغانيهم حتّى حكم عليهما بالسجن المؤبّد ليكون الشيخ أوّل سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربيّة. وكان ياسر عرفات قد توسًط للافراج عنهما عند عبدالناصر الذي رفض ذلك وأعلن أنهما لن يريا النور طوال حياته.

قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة تمّوز \ يوليو حتّى نصر تشرين الأوّل \ أكتوبر يتنقّلون من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر وكان يغنّي وهو ذاهب إلى المعتقلات أغنيته المشهورة "شيّد قصورك" ومن قضيّة إلى أخرى، حتّى أفرج عنهم بعد اغتيال أنور السادات.

في منتصف الثمانينيّات تلقّى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فلاقت حفلاته إقبالاً جماهيريّاً كبيراً، وبدأ في السفر في جولة بالدول العربيّة والأوروبيّة لإقامة حفلات غنائيّة لاقت كلّها نجاحات عظيمة.

في منتصف التسعينيّات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة والإعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغوريّة ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتّى توفي بهدوء في ٧ حزيران \ يونيو عام ۱٩٩٥ تاركاً وراءه أعمالاً فنيّة غنائيّة ثوريّةً ساخرةً ملتزمةً ونادرة.

# موسومة تحت : :