الخميس، تشرين(۲)/نوفمبر 07، 2024

بيان "ائتلاف استقلال القضاء" حول الادّعاء على رياض سلامة

  ائتلاف استقلال القضاء
لبنان
خطوة إيجابية ولكن…  

في تاريخ 23/2/2023، ادّعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته مريان حويّك وكل من يظهره التحقيق بجرائم تبييض الأموال والاختلاس والتهرب الضريبي والتزوير. ويأتي هذا الادّعاء بعد تحقيقات في القضية استمرّت قرابة سنتيْن، بدأت بعد ورود مراسلة من النيابة العامة الاتّحادية السويسرية في أواخر 2020 وهي تحويلات ارتبطت باسميْ الأخوين سلامة ورشحتْ عن شبهة باكتسابِهما منافع غير مشروعة من مصرف لبنان تصل إلى أكثر من 300 مليون د.أ.

وكانت مرحلة التحقيق في هذا الملف لدى النيابة العامة، والتي تولاها المحامي العام التمييزي جان طنّوس، قد شهدت مشقّات عدّة، مع ممانعة المصارف عن تزويد النيابة العامة بالمعلومات المصرفية، وتدخّل رئيس الحكومة لتعطيل مداهمة المصارف وتسويف هيئة التحقيق الخاصة في التدخل لإعطاء المعلومات المطلوبة لأشهر معدودة وصولا إلى مخاصمة أحد المصارف وسلامة للدولة على خلفية قرارات طنّوس بهدف تعطيل التحقيق. كما شهدت القضية بعد انتهاء التحقيق فيها في آب 2022 تراشق مسؤوليات بين النيابات العامة للتخلص من كأس الادعاء على سلامة، فضلا عن تقدم سلامة بدعوى مخاصمة للدولة ودعوى ردّ ضدّ النائب العام في بيروت زياد أبو حيدر بهدف منع الادعاء عليه. ولم يتحرك هذا الملف في اتجاه قبول دعوى رد أبو حيدر وتعيين حموش بديلا عنه إلا بعد قدوم الوفد الأوروبي إلى لبنان في كانون الثاني 2023 في إطار التعاون الذي طلبه عملا بالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. 

 

وإذ يُرحّب ائتلاف استقلال القضاء بهذا الادّعاء المنتظر منذ أمد، والذي يشكل المسار الطبيعي للقضية بعد الانتهاء من التحقيقات فيها، فإنه يعرب بالمقابل من قلقه إزاء أمور ثلاثة: 

 

أولا، أي ضمانات لمتابعة القضية بصورة جدية من قبل قضاء التحقيق؟ 

من طبيعة الأشياء أن تحيل النيابة العامة الملفّ إلى قاضي التحقيق الأول، وهو في هذه الحالة القاضي شربل أبو سمرا الذي يشغل المنصب بالإنابة. وهنا نسجل 3 عوامل قلق: الأول، أن هذا القاضي سجّل في السنوات الأخيرة توجها واضحا لتسهيل إفلات أصحاب النفوذ من العقاب في العديد من القضايا. ومن أخطر هذه القضايا قضية الإثراء غير المشروع بحقّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتي ردها على خلفية مرور الزمن، وفي تعارض تام مع الوقائع وقانون الإثراء غير المشروع الذي يعد هذا الجرم غير قابل صراحة لمرور الزمن. كما سجّل قرارا لا يقل خطورة في رد الشكوى المقدمة ضدّ وزيريْ الاتّصالات محمد شقير وجمال الجرّاح وآخرين في فضيحة إيجار وشراء مبنى تاتش بحجج واهية، قبل أن تفسخ الهيئة الاتّهامية أيضا قراره. وما يزيد من القلق هنا أن القاضي أبو سمرا غير متخصص وأنه يبلغ سنّ التقاعد خلال أشهر. وكلها عوامل قلق أمكن تجاوزها من خلال التزام أبو سمرا بتكليف قاض آخر من قضاة تحقيق بيروت القيام بهذه المهمة من دون أن يتولاها مباشرة.   

 

ثانيا، أيّ ضمانات لحماية القضاء الوطني ضد وسائل التعطيل؟ 

سجّل ائتلاف استقلال القضاء في عدد من بياناته السابقة نشوء ممارسة من شأنها تقويض العمل القضائي. وقوام هذه الممارسة هي تقديم المتهمين دعوى مخاصمة ضد الدولة على خلفية أعمال أي من قضاة التحقيق أو الحكم أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، مما يؤدي إلى وقف التحقيق معهم تلقائيا إلى أجل غير مسمى أيا تكن جدية هذه الدعوى. ويصبح التعطيل هنا مفتوحا بالنظر إلى تعطيل النصاب في الهيئة العامة لمحكمة التمييز تبعا للقرار السياسي بإجهاض مشروع التشكيلات القضائية الجزئية لتعيين بدائل عن رؤساء غرف محكمة التمييز المتقاعدين. وما يزيد من مشاعر القلق هنا هو (1) أن سلامة كان سبق واستخدم هذه الوسيلة التعطيلية ضدّ كل من المحامييْن العامّين جان طنوس وزياد بو حيدر و(2) أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسّام المولوي أعطيا هذه الممارسة ما يشبه المباركة الرسمية لتعطيل التحقيقات في قضية المليارات التسعة والتي كانت باشرتها النائبة العامة في جبل لبنان. 

 

ثالثا، أيّ ضمانات لتجنّب سوء استخدام التحقيق لتعطيل التعاون الدولي؟  

أخيرا، ثمة مخاوف مشروعة من أن يكون الهدف من الادعاء على الشقيقين سلامة هو فبركة ذريعة لرفض التعاون مع المحقّقين الأوروبيين، بما يجنب استجوابهما في لبنان أو يعطل إمكانية الادعاء عليهما في الدول الأوروبية. وتنبني هذه المخاوف على الفقرة 25 من المادة 46 من اتفاقية مكافحة الفساد والتي تنص أنّه يجوز للدولة متلقية طلب التعاون أن ترجئ المساعدة القانونية المتبادلة بسبب تعارضها مع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية جارية. 

ومن المهمّ هنا أن نسجّل أنّه بالنظر إلى تواجد الأموال المشتبه بتبييضها في الخارج، وإلى القصور في العمل القضائي في لبنان والتدخلات الجسيمة التعطيلية التي تحدق به، وإلى الحاجة إلى الخبرات والمعلومات الأوروبية في هذه القضية. ومن هنا، فإن أي تذرع بالفقرة 25 في الظروف الحاضرة إنما يبدو تعسفيا وغير مبرر بأي تعارض محتمل مع التحقيق في لبنان، فضلا عن أنه يجافي مصلحته. فعلى العكس من ذلك، إن مباشرة التحقيق في 2020 حصل بنتيجة مستندات تلقاها لبنان من سويسرا والادعاء ما كان ليحصل لولا تقدّم عمل المحققين الأوروبيين وزيارتهم الأخيرة للبنان. بمعنى أن أي رفض للتعاون على أساس هذا الادعاء سيكون مخالفا لنص الاتفاقية وروحيّتها. يكفي للتذكير هنا أنّ الفقرة 26 من المادة 46 توجب على الدول الأعضاء في الاتفاقية التشاور فيما بينها قبل رفض أي طلب تعاون أو إرجائه وأنها تخوّل الدول المتعاونة وضع شروط له تجنبا لأي أثر سلبي محتمل له عند الاقتضاء.      

 

وعليه، يطالب ائتلاف استقلال القضاء بالأتي: 

ندعو الحكومة اللبنانية إلى المبادرة لوقف صلاحيات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فورا بالنظر إلى خطورة الأفعال التي ادعي عليه بها، إلى حين بت النظر فيها، ندعو قاضي التحقيق الأول بالإنابة إلى نقل الملف إلى قاضي تحقيق آخر في بيروت، ضمانا للاستمرارية والتخصص ولزيادة الثقة في جدية التحقيق، ندعو القضاة إلى مزيد من الاجتهاد لتعطيل المفاعيل العبثية الناجمة عن أسلوب استعداء القضاة بهدف تقويض العمل القضائي،  ندعو أخيرا إلى إبقاء التعاون قائما مع المحققين الأوروبيين لما فيه مصلحة لبنان في ظل الظروف الحاضرة، على أساس أن هذا التعاون يزيد من السيادة القضائية ولا يقلل أبدا منها.