السبت، نيسان/أبريل 20، 2024

فلسطين لم تهزم

  بوابة الهدف
فلسطين

بلغ زهد حكام العرب بكرامة شعوبهم وتاريخ بلادهم وموروث حضارتها أن بات بعضهم يحدد تسعيرة مالية للثمن المطلوب للتطبيع مع الكيان الصهيوني، في تطبيق حرفي لمعنى "بيع القضية"، بل وينبري سياسي حذق ليشرح لأقرانه في إحدى الحكومات أن التطبيع في هذا التوقيت أعلى قيمة منه في وقتٍ آخر.

سور فلسطين لم يكن أبدًا خفيضًا مكسورًا في نظر حكام العرب كما هو الآن، فقد تكفلت سنوات أوسلو العجاف بتمهيد الطريق لخونة العرب، ومدت قنوات التطبيع أقنيتها لقلب العواصم العربية؛ مستفيدة من غطاء التهاون، ومن ستار التيه السياسي العربي، ولا زال الفعل في معسكر الشعوب أعجز من أن يردع الحكام ويذكرهم بقدرته على العصف بعروشهم ونظمهم، ذلك رغم غلبة الموقف المعادي للتطبيع والمطبعين وللمشروع الصهيوني والمؤيد لقضية فلسطين في صفوف الجماهير العربية.

معضلة أساسية يواجهها الموقف المناهض للخيانة والتطبيع والمتمسك بفلسطين كبوصلة وشعبها، لا يرتبط بضراوة الهجمة التطبيعية والتصفوية ضد القضية الفلسطينية فحسب، ولكن بالأساس بما أحدثته الهجمات الاستعمارية السابقة؛ من تفتيت للمعسكر المناهض للاستعمار، وتمزيق لوحدة الموقف الشعبي بواسطة أدوات التحريض الطائفي، وما أحدثته حروب التدمير الذاتي من تمزيق لبنى المجتمعات العربية، بحيث أن الولايات المتحدة اليوم ومعها العدو الصهيوني ينقضان على جسد ممزق قد خبرت جروحه ونقاط ضعفه التي أحدثتها فيه خلال السنوات الماضية، ومع ذلك وحتى اللحظة لم تنجح الولايات المتحدة وفي ظل هذا الوضع النشاز والاستثنائي؛ إلّا في استقطاب أذنابها وأدواتها الطيّعة لمشروع التطبيع والتحالف مع العدو الصهيوني، أي أن حلفاء العدو الصهيوني في العالم العربي هم من استجابوا للطلب الأمريكي بإعلان تحالفهم القائم بالفعل معه؛ فلا انزياح من معسكر المقاومة والصمود العربي إلى معسكر الخيانة، والتشخيص الدقيق أن صوت الخيانة قد ارتفع دون عقاب أو رادع، ولكن هذا لا يعني أنه انتصر أو حسم المعركة أو اقترب من حسمها أو امتلك أدوات حسمها.

صحيح أن الجواب على هذا التمادي من نظم الخيانة، في سطره الأول فلسطيني، يتمثل في الفكاك التام من حقبة التسوية المشينة وما ارتبط بها، ولكن متنه وخاتمته عربية شاملة، تلعب فيها فلسطين دور البوصلة في استعادة الاشتباك مع المشروع الصهيوني الاستعماري لأولويته وجذريته، وتتمكن الشعوب العربية ضمن هذا السياق من زعزعة العروش ونظم الحكم الاستبدادي العميلة، فما تؤكده هذه الحقبة، حقيقة التحالف الوطيد بين نظم الرجعية والاستبداد، والمنظومة الاستعمارية، واستحالة فصل المواجهة مع أحد مكونات هذا التحالف.