السبت، نيسان/أبريل 20، 2024

في الذكرى 150 لكومونة باريس: نداء الكومونة لا يزال يحتفظ براهنيته

  حزب العمال (تونس) - فرع فرنسا
متفرقات
تحيي الطبقة العاملة العالمية وكافة الإنسانية الديمقراطية والتقدمية الذكرى 150 لقيام كومونة باريس. وبهذه المناسبة نشرت الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية بياناً، نورده في ما يلي :

قبل 150 عاما، وتحديدا يوم 18 مارس 1871، استولت البروليتاريا على السلطة وشكلت لأول مرة حكومة عمالية. تم طرد الوزراء والبيروقراطيين من باريس، وتم إسناد السلطة التنفيذية إلى اللجنة المركزية للحرس الوطني، التي كانت تمثل جيش الطبقة العاملة.
استمرت هذه السلطة الأولى للعمال 72 يومًا قبل أن يتم سحقها من قبل القوى الرجعية الموحدة التي ذبحت عشرات الآلاف من الناس. ومع ذلك، تركت الكومونة كنزًا من الدروس لا يُقدّر بثمن، لا تزال صالحة حتى اليوم.
كانت شرارة الكومونة هي انتفاضة بروليتاريا باريس، التي رفضت قبول الاتفاق المهين الذي أبرمته البرجوازية الفرنسية وحكومتها بالخضوع لجيش الغزاة البروسيين الذين انتصروا في حرب عام 1870. بعد استسلام نابليون ثالثًا، انتفض أهل باريس وأسقطوا الإمبراطورية الثانية في 4 سبتمبر. وبعد أن استولت البرجوازية على السلطة، حاولت مهاجمة الشعب بدلاً من محاربة الغازي. "في هذا الصراع بين الواجب الوطني والمصالح الطبقية، لم تتردد حكومة الدفاع الوطني للحظة قبل أن تتحول إلى حكومة انشقاق وطني" (ماركس). وبعد أن فتحت البرجوازية الطريق أمامه، ضرب الغازي البروسي حصار على باريس بعد أن استولى على معظم المناطق الصناعية في فرنسا.
بعد خيانة البرجوازية، أخذت بروليتاريا باريس زمام المبادرة و "اقتحمت السماء". بينما طرحت قطاعات العمال المتقدمة فكرة التحرر الوطني والاجتماعي، كانت الطبقة العاملة، التي لم يكن لديها فكرة حقيقية عن قوانين التقدم الاجتماعي، تحت تأثير برودون وبلانكي والجاكوبين الجدد. وعلى الرغم من كل شيء، بدأت في تفكيك الجهاز البيروقراطي العسكري. كتب ماركس: "بعد ستة أشهر من الجوع والخراب، بسبب الخيانة الداخلية أكثر من فعل العدو الخارجي، انتفض العمال، تحت الحراب البروسية، كما لو لم تكن هناك حرب أبدًا بين فرنسا وألمانيا، وأن العدو لم يكن على أبواب باريس. ليس للتاريخ مثال مشابه لمثل هذه العظمة. "

أعلنت اللجنة المركزية للحرس الوطني في الجريدة الرسمية الصادرة في 25 آذار / مارس أن "الكومونة أعطت باريس الحرس الوطني الذي يدافع عن المواطنين، ضد السلطة بدلاً من الجيش النظامي الذي يدافع عن السلطة ضد المواطنين". تحدث ماركس عن فترة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية وأوضح الحاجة إلى تحطيم جهاز الدولة البرجوازي كدرس من دروس ثورات 1848. وأظهرت بروليتاريا باريس بأيّ جهاز يمكن استبداله.
قامت كومونة باريس بتفكيك الجيش النظامي وتنظيم الشرطة، وهما أداتان للقمع الطبقي. كما تم تفكيك البيروقراطية. لم يكن قرار تدمير هذين الجهازين نابع من تفكير نظري، ولكنه كان نتيجة للمسار الفعلي للصراع الطبقي تم تجسيده من خلال "اتباع غريزة الشعب المستيقظ التي قلّما تخطأ."
وفي اليوم الثاني للكومونة، أصبح إلزامياً لجميع الجنود المتبقين في باريس الانضمام إلى الحرس الوطني. تم استبدال الجيش والشرطة بمواطنين مسلحين، وتم استبدال الجهاز البيروقراطي القديم بتكليفات ديمقراطية، بما في ذلك في الكومونة والسلطة القضائية إذ تم إسناد جميع المناصب عن طريق الانتخاب. كان المسؤولون المنتخبون مسؤولين أمام الشعب ويمكن سحب الثقة منهم وفصلهم من وظائفهم. وكانوا لا يتقاضون أكثر من 6000 فرنك، أي متوسط أجر العامل الماهر. وحدت الكومونة السلطتين التنفيذية والتشريعية. كانت دكتاتورية البروليتاريا التي كانت بصدد البناء ضعيفة للغاية وتشكو من عديد الثغرات، لكن كل هذه الإجراءات التي تم تنفيذها في فترة صعبة للغاية كانت أكثر ديمقراطية وتفوقًا على الديمقراطية البرجوازية الأكثر تقدمًا.

مع إعلان الجمهورية تم إنشاء عشرات النوادي العمالية والنقابات والصحف في باريس وفي جميع المدن الكبرى. لقد طورت الديكتاتورية البروليتارية، أو الديمقراطية البروليتارية، مبادرة الجماهير. إذ سرعان ما نظم أهل باريس أنفسهم لتحذير المسؤولين المنتخبين في الكومونة من أخطائهم ونواقصهم، لتقريبهم من مصالح الشعب وإبعادهم عن المسؤولية إذا لزم الأمر. كان المئات من الرجال والنساء يجتمعون كل مساء في نوادي العمال بعد العمل للمناقشة في حوالي ثلاثين منطقة في باريس، حيث كانوا ينتقدون الكومونة من حين لآخر. كما تمت دعوة قادة الكومونة إلى هذه الاجتماعات التي شارك فيها العمال بشكل خاص. كانت منابر تشارك فيها الجماهير العمالية بشكل مباشر في السياسة، ورفع مطالبهم، وتقييم وانتقاد القرارات التي تتخذها الكومونة. وفي اليوم التالي يبلغ وفد باسم النادي الكومونة التي يقع مقرها في بلدية باريس بالقرارات المتخذة. انعكست هذه المناقشات أيضًا في العديد من الصحف اليومية، والتي كان لها تأثير كبير بين الجماهير، حيث تم توزيع 50 إلى 60.000 نسخة. وقاموا بنشر رسائل كتبها العمال توضح للكومونة الإجراءات الواجب اتخاذها. نوقشت المقالات الصحفية بين الجماهير، وأصبحت في بعض الأحيان موضع جدل بين وجهتي نظر مختلفتين في اجتماعات النادي. وقد ساعدت هذه النقاشات على رفع مستوى الوعي السياسي وتوفير منصة للسكان لمراقبة على القرارات المتخذة وتقديم مبادراتهم.
نظم سكان باريس أنفسهم في لجان الأحياء والكوميونات، ونشروا ممثليهم في المجالس الإقليمية وغيرها مثل المجلس البريدي ومجلس ورشة الأسلحة في متحف اللوفر.
لم يكن للمرأة حق التصويت بعد، لكنها كانت نشطة في السياسة ولعبت دورًا كبيرًا في فترة الكومونة، وقدمت أهم المقترحات.
كانت النقابات من بين أدوات تدخل الطبقة العاملة. خلال فترة الكومونة، تم تنظيم 34 نقابة نشطة في مختلف القطاعات، وقد تم تشكيل معظمها قبل الكومونة، ولكن معها زاد نفوذها وأصبحت ممركزة. هذه النقابات، إلى جانب 43 جمعية منظمة بين الجماهير، مثلت أدوات مراقبة الشعب لقيادة الكومونة.

استمرت الكومونة 72 يومًا فقط، تخللتها عديد المناوشات، لكنها حاولت خلال تلك الفترة القصيرة حل المشكلات الرئيسية للشعب.
فمن أجل حل مشكلة البطالة، قررت الكومونة الاستيلاء على المصانع وأماكن العمل المهجورة واستئناف الإنتاج.
ولتحسين ظروف العمل، تم حظر العمل الليلي على الخبازين. كان هناك أيضًا حظر على أرباب العمل الذين يقتطعون غرامات من الأجور بذرائع مختلفة، وهي طريقة مستخدمة على نطاق واسع في ذلك الوقت. كما تم تخفيض ساعات العمل اليومية في بعض المناطق
تمت مصادرة منازل فارغة ومهجورة وشطب إيجاراتها وتجميد ديون الإيجارات المتراكمة.
نم فصل الشؤون الدينية عن شؤون الدولة وبدأت تتشكل أسس الدولة العلمانية. أصبح التعليم العلماني والمجاني إلزاميًا لجميع الأولاد والبنات.
تم الإعلان عن عفو سياسي ورفع جميع القيود المفروضة على حرية التعبير. حصلت البلديات على الاستقلال الكامل. ومع ذلك، فإن الكومونة لم تصمد طويلاً بما يكفي لتنفيذ كل هذه القرارات. ومع ذلك، كما قال ماركس، "كان الإجراء الاجتماعي العظيم للكومونة هو وجودها ذاته".
ومع ذلك، فقد ارتكبت الكومونة أخطاء أيضًا.
بعد توليهم السلطة، كان لدى قادة الكومونة موقف توفيقي وبعض الفتور. فالتردد لم يسمح لهم بتوجيه الضربة القاضية لحكومة فرساي، التي كانت تنسحب في حالة من الفوضى. أراد زعماء الكومونة تجنب الحرب الأهلية، لكن البرجوازية هي التي بدأت الحرب.
في الأيام الأولى للكومونة، كان هناك ولاء مبالغ فيه للديمقراطية الرسمية وأعطي الكثير من الشرعية للانتخابات، مما أدى إلى تأخير المهام العاجلة. ومع ذلك، كانت الكومونة بالفعل شرعية في نظر الجماهير العريضة. مر أسبوع في الإجراءات الرسمية.
استمرت السذاجة السياسية بعد ذلك. كانت شوارع باريس مليئة بجواسيس فرساي، لكن الكومونة لم تتخذ الإجراءات اللازمة. سُمح بطباعة وتوزيع العديد من الصحف المدافعة عن الثورة المضادة باسم "حرية الصحافة". من ناحية أخرى، عندما بدأ جنرالات فرساي في إطلاق النار على الكومونيين عن طريق فيالق الموت، تبنت الكومونة في 5 أبريل قرارًا "يتم بموجبه مواجهة أي مذبحة بالدم" ولكن لم يتم تفعيله قبل "الأسبوع الدموي"، الذي تم خلاله ذبح عشرات الآلاف من الباريسيين.
كما لوحظ نفس التردد في مسألة الإطاحة بالنظام القديم. لم يتم تأميم البنك المركزي والشركات الكبرى عن طريق المصادرة. لم يتم اتخاذ أي إجراء لصالح النساء اللواتي لعبن الدور الأكثر نشاطا في الثورة. ظلت الضرائب سارية ومعها النظام الرجعي القديم. نقطة ضعف أخرى للكومونة هي أنها لم تفعل الكثير لكسب دعم الفلاحين. لم تكن البروليتاريا مدركة تمامًا بعد لضرورة الحصول على دعمها. لقد استخلصت الأممية درسًا مهمًا آخر من تجربة الكومونة: "بالنظر إلى أنه ضد هذه القوة الجماعية للطبقات المالكة، لا يمكن للطبقة العاملة أن تتصرف، كطبقة، إلا من خلال تشكيل نفسها كحزب سياسي متميز ومعارض لكل الأحزاب القديمة التي شكلتها الطبقات المالكة ". أعلنت الرابطة الدولية للعمال في اجتماعها في سبتمبر 1871 أن "تشكّل الطبقة العاملة في حزب سياسي ضروري لضمان انتصار الثورة الاجتماعية وبلوغ مآلها النهائي - القضاء على الطبقات".
إن تعاليم كومونة باريس، التي شددت على الحاجة إلى ديكتاتورية البروليتاريا من أجل التحرر الاجتماعي من خلال النضال من أجل السلطة ضد الرأسمالية المتدهورة، وبالنسبة للطبقة العاملة، فإن الحاجة إلى تنظيم نفسها في حزب سياسي، لا تزال حية وذات راهنية بعد 150 سنة.

المجد والخلود لكومونة باريس !
عاشت الأممية البروليتارية !
الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية
18 مارس 2021