الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

د. كمال حمدان حول مسودة البيان الوزاري: لا ثقة في هذه الحكومة...

لبنان
إن طريقة تشكيل الحكومة، تفسر عدم وجود برامج إنقاذية جاهزة في مسودة بيانها الوزاري، وهذا يعني بما لا يقبل الشك بأنها ستتعاطى مع القضايا الكبرى التي ستواجهها بحسب البرامج الموروثة من الحكومة السابقة.وفي هذا السياق، فنّد المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي د. كمال حمدان ما ورد في الشق الاقتصادي من مسودة البيان الوزاري لحكومة حسان دياب خلال لقاء حواري أجراه مع الإعلامية نانسي السبع عبر برنامج "الحدث" على شاشة تلفزيون الجديد.

ورأى أن لا انتقال فيه إلى الاقتصاد المنتج، وهناك كلام عام على غرار بيان الحكومات السابقة رغم وجود بعض الخروقات الإيجابية، مؤكّداً على أنه "من حيث المبدأ لا ثقة في هذه الحكومة".
وحول ما ورد في مسودة البيان الوزاري عن "الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج" أشار حمدان إلى أن "هناك كلاماً عاماً قرأناه أيضاً في بيانات حكومية سابقة رغم وجود بعض الخروقات الإيجابية في مسود البيان الحالية، ولكن هناك تكرار للأدبيات نفسها بشكل عام. وآخر ثلاثة بيانات وزارية تضمنوا 70 % من هذه النقاط المقترحة في هذا البيان. لذا، أقول من حيث المبدأ "لا ثقة في هذه الحكومة" حتى لو منّنا النفس بأن نرى بعض الأفعال الملموسة مغايرة للوجهة لما عهدناه منذ ثلاثين سنة حتى اليوم"، شارحاً سبب عدم منحه الثقة "لا ثقة لأن هناك جزءاً كبيراً من التوجهات والاقتراحات الواردة في هذه المسودة هي عبارة عن تشريعات ومشاريع قوانين منها يطال الفساد، حقوق المرأة، السياسة النقدية والسياسة المالية.. إلخ. والمشكلة أن هذه المشاريع ستحال إلى مجلس نواب كان نفسه مسؤولاً، بمعزل عن مواصفات أعضاءه الشخصية والمهنية والخلوقية، خلال ثلاثون سنة عن التغاضي أو التعامل مع حالات كبيرة من الهدر حتى لا أقول الفساد. وهذا يعيدني إلى النقاش الأول الذي طُرح في بداية الانتفاضة عندما تعمم شعار وسط صفوف الالاف من الناس بمطلب حكومة جديدة مستقلة بصلاحيات استثنائية بما فيها المجال التشريعي، وكان هناك قناعة عند من تبنوا هذا الشعار، أن غياب الصلاحيات الاستثنائية سيترك الأمور تراوح مكانها".
وأما عن الورقة الاقتصادية التي وضعها حمدان مع عدد من الزملاء الاقتصاديين (اقتصاديو الحراك) أشار "أن هذه الورقة وضعت على أساس أحوال الناس الذي نزلت إلى الشارع بعشرات الألوف، فعلى سبيل المثال هناك عشرات الالاف سنوياً يتوافدون إلى سوق العمل، وفي بنيتنا الديموغرافية الحالية ونسبة الخريجين من الجامعات أو من التعليم المهني النظامي وغير النظامي  هناك 50 ألفاً سنوياً ينضمون إلى سوق العمل وسط اقتصاد، بفرعيه القطاع العام والخاص، لا ينتج تقريباً أكثر من 15 ألفاً، من ضمنهم تقريباً  نسبة الثلث بأشكال ملتوية من تحت الطاولة أو فوقها، فالدولة سنوياً تقوم بتوظيفهم وبدون معرفة مدى الحاجة إلى من تشغله وكفاءته، وتأخذ بين الخمسة وستة آلاف موظف بين عسكر وأساتذة تعاقد وظيفي واقحام البعض في الوزارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة. وهناك مشكلة الأفق المسدود أمام الشباب وهم ثمة الحرك؛ فالاقتصاد "معشش به" الريع ولا يخلق فرصاً للعمل، وإذا خلق فرصاً للعمل فهي ضعيفة أي مستوى الأجر فيها يلامس خط الفقر، وتقديمات اجتماعية مشكوك بالحصول عليها، التتبع للتطور المهني خلال عمره العملي بالمؤسسات غير واضح، وهذا كله يشكل مصدراً للقلق عند الشباب، ويتراكم العدد عام بعد عام. فكانت الهجرة التي روّجت لها الطبقة السياسية كثيراً، لأنها أسّ من أسس الاقتصاد الريعي، وعوضاً أن نحرج أنفسنا كطبقة حاكمة أمام البحث عن طرق وأساليب لدمج كفاءات بالإنتاج الحقيقي ويسوق عمل محلي وبنشاطات لها قيمة مضافة عالية، اتخذوا الأسهل وفقاً للعقلية المتبعة منذ مئة سنة، فكانت هجرة الشباب والانتفاع من الأموال التي يصدرونها إلى لبنان، وتأتي إلى المصارف التي عملت اتفاقاً مع نواة السلطة الحاكمة: نعطيكم فوائد أعلى وتعطونا ما نحتاجه لتغطية العجز". الخطة الاقتصادية المطروحة...
وحول "الخطة الاقتصادية" المطروحة في مسودة البيان الوزاري وفي مقدمته ورد عبارة "اللجوء إلى "خطوات اقتصادية وأدوات علاج مؤلمة" ومكافحة الفساد ورد في احدى فقراته "رفع السرية المصرفية والحصانة عن كل من يتولى الوظيفة العامة". وبما يتعلق بكيفية تطبيق اجراء رفع السرية وحاجته إلى إقرار قانون خاص به؛ كرر حمدان أن "هذا يؤكد ما بدأت فيه، أن هذا النمط من التشكيل الحكومي جاء بدلاً عن ضائع، ولم يأتي في "إطار حكومة مستقلة من خارج التشكيلات الطائفية السياسية الحاكمة، لديها قدرات مهنية رفيعة وصلاحيات تشريعية"، ولأن ذلك لم يحصل، أصبح لدي مخاوف أن هذا الذي يعد به البيان الوزاري حول رفع الحصانات والسرية المصرفية واستعادة الأموال المنهوبة... فهو استعار 60 و70 % من شعارات الحراك ولكن "اسمع كلامك يعجبني وأشوف أمورك تتعبني". ومع أنها مسودة تحتوي على عناوين يمكن يفاجئونا لاحقاً لأنهم يضعون عليها "مختصر مسودة" ولكن هذا لا يطمئن لأن كل هذا سيذهب إلى مجلس نواب جميعنا نعلم كيف أتى وعبر أي قانون انتخابي، ونعرف تاريخ التشريع البطيء والمشاريع تمر وتبقى سنوات على رفوف اللجان، ويعاد كل مشروع عدة مرات، ويعاد تدويره أيضاً مثل "أم العروس" على هذه اللجان، ومكان ما يوجد مصالح حقيقية. وعلى سبيل المثال، نحن عملنا مع الراحل د. باسل فليحان حول دراسة عن "درجة المنافسة بالاقتصاد اللبناني"، وكان معنا الدكتور توفيق كسبار بالفريق، وعملنا على وضع ورقة خلفية كي نحسّن صياغة قانون مكافحة الاحتكار، تزامناً مع بداية الحريرية حيث كان البلد ينتقل نحو الالتحاق بالعولمة والتحرر الاقتصادي وتخفيض الرسوم الجمركية، أي ذاهبون بسرعة استثنائية وراء فتح البلد، وكلفنا تلك الفترة عام 2002 أن نقيس ببنية الأسواق المحلية كم يوجد سيطرة "احتكارات القلة". وحينها أذكر أن كان في أيدينا مشروع مسودة قانون 2002، ونحن الآن في الـ 2020 أي مرّ تقريباً 18 سنة، لا أدري ماذا فعلُوا بهذه المسودة، والتي استنبطوا عنها أكثر من مسودة فيما بعد. وآنذاك، تبيّن معنا نتائج مرعبة عن الاحتكار بعد 20 سنة من الحرب. كما عرضت آلاف البرامج الحوارية تمحورت على المواضيع الثانوية ونقاشات تحت الطاولة لها اعتبارات مذهبية طائفية ومنفعية، ولها علاقة بالاستقطابات الخارجية فهذه هي اللغة السائدة للمتحاورين. لذلك أوجه اللوم إلى الاعلام ووصوله إلى هذا المستوى، أي يبحث عما كل ما له من علاقة في هذه التناقضات الطُفيلية والثانوية بين سني شيعي مسلم مسيحي درزي، والتعيينات والمحاصصة. بينما من الـ 2002 كانت مشكلة الاحتكار صارخة حتى أن البنك الدولي أشار سابقاً إلى أن هذا البلد مليء باحتكارات تاريخية مترسخة في معظم أسواقه.  واستناداً إلى المنظمة الدولية للمعايير ان هذا التصنيف للأنشطة بالعالم يتضمن 5000 بند، استطعنا نحصي ما يقارب 300 سوقاً، فعلى سبيل المثال سوق الألمنيوم، تضمن التصنيف 30 بنداً لهم علاقة بهذا السوق.
كما طلبنا من الدكتور فليحان اعطاءنا المعلومات الخاصة بهذا السوق فيما يتعلق بالـ TVA الخاصة بثمانية آلاف شركة، دون اعطاء أسماء تلك الشركات، فأخذنا المعلومات المتعلقة بالضريبة والمبيعات للحصول على نتائج قيمة، كي نتمكن من قياس وزن المؤسسات في السوق، وتمكنّا من الحصول على نتائج قيّمة، فعلى 300 سوق أمكن احصائهن، ظهر لدينا أن ثلثي الأسواق تخضع لسيطرة من شركتين أو ثلاثة، وتبلغ سيطرتها على مبيعات السوق نسبة الـ 70% والـ 75%.  كما، ظهر تفاوتاً في بعض الأسواق بما يتعلق بموضوع الأدوية، الإسمنت، المحروقات، القمح والكثير من القضايا. استناداً إلى ذلك، إذا أردنا أن نشرع قانون مضاد للاحتكار (Antitrust laws)، كان يجب وضع تقيّماً دون الإساءة الى مصلحة الاقتصاد والاستثمار والحرية الاقتصادية (قدس الأقداس)، مثلما وضعت دول عريقة في رأسماليتها قوانيناً تحدّ أو تمنع قيام هذه الكارتالات الاحتكارية، فكل شيء تبدل في الثلاثين سنة الماضية إلاّ سيطرت هذه الاحتكارات ازدادت. ولهذا وفقاً للمعاير الدولية، تعتبر كلفة المعيشة في لبنان عالية جداً، لأن هذه الأعمال والمصالح ليست حديثة أو جديدة، بل أنها عميقة جداً ولها جذوراً عميقة، وهي التي ترفع تكلفة المعيشة وتجعل البلد "غالي"، إذ باتت بيروت تعتبر مدينة عالية كلفة المعيشة فيها. فمقارنة لبنان مع دول ثرية وصناعية نجد تكلفة المعيشة عالية، وبالمقابل هناك 60% من اللبنانيين يعملون أجراء، وهناك بعض الفئات بالقطاع العام استفادت من تصحيحات الأجور من العام 1996 حتى الآن ثلاث مرات؛ عام2008 مع الوزير أزعور، 2012 غلاء المعيشة،2017 سلسلة الرتب والرواتب. وفي القطاع الخاص هناك 75 % و80% من الأجراء استفادوا عام 2008 بزيادة مئتي ألف ليرة على "الراس" متل قطعان الغنم، وأيضاً في عام 2012، وتوقف تصحيح الأجور منذ ثماني سنوات.
وإذا اطلعنا على قاعدة البيانات الغير معلنة الخاصة بمؤسسة الضمان الاجتماعي حيث يصرحوا أصحاب العمل، حتى لو افترضنا وسطياً أن صاحب العمل يصرّح عن ربع أو ثلث أقل، نتفاجأ أن هناك حوالي 70% من الأجور المصرح عنها تكاد لا تلامس الخط الأعلى للفقر المقّدر اليوم سنة 2020 للعائلة والذي يقدّر حوالي 1200 دولاراً أو 1300 دولاراً للعائلة.